icon
التغطية الحية

لماذا لم تدعم إسرائيل إسقاط الأسد؟

2021.04.04 | 21:37 دمشق

99814945-ca84-4fdf-bfd4-08881fec7cc4.jpg
إسطنبول - خالد خليل
+A
حجم الخط
-A

أوضحت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، بعد مرور عشر سنوات على اندلاع الثورة السورية، موقف إسرائيل من نظام بشار الأسد ولماذا لم تعمل على إسقاطه بينما فضلت بقاءه على دعم معارضيه، رغم الفرصة الممكنة لاستبداله بنظام موالٍ للغرب.

وذكرت الصحيفة في مقال نشرته، الأسبوع الماضي،  تحت عنوان "هل أضاعت إسرائيل الفرصة في سوريا؟" كتبه معلقها للشؤون الأمنية والسياسية، رون بن يشاي، أن اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا منحت إسرائيل العديد من الفرص والاحتمالات، ابتداءً من إمكانية إسقاط الأسد، ومروراً بإنشاء علاقات مع عناصر محلية، ووصولاً إلى الضربات الجوية لمنع التموضع الإيراني.

وقال بن يشاي، المعروف بصلته الوثيقة بالمؤسسة العسكرية، منذ بدء الاضطرابات في سوريا كان هناك جدل في القيادة العسكرية الإسرائيلية بين جناحين الأول يدعو للتدخل في سوريا واستغلال الأحداث للإطاحة بالأسد لاستبداله بنظام جديد موالٍ للغرب، وجناح آخر يعارض هذا التوجه.

وأوضح المحلل الإسرائيلي أن الجدل حسم لصالح الجناح المعارض لفكرة إسقاط الأسد، وقررت إسرائيل مبكراً عدم التدخل في الملف السوري مفضلةً بقاء نظام الأسد "المعروف والمضبوط" على آخر غير مضمون النتائج.

المقال يشير إلى أن قرار رفض خطة التدخل للإطاحة بالأسد، والتي عُرضت على قادة الأركان وأطلعت عليها القيادة السياسية، لم يكن ارتجالياً أو سوء تقدير وإنما جاء بعد دراسة وجدل واسع أفضى لوضع استراتيجية تتبعها تل أبيب في التعامل مع الملف السوري تتضمن خطوطاً حمراء تصب في مجملها لحماية الأمن القومي الإسرائيلي.

 

 

في التفاصيل، ينقل رون بن يشاي عن وزير بارز في الحكومة الإسرائيلية، لم يذكر اسمه، قوله بأن "إسرائيل أخطأت عندما لم تعمل على إسقاط الأسد ونظامه عندما كان ذلك ممكناً"، مضيفاً "في السنوات الخمس الأولى من (الحرب الأهلية) كان من الممكن القضاء على النظام الأقلوي (الشيعي-العلوي)، وكان بالإمكان أيضاً بتر الذراع الرئيسية وقناة الإمداد العملياتية واللوجستية للإخطبوط الإيراني ووكلائه في المنطقة".

ووفقاً للوزير نفسه، لو أن الحكومة الإسرائيلية قررت مساعدة الثوار السوريين غير الجهاديين وفعلت قوتها عبر قنوات سرية قبل التدخل الروسي في سوريا، "لكنّا اليوم أمام نظام جديد في دمشق مدعوم من الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة، وكان من الممكن توقيع اتفاق سلام معه من دون التنازل عن الجولان".

ويستدرك، لكانت النتيجة في مصلحة إسرائيل وأمنها القومي ولكان وضعها الأمني في الجبهة الشمالية الشرقية (لبنان وسوريا) في مواجهة المحور الشيعي الراديكالي أفضل بكثير مما هو عليه اليوم.

يشار إلى أن هذا الوزير الذي وصفته "يديعوت أحرونوت" بأنه يتمتع بخبرة أمنية وسياسية مؤثرة، هو من دعا وحاول إقناع القيادة الإسرائيلية للتدخل في سوريا في التوقيت المناسب لا سيما في البدايات. كما تبنى هذه الرؤية جناح يتمتع بثقل كبير في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي يضم قادة كبار، دعموا أيضاً مبادرة إسرائيلية لإسقاط الأسد ونظامه. ولكن في مقابل هؤلاء كان هناك جناح لا يقل أهمية وتأثيراً عارض هذه الخطوة.

