لماذا لن يعود اللاجئون السوريون؟

2019.03.12 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لا تترافق كل الحروب مع اللجوء، لكنها حتما تشهد نزوحاً داخل البلد، لكن إذا ما عبر هؤلاء النازحون إلى حدود دولة أخرى تحول النازحون إلى لاجئين، وقد تميزت الحرب السورية بأنها كانت وقوداً لملايين اللاجئين ليس إلى دول الجوار فحسب لبنان والأردن والعراق وتركيا، وإنما هاجر السوريون ولجؤوا إلى دول أوروبا المختلفة وشرق آسيا ومع تصاعد أزمة اللاجئين في أوروبا في عام 2015 جرى توزيع حصص اللاجئين على الدول الأوروبية المختلفة لذلك وصلت عائلات سورية لاجئة إلى آيسلندا على سبيل المثال بعد أن كان لم يسمع بها معظم السوريين أو فكر بالذهاب إليها.

لقد تحول اللاجئ السوري إلى مقيم دائم في بلد اللجوء المضيف ويبدو أن النظام السوري قد جرد كل السوريين

غالباً ما تتبع عملية تهجير السكان من المناطق المستهدفة قيام قوات النظام بالاستيلاء على أراضي النازحين ومساكنهم وممتلكاتهم

اللاجئين من حق العودة لبلدهم بسبب عدد أو ترسانة القوانين والإجراءات الأمنية وتدمير الممتلكات التي تجعل من هذه العودة مستحيلة إلى البلد الأم سوريا.

فغالباً ما تتبع عملية تهجير السكان من المناطق المستهدفة قيام قوات النظام بالاستيلاء على أراضي النازحين ومساكنهم وممتلكاتهم، وجرى الحديث عن إنتاج الوثائق المزورة كناية عن تكتيك واسع الانتشار في نقل الملكية القانونية للممتلكات والأراضي من مالكيها الشرعيين إلى الموالين للنظام. كما ظهرت تقارير عن التدمير المتعمد للسجلات المدنية والمناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة سابقاً في ريف دمشق وحمص وحلب، فضلاً عن مصادرة الوثائق عند نقاط التفتيش.

كما يمتلأ الإنترنت بمقاطع فيديو مذهلة في وضوحها وفي دلالتها على ارتكاب الجريمة كفعل السرقة والنهب لممتلكات الآخرين تحت اسم ميليشيا الدفاع الوطني وغيرها من المليشيات الموالية للنظام أو أفراد من الجيش السوري التابع للنظام، كما قام النظام وبشكل علني بتدمير أبنية ومساحات كبيرة من الأراضي بحجة التنظيم.

وقد تحلى بعض المسؤولين الحكوميين والعسكريين بالصراحة حيال السبب الحقيقي لعمليات الهدم، فقرر حسين مخلوف، محافظ ريف دمشق، صراحة في مقابلة إعلامية في أكتوبر/تشرين الأول 2012 أن عمليات الهدم ضرورية لطرد مقاتلي المعارضة. بعد تهديم وادي الجوز بمدينة حماة في مايو/أيار 2013، حذر الجيش السكان في أحياء أخرى من تهديم بيوتهم هم أيضاً إذا هاجم مقاتلو المعارضة قوات الحكومة من تلك الأحياء، وهذا بحسب شاهدة من حي مجاور.

طبعاً، استمر نظام الأسد بعمليات الهدم الكامل عبر تسوية أحياء بكاملها بالأرض لأسباب سياسية محضة تقوم على تأييد هذه الأحياء للثورة السورية كما جرى في حمص وداريا وغيرها من المناطق.

كما قام النظام أيضا بعملية مسح كاملة وواسعة النطاق وتزوير لسجلات الممتلكات في جميع نواحي البلاد بهدف منع السكان من العودة والمطالبة بأي حقوق. ففي 1 يوليو 2013، على سبيل المثال، قصفت قوات النظام السجل العقاري لمدينة حمص المركزية وهو ما أدى إلى حريق هائل دمر العديد من سجلات الممتلكات في المدينة، وهو ما دفع العدد من سكان المدينة للاعتقاد أنه كان متعمدا» لأنه كان الهيكل الوحيد الذي احترق في الجزء الأكثر أمنا من المدينة، وسجلت أيضا حرق سجلات الأراضي في كل من الزبداني وداريا ودرعا والقصير، فحرق السجلات لا يمنع فقط أصحاب الأملاك الخاصة الأصليين من استعادة ممتلكاتهم، ولكنه يسمح أيضا لنقل الملكية للأفراد والجماعات الموالية للنظام.

وفي بعض الحالات، شملت السجلات المدمرة أيضا فواتير الكهرباء والماء التي يمكن استخدامها لإثبات الملكية، كما ترددت كثير من الروايات عن تزوير السجلات، بما في ذلك استخدام وثائق مزورة لتنفيذ بيع ونقل الملكية إلى الملاك الجدد.

ترافق ذلك مع إصدار قوانين ومراسيم قد تبدو "محاولات" لإصلاح القوانين العقارية وتسريع إعادة الإعمار

نظراً لتدمير وتزوير سجلات الملكية على نطاق واسع فإن سجل الملكية الرقمي الجديد سيؤدي إلى محو جميع سجلات الماضي بصورة دائمة

في ظل الحرب ولكنها لا تأخذ في الحسبان حالة الأشخاص النازحين أو المفقودين، ولذلك أصبح يعدها البعض أنها بالعكس وضعت من أجل استهدافهم ومنعم من العودة عبر مصادر ممتلكاتهم وحرمانهم من حق الملكية الخاصة.

كما استخدم النظام الأدوات القانونية من أجل إضفاء الشرعية على عمليات نقل الملكية هذه وجعلها دائمة. المرسوم رقم 12 لعام 2016 يدعو إلى رقمنة سجلات الملكية في جميع نواحي سوريا، والتي لديها الهدف الظاهر لمحو الماضي وإضفاء الطابع الرسمي على عمليات النقل غير القانونية. فنظراً لتدمير وتزوير سجلات الملكية على نطاق واسع فإن سجل الملكية الرقمي الجديد سيؤدي إلى محو جميع سجلات الماضي بصورة دائمة، مع إضفاء الصبغة الرسمية على الاستيلاء على الممتلكات بطريقة تجعل التراجع عنها مستقبلاً أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً. كما أن هناك تقارير تفيد بأن الشوارع في المناطق المستهدفة يتم إعطاؤها أسماء جديدة، وذلك من أجل مزيد من التشويش على الأسباب التي يمكن من خلالها المطالبة بأية ممتلكات تم نقلها بشكل غير شرعي.