icon
التغطية الحية

لماذا تخلت أم مسيحية عن حياة الدعة وانضمت لتنظيم الدولة؟

2020.11.24 | 18:16 دمشق

telemmglpict000244908951_trans_nvbqzqnjv4bqlf6xvudq0d-ff3phupfzea5f4c2o-tiv3togatndhak.jpeg
تيليغراف- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

لم يعرف أهل سامانثا سالي وأصدقاؤها السبب الحقيقي الذي دفع تلك الشابة البالغة من العمر 30 عاماً إلى التخلي عن حياتها في مدينة أميركية صغيرة لتذهب هي وولديها في ربيع عام 2015 وتستقر في قلب تنظيم الدولة. كانت حينها أماً لماثيو البالغ من العمر سبعة أعوام وهو الذي أنجبته من زواجها الأول، بالإضافة إلى ابنتها من زوجها الثاني. كما كانت تعمل لدى شركة توصيل طلبات في إيلكهارت بإنديانا، إذ تظهر الفيديوهات المنزلية على حسابها على فيسبوك حالة اعتيادية وطبيعية بالنسبة لأسرة تسكن في الضواحي، حيث كانت تلك المرأة في الفيديو تلعب مع ولديها لعبة الغميضة خلف أرائك غرفة الجلوس. غير أن أصدقاءها وصفوها بأنها كانت تشبه الحرباء، بسلوكها الماكر الذي لا يمكن لأحد أن يتوقعه أو أن يحتويه.

وهذا الجانب المجهول من شخصية السيدة سالي أثار فضول المخرج جوش بيكر وأذهله عندما التقى بها في مخيم احتجاز كردي في مطلع عام 2018، بعدما بحث عنها في شمال شرقي سوريا ليقدم الجزء العاشر الجديد من البودكاست الذي تنتجه بي بي سي تحت عنوان: (لست وحشاً) والذي سيبدأ عرضه اليوم، وكذلك من أجل الفيلم البانورامي (العودة من داعش: حكاية أسرة) والذي سيعرض الليلة أيضاً.

ويتذكر السيد بيكر تلك اللحظات فيقول: "عندما التقيت بها لأول مرة، كانت إنكليزيتها مكسرة قليلاً بسبب ابتعادها لفترة طويلة عن تلك البيئة، ولكن عندما عدت إليها بعد أشهر ثلاثة، كانت قد تغيرت كلياً، فلم تعد ترتدي الثياب التقليدية التي يجبر تنظيم الدولة النسوة على ارتدائها، بل كانت ترتدي يومها قبعة بيسبول، وسترة منفوخة كما أصبح لديها جدائل".

أمضى بيكر أربع سنوات في سوريا والعراق وأميركا وهو يجمع التفاصيل حول رحلة سالي العجيبة، والتي لم تصله منها سوى شذرات حتى اليوم. وكان هو أول من أجرى مقابلة مع ابنها ماثيو الذي أصبح في الثانية عشرة من عمره اليوم، وذلك حول محاولاته للعودة إلى الاندماج في المجتمع الغربي.

وقصة سالي ليست مجرد قصة عن أم اتخذت قراراً سيئاً للغاية، عرضت من خلاله أولادها لخطر الموت، فقد استخدم ماثيو كبيدق في الفيديو الدعائي الذي نشره تنظيم الدولة على نطاق واسع والذي ظهر فيه ماثيو وهو يهدد الرئيس ترامب.

إلا أن ذلك أيضاً يطرح ذلك السؤال الشائك وهو: هل يتعين على الحكومات الغربية أن تتعامل مع من يعرفن باسم عرائس الدواعش ممن قررن أن يعدن إلى بلادهن كمتواطئات أم كضحايا؟ ويدخل ذلك ضمن الجدل الدائر حول قضية شاميما بيغوم التي تركت شرق لندن عندما كانت مراهقة لتنضم إلى تنظيم الدولة وهي تناضل اليوم عبر المحاكم البريطانية حتى يسمح لها بالعودة إلى ديارها. وهنا تخبرنا سالي وتؤكد بأن زوجها الثاني هو من كان الوغد الحقيقي حسب وصفها.

نشأت سالي كعضو في جماعة شهود يهوه في المنطقة الريفية بأركانساس، وكانت في طفولتها مثل أي طفلة ترعى أختها الأصغر منها دوماً بحسب ما ذكره والدها ريك الذي يعمل سائقاً للشاحنات. وبعد فشل زواجها الأول من خوان (والد ماثيو)، تغيرت حياة سالي عندما التقت بموسى الحسيني، الذي كان طالباً في الجامعة لكنه ترك الدراسة، فقد انتقل هذا الفتى إلى الولايات المتحدة في تسعينيات القرن الماضي برفقة عائلته المغربية الثرية.

