لماذا توقفت تركيا عن شراء النفط الإيراني؟

2019.06.01 | 00:05 دمشق

+A
حجم الخط
-A

بداية لا بد من الإشارة إلى أن تركيا اتخذت القرار السياسي الاقتصادي الصحيح بالتوقف عن شراء النفط الإيراني، بما يتماشي مع مصالحها الحيوية والتطورات والمستجدات الإقليمية والدولية. بالتأكيد ثمة أسباب وخلفيات للقرار الذي لا يلغي التوجه المبدئي التركي الأساسي الرافض لسياسة العقوبات والحصار لحل الخلافات السياسية بشكل عام، رغم أن هذا يبدو الخيار المجدي في مواجهة إيران وسياساتها التوسعية التي تمت أساساً بضوء أخضر أو برتقالي أمريكي وهو الخيار الذي سيجبر إيران، كما العادة على التراجع وقد يمنع الحرب وليس بالضرورة يمهد لها.

واشنطن قررت تشديد العقوبات الاقتصادية ضد إيران في تشرين الثاني نوفمبر الماضي بما في ذلك السعي لمنع طهران من تصدير النفط - سلعتها الأساسية المركزية، رغم غني الدولة بمواردها وثرواتها الأخرى - وفرضت عقوبات على الدول التي تستورده مع إعفاء لمدة ستة شهور لثمان منها – الصين، اليابان، كوريا الجنوبية، الهند، إيطاليا، واليونان، إضافة إلى تركيا - كما يتضح فإن معظمها حلفاء وعلى علاقة جيدة بأمريكا باستثناء الصين طبعاً.

الغالبية العظمى من تلك الدول توقفت فعلاً عن شراء النفط الإيراني مع انتهاء فترة السماح في أوائل أيار مايو الجاري وليس من المنطقي أن تبقى تركيا وحدها في ساحة المواجهة، علماً أن الصين تبعتها بعد ذلك بأيام، وكان لافتاً قول مسؤول صيني في تبرير القرار أن ثمة خلافات وملفات متفجرة عديدة مع الولايات المتحدة، ولا نريد بؤرة خلاف مشتعلة أخرى، وهو ما يمكن اقتباسه حرفياً في السياق التركي، حيث ثمة خلافات وملفات عالقة كثيرة مع واشنطن ولا يحتاج الأمر إلى المزيد منها في سياق العلاقات المتوترة أصلاً.

إذن، فإن العلاقات الثنائية التركية الأمريكية بمداها الواسع تقف خلف قرار أنقرة، بالتوقف عن شراء النفط الإيراني، علماً أنه بالنسبة لهذه الأخيرة فإن ثمة ملفين مهمين حساسين جداً في العلاقة هما الاقتصاد والملف السوري تحديداً

إذن، فإن العلاقات الثنائية التركية الأمريكية بمداها الواسع تقف خلف قرار أنقرة، بالتوقف عن شراء النفط الإيراني، علماً أنه بالنسبة لهذه الأخيرة فإن ثمة ملفين مهمين حساسين جداً في العلاقة هما الاقتصاد والملف السوري تحديداً، فيما يتعلق بإنشاء المنطقة الآمنة على الحدود المشتركة، مع الانتباه إلى معطى روسي أيضاً يؤثر على العلاقات التركية الأمريكية بشكل عام، والملفين الاقتصادي والسياسي بشكل خاص.

أدت الخلافات التركية مع إدارة دونالد ترامب والعقوبات الاقتصادية وحتى التهديدات الكلامية الأمريكية إلى تأثيرات سلبية جداً على الاقتصاد التركي، وبما أن ثمة بعد أو جوهر اقتصادي في العقوبات الأمريكية ضد إيران، فإن أي خلافات بين أنقرة وواشنطن سيكون لها حتماً تداعيات اقتصادية على العلاقات بين البلدين ما يعنى، مزيد من المشاكل للاقتصاد التركي القوي النامي والناهض، ولكن الحساس جداً تجاه أي خلافات سياسية تحديداً مع القوة الأعظم في العالم.

