لماذا قتل الحزب لقمان سليم؟

2021.02.15 | 00:03 دمشق

2021211153340613ae.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد اغتيال الناشر والمثقف اللبناني المعارض لقمان سليم، تكاثرت الأسئلة والتخمينات حول مقتله بين من يجزم بأن الحزب قتله حتماً لأنه المسيطر الأوحد على الجنوب اللبناني، وبين من يقول وهل من المعقول أن يقتل الحزب شخصاً في أرضه كي يكون ذلك دليلاً عليه؟

أما عائلة لقمان سليم، وعبر شقيقته الشاعرة رشا الأمير ووالدته الباحثة سلمى مرشاق، فهن لم يدخلن مطلقاً في مثل هذه المهاترات؛ لأنهن وبحسب تصريحهن يعرفن من القاتل، دون شك وبلا ريبة، وما تنتظرنه فقط هو العدالة وليس معرفة الجهة المنفذة..

من هنا ننطلق، فالحزب بلا شك هو حزب "لبيس" بحسب التعبير الشعبي، ولديه سوابق كبيرة في تكميم الأفواه وقتل المعارضين ونفيهم وحتى تفجيرهم، ابتداء من مهدي عامل وحسين مروة وكامل مروة وميشيل سورا، مروراً بسمير قصير وجبران تويني ووصولاً إلى لقمان سليم، الذي وبلا أي شك قد قتل على أيد أو بأوامر من حزب الله.. اللافت للنظر أن الحزب وعبر تاريخ من الاغتيالات ابتدأ في الثمانينيات عبر تنظيف الساحة المذهبية لقاعدته الشعبية من كل المعارضين والعلمانيين والمفكرين والفلاسفة وكبار الصحافيين، والإبقاء على كل من قال نعم لشموليته الشديدة التابعة لقرار الولي الفقيه بحسب تصريحات الأمين العام نفسه للحزب... وفيما بعد انتهاء مرحلة تنظيف الساحة الداخلية، انتقل الحزب إلى مرحلة جديدة من الاغتيالات عبر تصفية كل من عارضه من بقية الأحزاب والتيارات السياسية، مثل سمير قصير ووليد عيدو وأنطوان غانم ومحمد شطح، وبعد صولات وجولات في الاغتيالات امتدت من 2004 وصولاً إلى 2013، قتل فيها العشرات من نخبة لبنان، يعود الحزب اليوم وعبر اغتيال لقمان سليم، إلى "تنظيف" ساحته ذاتها، مما يؤكد على تأزم الوضع التحشيدي في قواعده، وحدوث تململ في حاضنته الشعبية إن لم يكن غضب ضامر، فلقد اشتد خناق النقد والتذمر من الحزب حتى عاد إلى النقطة الأولى، وهي نقد الحزب من قواعده، ومظاهرات النبطية والجنوب في ثورة 17 تشرين، بعد مرور سنوات من شعارات من مثل: (نحنا فدا السيد، وفدا صرماية السيد)، يعود الصوت الحر للصدور من داخل قواعد الحزب، وبالذات من قلب الضاحية الجنوبية من حارة حريك، من منزل آل سليم،

ما كان قرار العائلة في دفن لقمان سليم في حديقة البيت المترامية الأطراف إلا رغبة منها في إعطاء الدارة العائلية قدراً من الحصانة والقوة عبر حضور لقمان ذاته رغم رحيله

المنزل التاريخي التراثي الذي يحمل إرثاً سياسياً وثقافياً حقيقياً يمثل الجانب المتنور والمشرق من ضاحية بيروت الجنوبية قبل عسكرتها ونمذجتها بحسب المفهوم الايراني، في ذلك البيت أسس لقمان سليم "دار الجديد" التي عكفت على نشر الكتب التقدمية والأدب العربي المتأصل، جنباً إلى جنب مع الترجمات الغربية لأمهات الشعر الفرنسي والألماني والإنكليزي، وفي هذه الدارة أيضاً أسس لقمان سليم تجمع "أمم" الثقافي الذي كان يعقد فيه ندوات ومحاضرات توعوية وتثقيفية تتعلق بالمواطنة والمجتمع المدني والعلمانية، وكل هذا كان يحدث في قلب معقل ضاحية حزب الله الجنوبية، حيث قوة الحزب الأمنية والعسكرية...

وما كان قرارُ العائلة دفنَ لقمان سليم في حديقة البيت المترامية الأطراف إلا رغبة منها في إعطاء الدارة العائلية قدراً من الحصانة والقوة عبر حضور لقمان ذاته رغم رحيله، حضوره الكبير وصوته الأجش المطالب بالتغيير وبكشف الفساد والفاسدين، سيبقى ما بقيت هذه الدار التي ازدادت إشعاعاً..

إن وجود ضريح السياسي لقمان سليم في بيته في حارة حريك سيحول البيت إلى كعبة للناشطين ودعاة الحرية كي يحجوا إليه في قلب الضاحية بحثاً عن تنوير حقيقي... ولعل المفارقة في أن تشييع الأخير، شهد أول زيارة لسفير أميركي إلى قلب معقل حزب الله وقرب مربعه الأمني، حيث وقفت السفيرة الأميركية دوروثي شيا لتلقي خطاباً حماسياً يتهم قتلة سليم بالبرابرة والمجرمين وخلفها عناصر من المارينز الأميركي المكلف بحماية السفيرة ورفقائها من سفراء بريطانيا وألمانيا وسويسرا ..الذين تجمهروا برفقة المئات في تشييع مهيب لذلك الرجل الذي كان كل جرمه هو أنه رفع صوته عالياً في وجه عسكرة لبنان وشرور التحزب ضمن عقيدة الموت الشمولي...

لقد ضاقت حلقة مؤيدي حزب الله، وبات نقده أشد وضوحاً وغلواً، ولعل هذا هو نتيحة حتمية لسياسات الحزب المناوئة لأي حرية

كان هدفهم من قتل سليم هو تطهير حيّزهم ممن رفعوا صوتهم في وجه الحزب، فكانت النتيجة أن تحول الشهيد لقمان وعائلته ودارته إلى منارة تشع في قلب ضاحية حزب الله، مما زاد من شعور كل من يرفض همجية العسكرتارية، بالغبن والظلم والرغبة في التحرر من نير الميليشيات التي ترفض أي رأي يخالفها...

لقد ضاقت حلقة مؤيدي حزب الله، وبات نقده أشد وضوحاً وغلواً، ولعل هذا هو نتيحة حتمية لسياسات الحزب المناوئة لأي حرية كانت في لبنان أو سوريا أو في العراق أو حتى في إيران.. وبالتالي فإن قرار بدء الاغتيالات التي ما انفكت مجدداً بتصفية الناشطين في العراق في السنة الماضية، ستستمر في لبنان وسوريا وحتى اليمن، وربما فلسطين، ولعل الأخبار المتداولة في دمشق عن اعتقالات طالت العديد من الصحافيين فيها بسبب وضعهم "لايكات" على منشورات تنتقد الحكومة وليس النظام في وسائل التواصل الاجتماعي، هي مؤشر على ضيق النظام الممتد من طهران حتى بيروت بالرأي الآخر، ورغبتهم في ضبط المجتمع الذي يسيطرون عليه بشكل أكثر قوة، وربما لجم المعارضين عبر ترهيبهم وأحياناً قتلهم.