وهكذا أخذ ذلك الشاب يغرقهم بالهدايا الثمينة على مدار بضع سنوات ويبدي لهم جزيل الاهتمام، لكن الملل كان يراوده في أغلب الأحيان كما تصفه سالي، ولذلك اختفى فجأة في أحد الأيام بعد تعاطيه للكوكايين بشكل مسرف على مدار ثلاثة أيام، وبالرغم من كل ذلك تزوجا في عام 2012 (بالرغم من أنهما عاشا مع بعضهما قبل ذلك كثنائي، الأمر الذي يقوض ادعاء حسيني بأنه مسلم محافظ وملتزم)، وسرعان ما أصبح لديهما ابنة.

وبحسب رواية سالي للأحداث فإن الحسيني أقنعها في عام 2015 ببيع منزلهما في إنديانا والانتقال إلى المغرب، وعند تبديل الطائرة في إسطنبول، اقترح الحسيني إمضاء عطلة هناك للتمتع بزيارة الأماكن السياحية في نزوة من نزواته، ولكن بنهاية ذلك الأسبوع، تدعي سالي أنه بدلاً من أن يأخذهم إلى المطار كما وعدهم، قاد السيارة بهم قاطعاً مسافة 800 ميل (ما يعادل 1288 كم تقريباً) إلى الحدود السورية، حيث أصبحت الأمور تتخذ منحى غريباً حسب وصفها، وزعمت سالي أنه أخذ ماثيو وابنتهما وانتقل بهما عبر الحدود فلم يعد أمامها أي خيار سوى أن تلحق بهم وهي تحمل حقيبة طلب منها أن تجلبها معهم، وتحتوي على جوازات سفر، وأموال ومجوهرات. وتتابع بالقول إنها لم تدرك إلا حينها أنها ستنضم لتنظيم الدولة وذلك عندما رأت شباناً ملتحين يحملون بنادق.

وتحكي لنا شقيقتها لوري أن أخبارها انقطعت عنها ولم تعد تعرف عنها أي شيء إلى أن وصلتها رسالة إلكترونية عبر بريدها من سالي قبل عامين وقد قالت لها فيها: "أتمنى جداً أن تكوني قادرة على مساعدتي، فقد جاء بي موسى أنا وولدي بطريقة غير شرعية إلى سوريا... وقد تكون هذه المرة الأخيرة التي بوسعي فيها أن أتواصل عبر الإنترنت. أحبك وأشتاق إليك".

بيد أن بيكر يشكك في هذه الرواية، ولديه سبب وجيه في ذلك، فقد اعترفت سالي مؤخراً في صفقة مرافعة من أجل المحاججة بأنها قبل ذهابها إلى سوريا قامت بثلاث رحلات إلى هونغ كونغ حيث أودعت هناك ذهباً وحجارة كريمة وبعض الأموال التي تصل قيمتها إلى أكثر من 30 ألف دولار وذلك ضمن صندوق ودائع آمن. وادعت سالي أنها كانت تحاول بكل بساطة مساعدة زوجها على دفع ضريبة أقل. أما والدها فيعتقد أنه من غير المرجح أن تقوم ابنته بهذه الحيلة، وكذلك قال زوجها الأول الذي أخبر بيكر بأنها قد تكون انضمت لداعش من أجل التشويق حسب وصفه.

وبصرف النظر عن دوافعها، تبين بأن الحياة في الرقة، عاصمة دولة الخلافة المزعومة، كانت جحيماً، إذ تنتشر فيها الإعدامات في ميادين عامة، وكل يوم تقطع ضجيج الحياة أصوات طلقات الرصاص والتفجيرات. ثم إن الحسيني الذي أصبح قناصاً لدى تنظيم الدولة، قام بشراء جاريتين عمر الأولى منهما 17 والثانية 14 ليستمتع بممارسة الجنس معهما. وقد تعقب بيكر فيما بعد مكان تلك الفتاة البالغة من العمر 17 عاماً في العراق، كونها تنتمي إلى الأقلية الإيزيدية الدينية التي تعرضت للاضطهاد من قبل تنظيم الدولة، فأخبرته عن الحسيني بأنه: "كان ينام معنا كلما رغب بذلك".