لذلك لم تكن تركيا بوارد الصدام مع اشنطن وتوقفت كما بقية القوى الست التي سبقتها - تلتها الصين - عن استيراد النفط الإيراني، مع عدم استبعاد احتمال أن يندرج الأمر في تفاهم سياسي اقتصادي أوسع بين البلدين، استفادت منه أنقرة عبر القرار الامريكي بتخفيض الرسوم الجمركية على الصلب التركي، مع عدم وجود مشاكل سياسية أو إقتصادية جدية في تعويض النفط الإيراني، كما ساهم القرار التركي في تهيئة أو خلق جو إيجابي يسمح بنقاش هادىء للملفات الخلافية بين الجانبين، وهو ما تم فعلاً عبر الاتصال بين الرئيسين أردوغان ترامب - الأربعاء 29 أيار/ مايو -بعد التوافق المبدئي على ملف المنطقة الآمنة في سوريا، علماً أن الاتصال انعكس إيجاباً بشكل فوري على وضع الليرة التركية والأجواء الاقتصادية بشكل عام، مع التأكيد على المضي قدماً في مساعي وخطط رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 75 مليار دولار سنوياً.

إضافة إلى الاقتصاد كما قلنا، فإن الملف السوري مهم جداً في العلاقة كونه يمثل جزء من الأمن القومي والتوجهات الاستراتيجية لتركيا الجديدة، بالاتفتاح على المحيط العربي الإسلامي في الجنوب. وأعتقد أن التوقف عن استيراد النفط وعدم المواجهة مرتبطان كذلك بالانفتاح الأمريكي على المواقف التركية من المنطقة الآمنة وأخذ مصالحها بعين الاعتبار.

قال  المبعوث الامريكي إلى سوريا جيمس جيفري بعد زيارته الأخيرة لأنقرة الشهر الماضي، أنه توافق مع المسؤولين الأتراك على المعالم العامة للمنطقة الآمنة، في ظل ارتياح تركي واضح لهذا المستجد، مع الإنتباه إلى المطالب والمحددات المتعلقة بعمق ومساحة المنطقة، كما الإشراف الأمني التركي الأمريكي المشترك - عليها بمعية قوى الثورة السورية، واستبعاد مقاتلي تنظيم بي كا كا السوري منها، وأعتقد أن حالة التفاهم أو التقارب والابتعاد عن التشنج والتصعيد مع واشنطن أدت مباشرة إلى خلق أجواء وبوادر إيجابية لمساعي الحوار المستجدة بين أنقرة وقيادة التنظيم.

أجواء التفاهم انعكست كذلك على الموقف الأمريكي من ملف إدلب ومناطق خفض التصعيد، الذي جاء متماهياً متساوقاً مع الموقف التركي، لجهة التأكيد على ضرورة وقف موسكو والنظام لانتهاكاتهم المستمرة

أجواء التفاهم انعكست كذلك على الموقف الأمريكي من ملف إدلب ومناطق خفض التصعيد، الذى جاء متماهياً متساوقاً مع الموقف التركي، لجهة التاكيد على ضرورة وقف موسكو والنظام لانتهاكاتهم المستمرة والعودة الى تفاهمات خفض التصعيد، لتمهيد الاجواء من أجل استئناف العملية السياسية من جديد .

هذا ينقلنا مباشرة إلى المعطى الروسي في العلاقات التركية الأمريكية الثنائية، فلا شك أن تهدئة في الملف الايراني ستمثل رسالة ضغط على روسيا لايقاف جرائمها فى إدلب، كما أنها تخلق من جهة أخرى أجواء مؤاتية ومريحة أكثر لنقاش الملفات الروسية الخلافية ، تحديداً فيما يتعلق بشراء أنقرة منظومة اس 400 هذا ما حصل فعلاً، في إتصال أردوغان -ترامب الأربعاء الماضي، حيث كرر الرئيس التركي طرح إقتراح تشكيل لجنة عمل مشتركة، لمناقشة الصفقة والتأكد من ضمان عدم تاثيرها سلباً على حلف الناتو واليات عمله، كما على إستخدام تركيا المنتظر لطائرات إف 35 الامريكية الأكثر تطوراً فى العالم .

في كل الاحوال إتخذت أنقرة القرارالصحيح بعدم الصدام مع واشنطن فى قضية النفط الايراني، كون طهران التي لا تتوقف أبواقها وأذرعها فى الحشد الشعبي الاعلامي عن إنتقاد بل شيطنة تركيا صبح مساء، وبعد ما إرتكبته من جرائم  طائفية غير مسبوقة في العراق سوريا، لا تستحق التورط أو الذهاب بعيداً فى الدفاع عنها، والأهم أن الحفاظ على المصالح الحيوية التركية يفترض أن يمثل أولوية لصناع القرار المنتخبين ديمقراطياً، مع الانتباه طبعاً الى الحقائق التاريجية والجيوبوليتيكية، حيث تلاقى وتطابق تلك المصالح مع الدول والشعوب العربية الاسلامية، في المنطقة بشكل عام وفي سوريا والعراق بشكل خاص .