لماذا أعادت إسرائيل فتح ملف الجولان؟

2019.03.15 | 23:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أعادت إسرائيل في الأيام الأخيرة فتح ملف هضبة الجولان المحتلة مجدداً، مطالبة الإدارة الأميركية الاعتراف بها كجزء من الدولة العبرية، بمعنى شرعنة احتلالها وتوفير غطاء سياسي أميركي للقرار الإسرائيلي بضمّها رسمياً في العام 1981، وبالتالي إزاحتها عن جدول الأعمال التفاوضي مستقبلاً. كما جرى مع القدس إثر القرار الأميركي بالاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.

إعادة فتح الملف - علماً أنه لم يزح نهائياً عن أجندة الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفاً، إنما تم تأجيله أو طيه مؤقتاً - مرتبطة بالانتخابات الإسرائيلية القادمة وتأزم وضع نتنياهو على خلفية تشكيل قائمة الجنرالات المنافسة، كما قرار المستشار القضائي بتقديم لائحة اتهام بالفساد ضده. كما أن ثمة علاقة للأمر بوضع الرئيس الأميركي دونالد ترمب الداخلي وبداية التحضيرات للانتخابات الرئاسية العاصفة خريف العام القادم.

طرحت حكومة نتنياهو ملف الاعتراف الدولي بالاحتلال، وضمها للجولان بعد اندلاع الثورة السورية وارتكاب نظام الأسد مجازر ضد الشعب السوري، حاولت استغلال تلك الجرائم وانهيار شرعية النظام للقول إنه لم يعد مؤهلاً للتفاوض، أو المطالبة باستعادة الهضبة المحتلة.

حاولت حكومة نتنياهو استغلال تلك الجرائم وانهيار شرعية النظام للقول إنه لم يعد مؤهلاً للتفاوض، أو المطالبة باستعادة الهضبة المحتلة

ثمة معطى آخر سعت إسرائيل لاستغلاله من أجل دعم مطالبتها بالاعتراف بضمها للجولان، ويتمثل بتفريط النظام بالسيادة الوطنية واستقدامه لميليشيات طائفية لبنانية - عراقية أفغانية وباكستانية - وتسهيل انتشارها في المنطقة للزعم بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي من أجل لفت الانتباه والتغطية على دفاعها الدموي عن النظام ومساعدته على قمع الشعب السوري وارتكاب المجازر بحقه.

إدارة أوباما رفضت الطلب الإسرائيلي المتناقض مع المواقف السياسية التقليدية والمعلنة للإدارات الأميركية المتعاقبة وعندما حاولت حكومة نتنياهو استغلال التنازلات، وحتى التهافت الأوبامي الأميركي من أجل الاتفاق النووي مع إيران والمطالبة بشرعنة الاحتلال كجزء من التعويض السياسي الأميركي لإسرائيل عن الاتفاق سيئ الصيت، اكتفت إدارة أوباما بالتعويض الاستراتيجي العسكري عبر حزمة مساعدات غير مسبوقة وصلت إلى 37 مليار دولار في خلال عشر سنوات.

مع رحيل أوباما ومجيء ترامب واتضاح أن جهات إسرائيلية يمينية نافذة مقربة من الحكومة عملت على مساعدته من أجل الفوز بالانتخابات، أعادت حكومة نتنياهو طرح الملف من جديد، ولكن عبر بوابة الكونغرس الأميركي ومن خلال جهات نيابية أميركية صديقة مقربة منها سعت لإصدار قرار برلماني يدعو الرئيس للاعتراف بالجولان كجزء من الدولة العبرية، إلا أن الإدارة تجاهلت الطلب، ولم تتبنَ موقفاً مختلفاً عن سابقاتها.

ولكن مع اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل نهاية العام قبل الماضي، سعت الحكومة الإسرائيلية لاستغلال الحدث والمطالبة بتوسيع التوجه ليطال الجولان أيضاً، إلا أن مبعوث ترمب للمنطقة - أحد العاملين على صفقة القرن سيئة الصيت - الصهيوني غيسون غرينبلات كان حاسماً في رفضه ووصل حتى إلى اتهام حكومة نتنياهو بالجشع، كونها حسب تعبيره لا تفهم أن ثمة مسؤوليات وتحديات أخرى كثيرة ملقاة على عاتق الولايات المتحدة في المنطقة.

