لماذا رفض الرئيس أردوغان لقاء بولتون؟

2019.01.11 | 23:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

رفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الثلاثاء الماضي مقابلة مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون الذي زار أنقرة على رأس وفد سياسي عسكري رفيع ضمّ المبعوث إلى التحالف الدولي لمكافحة داعش جيمس جيفري ورئيس الأركان جوزيف دانفورد، لمناقشة الانسحاب الأمريكي المحتمل من سوريا والتنسيق حول تفاصيله آلياته وجداوله الزمنية وتبعاته، طبعاً على المشهد السوري والإقليمي.

في الحقيقة ثمة ثلاثة أسباب رئيسية تقف خلف موقف الرئيس التركي، هو أعلنها تقريباً بشكل صريح وتتلخص في اتفاقه مع الرئيس ترامب على فكرة ومبدأ الانسحاب واستعداد تركيا، كما دائماً لمهمة قتال داعش وفق أسس سياسية عسكرية واضحة ومتفق عليها، بينما تحاول الآن جهات مؤسسات أمريكية عرقلة ما تم التوافق عليه بين الرئيسين، ثم تصريحات بولتون نفسه في إسرائيل التي قال فيها إنه سيطرح شروط على تركيا لتنفيذ الانسحاب، تحديداً لجهة عدم ذبح الأكراد-حسب تعبيره- الذين قاتلوا داعش مع أمريكا، بل التعهد بحمايتهم والحفاظ على سلامتهم أيضاً.

الرئيس التركي كان قد تحدث مطولاً عبر الهاتف مع نظيره الأمريكي ثلاث مرات فى أقل من أسبوعين، حيث أجرى الرئيسان نقاشاً مستفيضاً لخطة الانسحاب الأمريكي من سوريا مع استعداد تركيا لتولي أو إنهاء الجزء الأخير من مهمة قتال داعش مع التوافق على التنسيق المشترك فيما يتعلق بالشق العملي المتعلق بالجدول الزمني للانسحاب، وكيفية إنجازه دون أن يستعيد تنظيم داعش قوته ويملأ الفراغ هو أو بقايا النظام وإيران وميليشياتها، مع ترك بلورة الخطط التنفيذية اللازمة والناجعة للمعنيين أو المهنيين من الجانبين. وزيارة بولتون كان يفترض أن تتولى هذا الأمر تحديداً.

ومن هنا بدا الرئيس أردوغان قلقاً من التصريحات الأمريكية المتضاربة، ومن سعي جهات في المؤسسة الأمريكية لعرقلة الانسحاب

ومن هنا بدا الرئيس أردوغان قلقاً من التصريحات الأمريكية المتضاربة، ومن سعي جهات في المؤسسة الأمريكية لعرقلة الانسحاب، خاصة بعد تصريح السناتور ليندسي غراهام إثر لقائه المطول مع ترامب في البيت الأبيض، والذى قال فيه أنه رأى أو فهم خطة الانسحاب وكأنها خطة للبقاء.

فيما يتعلق بغراهام تحديداً فقد خلص في جلسة علنية وشهيرة للكونغرس 27 تشرين أول/ أكتوبر 2015 استجوب خلالها وزير دفاع باراك أوباما آنذاك أشتون كارتر ورئيس الأركان الجنرال دانفورد - الذي ما زال في منصبه –إلى اعتبار السياسة الأمريكية مشينة كونها تمتنع عن مساعدة السوريين لإسقاط الأسد وتصب في خدمة النظام وإيران ورورسيا، أي أنها تقوم بخدمة من يفترض أنهم أعداءها، وللتذكير فقد كانت تركيا دائماً خارج تلك السياسة وعارضتها بقوة وتصميم لنفس الأسباب التي استنتجها غراهام، بينما كان تنظيم بي كا كا السوري ومن يسميهم الأمريكان الآن حلفاءنا الأكراد في صلب هذه السياسة، كونهم قبلوا مقاتلة داعش حصراً دون النظام ودون أفق سياسي، خدمة لمشروعهم الانفصالي وقادتهم الإرهابيين الموتورين في قنديل، بل إنهم نسقوا معه – أي النظام إداة طهران وموسكو - جهاراً نهاراً أمام أعين الأمريكان، ناهيك عن استنساخ النظام الاستبدادي البشع في مناطق سيطرتهم، أيضاً أمام أعين الأمريكان.

جون بولتون تحدث في إسرائيل التي زارها قبل تركيا مباشرة، وبعد الاتصال الثالث بين ترامب وأردوغان عن شروط سيطرحها في أنقرة من أجل تنفيذ الانسحاب، منها تعهد تركيا حماية الأكراد الذين قاتلوا إلى جانب أمريكا، وعدم ذبحهم كما جاء حرفياً في تصريحه المشين.

في الاتصال الثالث خلال أقل من أسبوعين، والمثمر كما قال ترامب، لم يتم الحديث عن شروط وإنما عرض أردوغان تصميم تركيا على إنهاء بقايا داعش، وأكد امتلاكها القدرات اللازمة ذلك، كما كتب الرئيس الأمريكي حرفياً على تويتر.