واستند الجناح الذي عارض تحركاً إسرائيلياً مباشراً للإطاحة بالأسد أو تقديم مساعدات للثوار لتحقيق هذا الهدف على حجج وتبريرات بعدم وجود ضمانات بأن البديل سيكون أقل عدائية وخطورة على إسرائيل من الأسد وحليفته إيران، ويرى هؤلاء أن البديل الجهادي الذي تصدر المشهد في سوريا لاحقاً لا يقل تهديداً من المحور الشيعي.

كما يستند المعارضون على الذاكرة الإسرائيلية المريرة من التجربة الفاشلة في حرب لبنان الأولى خلال ثمانينيات القرن الماضي، التي حملت تأثيراً سلبياً ورادعاً لعدم تكرارها في الساحة السورية.

وبحسب رون بن يشاي بأن الفرصة كانت سانحة في عامي 2012 و2013 لإسقاط النظام في دمشق، بالاعتماد على "الجيش السوري الحر" المعتدل قبل استفحال الخطر الإيراني وصعود تنظيم داعش.

ويتابع المحلل الإسرائيلي، ولكن بعد 2014 أغلقت الخيارات والفرص لإسقاط النظام بعد سيطرة تنظيم داعش على الأرض وتدخل الروس لحماية بشار الأسد خريف العام التالي.

خطوط إسرائيل الحمراء

في السنوات الأولى من الثورة السورية بلور الجيش الإسرائيلي استراتيجية شبه ثابتة للتعامل مع الساحة السورية المضطربة، وهي بمنزلة خطة عمل عميقة وضعتها هيئة الأركان، وعُرضت نتائجها على النخبة العسكرية والسياسية. وجرى العمل عليها بسرية تامة، بعدما تبناها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بناءً على توصيات الجهاز الأمني.

ووفقاً للاستراتيجية المعتمدة قررت إسرائيل عدم القيام بأي عملية عسكرية أو حملة لإسقاط النظام في سوريا، وألا تتدخل استراتيجياً لقلب كفة الموازين لصالح أحد الأطراف أو اللاعبين في الحرب السورية.

وفي الوقت نفسه وضعت تل أبيب خططاً عسكرية واستخباراتية وسياسية يجب اتباعها لفرض الخطوط الحمراء التي حددتها كشرط أساسي لحماية أمنها القومي، مع التأكيد على أهمية تنفيذ العمليات الهجومية بفاعلية ومن دون جر الجيش الإسرائيلي للانخراط بالحرب في سوريا أو لبنان، والاكتفاء بحسب المنطق العسكري بـ "أقل من حرب".

إلا أن الخطوط الحمراء تغيّرت بشكل طفيف خلال السنوات العشر الأخيرة، وفقاً لتطورات الحرب والتطورات السياسية دولياً. فما هي الخطوط الإسرائيلية الحمراء وفقاً لآخر التحديثات؟ أوردتها "يديعوت أحرونوت" بالتفصيل وهي:

  • إن أي انتهاك لسيادة إسرائيل أو لأمن مواطنيها سيواجه رداً مؤلماً هدفه ردع الجناة، وعلى وجه الخصوص مرسليهم أو داعميهم أو من يعطيهم غطاء أو أرضاً للانطلاق منها.
  • منع سوريا من استخدام أسلحة غير تقليدية (كيميائية) ومنع نقل الأسلحة والوسائل القتالية من هذا النوع إلى لبنان.
  • منع أو تعطيل نقل الأسلحة النوعية (ما تسميه إسرائيل خطأً "السلاح المخل بالتوازن") من إيران إلى سوريا ولبنان، وكذلك منع وتعطيل نقل السلاح النوعي من الجيش السوري ومن الصناعات العسكرية السورية إلى لبنان. وذلك للحد من تقوية وتعزيز قدرات حزب الله أو عناصر الميليشيات الإيرانية لحماية جيش إسرائيل ومواطنيها من أي هجمات مدمرة.
  • منع وتعطيل نقل منظومات الأسلحة (بشكل أساسي صواريخ أرض – جو عالية الدقة)  من إيران إلى سوريا ولبنان، التي من شأنها أن تشكل تهديداً أو خطراً يحد من حرية التحرك الجوي والتفوق الاستخباراتي لإسرائيل في الجبهة الشمالية.
  • منع إقامة جبهة إيرانية ضد إسرائيل في سوريا، على غرار الجبهة التي أقامها حزب الله في لبنان بدعم إيراني.
  • منع تأسيس وجود عسكري إرهابي معادٍ لإسرائيل، من الجهاديين السنة أو الشيعة ومن المرتزقة الإيرانيين، على مقربة من الحدود الإسرائيلية بطريقة تسمح لهم بتنفيذ عمليات إرهابية على الحدود أو داخلها بشكل مفاجئ.
  • منع وتعطيل إقامة أو استخدام الممر البري من إيران، عبر العراق وسوريا إلى لبنان، الذي يستخدم لزيادة الاستعدادات اللوجستية والعملياتية لإيران ومرتزقتها في الحرب ضد إسرائيل.