وتزعم سالي أنها في شتاء عام 2015 اقتيدت إلى ملعب لكرة القدم تم تحويله إلى أحد مباني تنظيم الدولة وهناك تعرضت للتعذيب بعدما اكتشف قياديان محليان بأنها كانت تخطط للهرب. وذكرت بأنهم ضربوها وربطوها بالسقف من معصميها، وعرضوها للصعق بالكهرباء عند منطقة البطن بالرغم من أنها كانت حاملاً في ذلك الحين، فقد أنجبت من الحسيني طفلين آخرين أثناء إقامتهما في سوريا، وهكذا تحدثت عن كل تلك التفاصيل التي كان بوسع بيكر أن يتحقق من أجزاء منها من خلال وثائق تنظيم الدولة.

إلا أن أكثر عنصر مزعج في الموضوع هو فيديوهات ماثيو ابن سالي، والذي تصفه خالته لوري بأنه: "أحلى ولد صغير ستقابله بحياتك"، فقد أجبر على ارتداء حزام ناسف، ليلعب بلعبة جديدة وهي رف من المتفجرات. ومن خلف الكاميرا يسمع صوت الحسيني وهو يشجع ربيبه. فقد تحول ماثيو في عام 2017 إلى نجم الفيديو الدعائي الذي كان تنظيم الدولة يبثه، والذي يردد فيه: "رسالتي إلى ترامب دمية اليهود: لقد وعدنا الله بالنصر، ووعدكم بالهزيمة، وهذه الحرب لن تنتهي في الرقة أو الموصل، وإنما ستنتهي في بلادكم".

ومع اقتراب التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة من الرقة في عام 2017، قتل الحسيني بغارة جوية نفذتها طائرة مسيرة، فبكت أسرة سالي فرحاً عندما وصلها خبر وفاته. وبمجرد أن رحل تنظيم الدولة، أصبح بمقدور سالي أن تهرب أطفالها على ظهر شاحنة متجهة نحو الأراضي الكردية، حيث استقرت هناك لمدة سبعة أشهر في مخيم احتجاز وهكذا وجدها بيكر.

وفي أواسط عام 2018، عادت تلك الأسرة إلى الولايات المتحدة، فألقي القبض على سالي، ووضع الأطفال في دار للرعاية. وفي مطلع هذا الشهر، صدر حكم عليها بأنها مذنبة كونها قدمت دعماً مالياً لتنظيم الدولة، وصدر حكم بسجنها لمدة ست سنوات ونصف في سجن فيدرالي، بالإضافة إلى ثلاث سنوات من المراقبة بعد إطلاق سراحها. وكان ذلك جزءاً من مرافعة المحاججة التي وافق فيها الادعاء على إسقاط تهمة التآمر التي تعتبر أشد خطراً، إذ ورد على لسان الادعاء بأنهم لم يتوصلوا إلى أي دليل يوحي بأن سالي خططت لإيذاء الولايات المتحدة أو يثبت تأييدها لإيديولوجية تنظيم الدولة.

وعندما تحدثت أخيراً من السجن قالت لبيكر: "أتقبل فكرة عدم قدرتي على اتخاذ قرارات لحماية أطفالي بطريقة أفضل".

وقد نجح بيكر أيضاً في تعقب ماثيو، الذي أصبح يعيش الآن برفقة والده في إيداهو. أما بقية أولاد سالي فيعيشون مع أهلها، إذ بعد مرور عامين على تلقي الدعم النفسي، أصبح الصبي الذي يتمتع بأخلاق وتصرفات نبيلة، والذي يصفه بيكر بأنه الطفل الذي يتمتع بأعلى نسبة ذكاء وجداني قابله في حياته، يتحدث بثقة عن تلك التجارب الأليمة التي عاشها، وهو في طريقه نحو العودة للاندماج، إذ أصبح يستمتع بالصيد مع أبيه، كما تعلم بعض العربية في سوريا، لذا يتمنى أن يصبح مترجماً، لكنه يخبرنا بحرقة: "كانوا دوماً يقولون لنا في سوريا: ستعودون إلى بلدكم يوماً ما، إلا أن ذلك لم يحصل، ولهذا أصبحت أفكر بأني لن أعود إلى بلدي. إن أول يوم رأيت فيه أبي كان يوماً سعيداً بل بغاية السعادة، إذ من المؤسف كيف فعلوا ذلك بطفل، هذا ما أحس به، لكن ما حدث قد حدث وانقضى وأصبح ورائي اليوم".

  المصدر: تيليغراف