طبعاً ليس من اللباقة الديبلوماسية أبداً حديث بولتون عن شروط يسعى لفرضها على تركيا

طبعاً ليس من اللباقة الديبلوماسية أبداً حديث بولتون عن شروط يسعى لفرضها على تركيا، والحقيقة أنه كان طوال حياته السياسية خاصة أثناء تمثيله لإدارة جورج بوش الابن في الأمم المتحدة فظّاً خشناً وصداميّ، وربما قال ذلك حسب عادته وطبعه، أو لاستفزاز تركيا، وووضع العراقيل أمام التنسيق معها، وبالتالي أمام فكرة ومبدأ الانسحاب الذي لم يكن متحمساً له أبداً.

التحذير من ذبح تركيا للأكراد افتراء دنيء - كما قال أردوغان - وكلام لا يتقبله العقل، كما قال الناطق الرئاسي إبراهيم كالن. فتركيا لا تذبح، ولم تذبح الأكراد أبداً، وإذا كان ثمة كيان أو إقليم كردي شبه مستقل في المنطقة -كما فى حالة شمال العراق- فإنه يتنفس من الرئة التركية وعلاقاته مع أنقرة، هي الأفضل على صعيد المنطقة برمتها.

أما اعتبار بي كاكا السوري ممثلاً للأكراد فهو خطيئة أخرى لا يتقبلها العقل، كذلك كونه يمثل جناحاً وامتداداً لحزب العمال التركي الذي تعتبره واشطن إرهابياً، وقدمت مكافأة مالية لمن يرشد عن قادته في جبال قنديل، وكانت هيئة الاستخبارات الوطنية الأمريكية قدمت تقريرا رسميا للكونغرس يؤكد تبعية الجناح السوري للإرهابيين في قنديل. أما وكالة أكي الإيطالية فنشرت-أبريل 2017- لائحة بأسماء القادة الميدانيين لبي كاكا في سوريا وغالبيتهم العظمى علويون أكراد من تركيا لا يتحدثون العربية، ولا حتى الكردية بل التركية فقط.

بي كاكا لا يمثل الأكراد بالتأكيد، فهو خنق كل الأصوات الكردية المعارضة، اغتال قادتهم ورموزهم ومارس الإخفاء القسري والتجنيد الإجباري والتغيير الديموغرافي في مناطق سيطرته ذات الغالبية العربية، ومنع بالقوة حضور البشمركة السورية في القتال ضد داعش التي انشق معظم أفرادها عن جيش النظام بعد الثورة، ويعتبروا أنفسهم جزءا من المعارضة السورية وتدربوا تحت إشراف البشمركة في إقليم شمال العراق وعلاقتهم جيدة كذلك مع تركيا.

هنا يمكن العودة إلى البروباغندا الأمريكية أثناء معركة عين العرب كوباني، حيث عرضت تركيا المساعدة مع تسهيل اشتراك البشمركة العراقية والبشمركة السورية ومقاتلين من الجيش السوري الحرّ فيها، إلا أن بي كا كا السوري رفض ذلك مدعوماً من واشنطن ضمن استراتيجية أوباما التي اعتمدت قتال داعش حصراً لإخفاء عورات سياساته بعد الانسحاب من العراق - وتسليمه لإيران تحت وصاية أمريكية عامة - حتى لو كان الثمن تقوية ومساعدة نظام الأسد وحلفائه والتخلي في السياق عن الشعب السوري، كما قال غراهام حرفياً في استجوابه الشهير.

استراتيجية أوباما التي اعتمدت قتال داعش حصراً لإخفاء عورات سياساته بعد الانسحاب من العراق - وتسليمه لإيران تحت وصاية أمريكية عامة - حتى لو كان الثمن تقوية ومساعدة نظام الأسد

والحقيقة وكما أبلغ أردوغان نظيره ترامب مراراً، فقد كانت تركيا مستعدة دائماً لقتال داعش، هي مستعدة الآن لإنهاء المهمة، وضمان ألا يعود داعش، أو الأسد وإيران لملء الفراغ في منطقة شرق الفرات، إلا أن المؤسسة السياسية الأمريكية التي كانت منسجمة مع أوباما في سياسته –دانفورد مجرد مثال - تبدو مختلفة الآن مع ترامب، وتريد استفزاز تركيا عرقلة الانسحاب والتشكيك في قدرتها على هزيمة التنظيم رغم أنها فعلت ذلك في الباب وجرابلس، وهزمت بي كا كا نفسه رغم التهويل والعنجهية في عفرين دون تدميرها أو اتباع سياسة الأرض المحروقة -كما فعل التحالف في الموصل والرقة- ومستعدة لفعل ذلك بالتأكيد شرق الفرات أيضاً مع الأمريكان أو بدونهم، وأفضل أن يكون معهم طبعاً ولكن بعد تنفيذ خارطة طريق منبح وانسحاب تنظيم بي كا كا السوري منها وتسليمها لأهلها الأصليين، وهو النموذج نفسه الذى تنوي اتباعه شرق الفرات كما كتب أردوغان فى صحيفة نيويورك تايمز الإثنين الماضي، عارضاً خارطة طريق واضحة وكاملة للمنطقة ومعتبراً عن حق أن تركيا هى البلد الوحيد الذى يملك القوة والالتزام للتنسيق مع واشنطن في انسحابها كما في السعي من أجل إحلال السلام العادل الشامل والمستدام فى سوريا.