ولكن مع اعتراف ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل نهاية العام قبل الماضي، سعت الحكومة الإسرائيلية لاستغلال الحدث والمطالبة بتوسيع التوجه ليطال الجولان أيضاً

وللحظة بدا وكأن الملف أقفل ولو مرحلياً مع الموقف الأميركي الرسمي للإدارة الذي عبّر عنه غرينبلات، إلا أن المشهد كله تغير مع معاناة نتنياهو الانتخابية، ووجود علامات استفهام وشك على قدرته بالانتصار مع إعلان المستشار القضائي عن نيته توجيه لائحة اتهام ضده، وارتفاع التحدي بعد تشكيل تحالف الجنرالات الجديد، واحتمال عدم تجاوز كتل اليمين المتطرف الصغيرة المتحالفة معه لنسبة الحسم ما يعني عدم قدرته على تشكيل الحكومة القادمة.

تغيير تكتيك الحملة الانتخابية لنتنياهو كان أحد أسباب إعادة فتح ملف الجولان من جديد، مع طي صفحة التذمر والشكوى بوجود مؤامرة قضائية إعلامية سياسية لإزاحته إلى التفاخر بنجاحاته السياسية والدبلوماسية. حيث تم ترتيب جولات خارجية له شملت سلطنة عمان روسيا ثم أميركا، وربما المغرب نهاية الشهر الجاري، مع استقبال الرئيس البرازيلي في فلسطين المحتلة أيضاً لإعادة طرح ملف نقل السفارة البرازلية للقدس واستغلاله في الحملة الانتخابية.

في السياق الانتخابي نفسه، ولكن على الخط الإسرائيلي الأميركي تم ترتيب زيارة للسيناتور النافذ ليندسي غراهام لإسرائيل، حيث زار الهضبة المحتلة وتبنى المنطق الإسرائيلي السياسي الأمني تجاه احتلالها وضمّها، وتحدث لأول مرة ربما عن أجواء متفهمة في البيت الأبيض، وعن نيته بذل جهود برلمانية موازية وضاغطة، ثم جاء تقرير وزارة الخارجية الأميركية الذي نفى صفة الاحتلال عنها ليقدم دليل آخر على الاقتراب الأميركي من منطق حكومة نتنياهو.

هذا ما أكده أيضاً رئيس القائمة المنافسة لنتنياهو الجنرال بيني غانتس الذي قال إن ترمب سيعترف رسمياً بضم الجولان خلال لقائه نتنياهو المقرر نهاية الشهر الحالي من أجل مساعدته على الفوز بالانتخابات وهو ما أكده أيضاً إسرائيل كاتس وزير الخارجية المقرب جداً من نتنياهو.

بموازاة ذلك ضخت تل أبيب تقارير عن سعي حزب الله للتموضع في الجزء المحرر من الجولان، وتشكيل خلايا جديدة مع إعلان تفاصيل دقيقة عن قيادتها وهكيلتها، رغم اعترافها أن القصة ما زالت في بدايتها

بموازاة ذلك ضخت تل أبيب تقارير عن سعي حزب الله للتموضع في الجزء المحرر من الجولان، وتشكيل خلايا جديدة مع إعلان تفاصيل دقيقة عن قيادتها وهكيلتها، رغم اعترافها أن القصة ما زالت في بدايتها. وفي مرحلة التخطيط ولم تصل بعد إلى التنفيذ، علماً أنها أي إسرائيل أجهضت محاولات حزب الله الدعائية في الجولان التي هدفت للتغطية على قمعه للثورة، وانخراطه فى جرائم نظام الأسد، وذلك عبر سلسلة اغتيال طالت قيادات في الحزب، وحتى عناصر فلسطينية وسورية متعاونة معه، ناهيك عن الاتفاق الروسي الإسرائيلي الذي يمنع الحزب من الانتشار على الحدود، بل يبعده إلى مسافة 90 كم منها.

إسرائيل نشرت كذلك في الأيام الماضية تقارير وصور عن إقامة إيران مصانع صواريخ دقيقة في الشمال السوري المحتل، وهي تستغل الممارسات غير الشرعية والإجرامية لإيران وميليشياتها الطائفية، وتخلي النظام عن السيادة الوطنية لتسويغ مطالبتها غير الشرعية بضم الجولان إليها تحت الحجج السياسية والأمنية نفسها.

قد تبدو الأجواء الأميركية الرسمية مؤاتية أكثر هذه المرة لتلبية المطلب الإسرائيلي الجشع، لمساعدة نتنياهو على الانتصار بالانتخابات الوشيكة، مع أمل أن يتلقى ترمب المقابل من أنصار اسرائيل وداعميها فى الانتخابات الرئاسية العام المقبل، لكن لابد من التاكيد دائما على أن انهيار شرعية النظام وتفريطه بالسيادة وجرائمه المشتركة مع إيران وميليشياتها، لا يبرر تجاهل القوانين والمواثيق الدولية، ولا إنكار الحق الحصري للشعب السوري في أرضه ثرواته وحقوقه التي فرّط بها النظام، ولا يملك التنازل عنها كما لا تملك واشنطن بالتأكيد حق إعطائها لمن لا يستحق.