استمالة الحاضنة الشعبية في جنوب سوريا

من ناحية أخرى، قررت إسرائيل العمل على خلق قنوات تعاون مع معارضي نظام الأسد في سوريا، وبشكل خاص في المناطق القريبة من حدودها، لاستمالة الحاضنة الشعبية من خلال تقديم بعض المساعدات الإنسانية والعلاجية المحدودة.

وكان هدف إسرائيل من هذا المسعى لتجنب تدفق اللاجئين إلى أراضيها كما حدث في دول الجوار السوري، وإبعاد إيران وميليشياتها من الاقتراب إلى حدودها أو تأسيس جبهة إضافية ضد إسرائيل، إضافة لخلق أجواء إيجابية والتأسيس لتعاون مستقبلي مع أي نظام جديد قد يحكم سوريا.

إلا أن رون بن يشاي أشار إلى فشل المساعي الإسرائيلية في استمالة الحاضنة في الجنوب، بسبب المزاج الرافض لإسرائيل، لا سيما "الدروز" واستغلال حاجتهم للحماية من هجمات الأطراف المتعددة، رغم دعوات وجهها "الدروز" في الجولان السوري المحتل لتدخل عسكري إسرائيلي لحماية أخوتهم في سوريا من النظام أو الجهاديين.

كما أشار المحلل الإسرائيلي إلى أن التقارير الإعلامية العربية والغربية بالغت في تضخيم حجم وتأثير المساعدات العسكرية الإسرائيلية المحدودة التي قدمتها لبعض الفصائل في الجنوب السوري، موضحاً أن هذه التقارير استخدمت في إطار الحرب الإعلامية يستغلها كل طرف ضد الآخر لنزع الشرعية والتخوين.

وفي سياق متصل، ذكر بن يشاي أن الأكراد في سوريا أرسلوا مبعوثيهم إلى تل أبيب لطلب المساعدة الدبلوماسية بإقناع واشنطن بعدم الانسحاب من سوريا وعدم رفع الغطاء عن "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، مؤكداً بأن الأكراد لم يطلبوا تدخلاً عسكرياً إسرائيلياً في الحرب السورية.

ماذا حققت الاستراتيجية الإسرائيلية في سوريا؟

وبحسب المحلل الإسرائيلي، فإن الإنجازات التي حققتها الاستراتيجية الإسرائيلية في سوريا خلال سنوات الحرب العشر، فمن الناحية الأمنية​​، زال خطر الجيش السوري الذي بات ضعيفاً ومنهكاً، ولن يشكل تهديداً خطيراً على إسرائيل لسنوات مقبلة. ومن الناحية الاستخباراتية فقد عمقت إسرائيل من تغلغلها في سوريا.

كما أبطأت ضربات الجيش الإسرائيلي المكثفة داخل العمق السوري مشروع إيران للتموضع بالقرب من حدود إسرائيل.

وأهم ما حققته الاستراتيجية الإسرائيلية على الصعيد السياسي، هو التوصل إلى تنسيق عالي المستوى مع الروس عبر الاتفاق في 2018 على "آلية عدم التصادم" في الأجواء السورية، وفق مبدأ براغماتي متبادل (لا تضر بمصالحي وبقواتي لا أضر بمصالحك وقواتك).

ويقول بن يشاي إن إسرائيل استفادت من هذا التنسيق بالشكل الأمثل ليس في سوريا فحسب، وإنما على مستوى العلاقات الثنائية بين موسكو وتل أبيب.

ويخلص المحلل الإسرائيلي إلى القول أن استراتيجية إسرائيل في التعامل مع الملف السوري أثبتت نفسها رغم أنها لم تحقق كل الأهداف، مستبعداً أن يكون البديل عن بشار الأسد مريحاً بالنسبة لتل أبيب أو يكون قادراً على طرد الإيرانيين، ومكتفياً بأن مجرد عرقلة الخطط الإيرانية وإرباك جدولها الزمني، من دون الانزلاق إلى حرب معها، يعد إنجازاً قيماً بما فيه الكفاية بالنسبة للأمن القومي الإسرائيلي.

للاطلاع على مقال رون بن يشاي مترجماً إلى اللغة العربية، يمكن الضغط هنا.