لماذا دفع الأسد بسوريا إلى حافة الحرب الأهلية؟

2018.09.25 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أدرك الأسد ومستشاروه منذ الشهر الثاني من الثورة السورية خاصة بعد انتشار المظاهرات في كل المدن السورية أن توقف هذه المظاهرات سيكون مستحيلاً بالرغم من كل أساليب القتل التي استخدمت ضد المتظاهرين السلميين وعلى رأسها القنص التي أدخلت الرعب في قلوب المدنيين السوريين والمتظاهرين على حد سواء.

اكتشف الأسد وفروعه الأمنية أن تصميم السوريين على الثورة والتمرد لم توقفه كل هذه التكتيكات رغم ثمنها الباهظ جداً حيث دفعت سوريا بخيرة أبنائها وشبابها في فترة المظاهرات السلمية، لقد كانوا أناساً في قمة الإيثار والوطنية وكان قاتِلوهم من فروع الأجهزة الأمنية في منتهى الإذلال والطائفية والحقد والكراهية لفكرة الحرية والوطن والكرامة، هذا التصور المختلف للكون ولسوريا كما يراها المتظاهرون السلميون وكما رأتها الأجهزة الأمنية كان بينهما بون شاسع عمره من عمر السنوات الضوئية.

لقد فوجئ نظام الأسد بقوة إيمان وعزيمة هؤلاء ، صدم بقوة إرادتهم وتصميمهم بإصرارهم على شيء اسمه الحرية ما كان لهؤلاء إلا أن يروا فيه عدواً ومضاداً لكل ما عرفوه ومارسوه، ولذلك كان الصدام مبكرا ومع وصول كل هذه التقارير للأسد أدرك أن الحق سيهزم القوة وأن الحرية ستهزم العنف والدم ولذلك لم يكن خيار آخر بالنسبة له سوى توزيع الشراكة في الدم عبر إجبار الثورة السورية على التسلح وعلى تحويل منطق الثورة إلى الحرية إلى منطق الحرب الأهلية التي يتقاتل فيها الجميع.

لكنه أراد تحويل هذه الخيوط التي تربط بين أبناء الوطن الواحد إلى أشبه بالأخاديد والحواجز التي تتحول دموية عند كل منعطف للثورة السورية

بالنسبة له، الطريق الوحيد إلى ذلك كان عبر البوابة الطائفية، فالتعدد العرقي والاثني والطائفي والديني في سوريا كان مصدر غنى دائم لها وكان مصدر إلهام للجميع، لكنه أراد تحويل هذه الخيوط التي تربط بين أبناء الوطن الواحد إلى أشبه بالأخاديد والحواجز التي تتحول دموية عند كل منعطف للثورة السورية، وهكذا كان عبر التحريض الطائفي ، عبر امتناعه عن تقديم أي حلول سياسية أو تصورات سياسية من شأنها تمنع انزلاق وطن بأكمله إلى أتون حرب أهلية طاحنة، لكنه كان واعيا مصراً ومدركاً أن طريقه إلى ما يسميه "النصر" هو عبر الحرب الأهلية، لأنه لا معنى لانتصار وطن إذا شرد أبناؤه وقتل وعذب وأهين ونزح نصفهم، ولا معنى لكرامة وطن إذا تحولت السرقة عبر التعفيش وسرقة الممتلكات الخاصة والعامة إلى ممارسة واعية ودائمة وكاملة للدولة نفسها التي تحكم باسم الدولة السورية، لم تكن الحرب الأهلية بالنسبة للأسد خياراً إنها بالنسبة له طريق حتمي للدمار سلكه بوعي تام وبإدراك كامل لحقيقة أنه مع الحرب الأهلية -كما يتصور- تضيع الحقيقة وتنعدم المسؤولية السياسية.

تصوره للحرب الأهلية ليس بوصفها نهاية وطن وإنما منقذاً له ولعصابته، إنها حبل نجاة له ولطغمته التي استرخصت الدم السوري فسفكته بكل ما تستطيع من قوة، وأهانت كرامة السوري فأذلته بقدر ما تستطيع، ولذلك ما على الآخرين أن يروا في الدم السوري إلا بوصفه سلعة أو دماً سائلاً لا قيمة له، وفي النفس السورية إلا رقما لا عداد له، ولذلك أوغلت كل الدول التي تدخلت في سوريا في الدم السوري وأثخنت بالنفس السورية فاستمر العداد بدون توقف وتحولت الأرقام إلى مئات الألوف لا معنى لإحصائها لأنها ستزيد باستمرار، ولا محاسبة للقتلة مهما كانوا، وعليه لن تفرق أو تزيد قيمة لكل نفس تزهق روحها، فالتهم السياسية تبرر كل هذا القتل والحرب الأهلية تتحول إلى مَقتلة لا تتوقف، وبالنسبة للأسد يضيع الحق والباطل ويذهب معنى القيم ليصبح فعل التعذيب والقتل العشوائي والإبادة هي الطريق للنصر.

ولذلك بمنطق الحرب الأهلية سينتصر من يفوق الآخرين في حقدهم من يكون أكثر دموية وأقل اكتراثاً بالأخلاق أو القانون

أصعب حرب يمكنك تصور أن تخوضها هي حرب بدون قانون، وبالنسبة للأسد القانون لا وجود له إلا إذا ما كان يضمن تبريراً لقتله وبقائه، وكان له ما أراد فلم يكن للمعارضة السورية أن تجاريه في العنف والدم، ولذلك بمنطق الحرب الأهلية سينتصر من يفوق الآخرين في حقدهم من يكون أكثر دموية وأقل اكتراثا بالأخلاق أو القانون.

للأسد وعائلته تاريخ طويل في تدمير القانون لأنه الطريق الوحيد لتحويل الوطن إلى غابة يتفوق فيها الأقوى بدون أي شريعة وكما قال أرسطو مرة " إن الإنسان هو أنبل المخلوقات بلا شك، لكنها يصبح أحطها وأشرسها عندما يتخلى عن القانون" وهكذا كان مع الأسد وحربه ضد السوريين.

لا نهاية سعيدة في أي حرب أهلية كما لا منتصر فيها، لكن عندما يكون الطرف المسؤول سياسيا عن إدخال الوطن إلى أتون الحرب الأهلية هو "الأقوى" وهو "المنتصر" عندها تعني نهاية الوطن وتنتهي معها كل القيم التي يستحق من أجلها كل مواطن الانتساب إلى الوطن، أين نحن من نبل أولئك الشهداء الذي ضحوا بأرواحهم من أجل سوريا الحرة وبين هؤلاء القتلة الذين حولوا سوريا التي نحب إلى مكان نكرهه ويمثل الأسوأ فينا وكل ما لا نرغب بتذكره فيه.