لماذا الآن.. وثائق أميركا السرية عن إيران والقاعدة

2021.01.13 | 00:08 دمشق

1953247.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم تكن إيران تاريخياً عامل استقرار في المنطقة العربية بل ساهمت بكل ألوان حكمها في تقويض السلام ونشر الفوضى في محيطها باستثناءات - تحت شعار الإبقاء على شعرة معاوية-  كالعلاقة التي تربطها بسلطنة عمان، وأما بقية دول الخليج العربي فهي في قلق منذ تأسيسها من الطموحات الإيرانية بالتوسع والسيطرة عبر تحريض طائفي مقيت من بغداد إلى المنامة وهامش "العوامية" في السعودية.

وبعد سقوط العراق بات الطريق مفتوحاً إلى بقية العواصم العربية الكبرى تحت عناوين صدرتها الثورة الإسلامية كالمقاومة وتحرير القدس، ودعمت سراً وعلانية منظمات ترفع رايات المظلومية الشيعية كحزب الله وأمثاله في سوريا والعراق واليمن، ووجدت ضالتها في الأنظمة العربية التي رفعت شعارات الممانعة والصمود لتحمي كراسيها فإذا بها تقع فريسة لهذه الشعارت وتحت رحمة الطموح الإيراني الذي استغل الربيع العربي لإضعاف المنطقة بكاملها والسيطرة عليها بواسطة أذرعه التي تحكمت في الدول وجيوشها.

في سوريا أعطت إدارة أوباما لطهران الإذن بالدفاع عن نظام الأسد، والتمدد في المدن السورية وتدميرها، وكذلك وقعت الإدارة نفسها الاتفاق النووي مع إيران

كل هذا التغول الإيراني جرى تحت أعين العالم ورائدة ديمقراطيته وقوته العظمى الولايات المتحدة الأميركية التي لم تحرك ساكناً، وساهمت إداراتها المتعاقبة في غض الطرف عن مشاريع إيران، وفي سوريا أعطت إدارة أوباما لطهران الإذن بالدفاع عن نظام الأسد، والتمدد في المدن السورية وتدميرها، وكذلك وقعت الإدارة نفسها الاتفاق النووي مع إيران، ورفعت عنها العقوبات التي أعادت لها المليارات من الدولارات لتساهم في دعم ميليشياتها والأنظمة المتحالفة معها.

اليوم وبعد أسبوع من اقتحام الكونغرس الأميركي من قبل مناصري (ترامب)، والتخبط الذي تعيشه إدراته قبل تسليم مهامها إلى الإدارة الجديدة يتم رفع السرية عن معلومات تخص علاقة إيران بتنظيم القاعدة ودورها في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 التي أدت لحرب خاضتها الولايات المتحدة في أفغانستان لمطاردة القاعدة التي يتضح - من المعلومات التي تم الإعلان عنها اليوم على لسان وزير الخارجية الأميركي (بومبيو)- فيها الدور الإيراني في التخطيط والدعم لهذه الهجمات.

تصريحات بومبيو اليوم تؤكد تورط إيران مع القاعدة ورعايتها فهي سمحت لهم بجمع الأموال، وكذلك إقامة مقر لعمليات القاعدة وتدريباتها على أراضيها، وتدريب مقاتليها على صناعة المتفجرات في مقار حزب الله، ومساعدتهم في تنفيذ هجمات 11 أيلول، وسمحت لهم بالتنقل بحرية والسفر إلى سوريا، وتحولت إلى مركز جديد للقاعدة وملاذاً لها.

لكن لماذا الآن يفتخ بومبيو النار على إيران، ولماذا يرفع الغطاء عن هذه المعلومات التي بسببها دمرت دول بأنظمتها وشعوبها، وقتل بسبب هذا التواطؤ الملايين من سكان العراق وأفغانستان وسوريا واليمن، وتم تهجير مئات الآلاف من بيوتهم ومدنهم، والتهمت أسماك البحار جثث الغرقى من الهاربين من الموت المدعوم إيرانياً بأيدي الميليشيات والأنظمة الاستبدادية؟.

لماذا الآن يشير بومبيو بأصابع الاتهام لإيران فيما صمّت الإدارات الديمقراطية والجمهورية آذانها عن صرخات الاستغاثة والموت والاتهام للقتلة من الميليشيات التي كانت ترفع الشعارات الطائفية، وجاءت إلى المدن السورية دفاعاً عن العتبات المقدسة، وأقامت فيها طقوس الموت والسواد.

تأتي هذه الخطوة لعرقلة أية محاولة من قبل الإدارة الجديدة لفتح علاقة جديدة مع طهران، وتبرير خروجه من الاتفاق النووي

تبدو إدارة ترامب المترنحة في أيامها الأخيرة كمن يلقي المسامير في الطريق فالديمقراطيون باتوا على مقربة أيام من البيت الأبيض، وعادت عليها محاولة اقتحام الكونغرس بالوبال الذي أوصل بعض النواب الجمهوريين إلى المطالبة بعزل ترامب، ولذلك تأتي هذه الخطوة لعرقلة أية محاولة من قبل الإدارة الجديدة لفتح علاقة جديدة مع طهران، وتبرير خروجه من الاتفاق النووي، وقد تسنح له فرصة أخيرة لإحداث إرباك داخلي أو خارجي مفاجئ.

بالتأكيد لا يريد ترامب تقديم خدمة للعالم، وتعرية إيران وفضحها أمام الأميركيين بالقول لهم إنها تقف وراء مقتل أبنائهم، وتدمير أحد أهم رموز حضارتهم قبل عشرين عاماً، وليس كرمى لعيون العرب المخذولين والمقتولين، وليست محاولة لضمير أميركي استفاق فجأة، فالخراب الذي يعيشه العالم هو نتاج هذه السرية الأميركية الانتهازية، ولكنها آخر المحاولات لقطع الطريق على منافسيه وإرباكهم فالأيام الأخيرة لترامب ستكون حافلة بالمفاجآت، وعيون أميركا المرتبكة قد تكون أوضح مما كانت عليه في أيام ثباتها.