لماذا أرادت هذه المغتربة أن تصوّت لبشار الأسد؟

2021.06.21 | 06:09 دمشق

00_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

من أمام سفارة بلدها في برلين ألقت ريم إسماعيل، رئيسة ما سمّي «المنتدى السوري الألماني الموحد» كما جرى التعريف، كلمة من وراء منصة صغيرة نصبها مؤيدو بشار الأسد المتجمعون هناك للاحتجاج على عدم سماح السلطات الألمانية بإجراء الانتخابات الرئاسية السورية على أراضيها.

نزعت إسماعيل الكمامة، المصممة على شكل العلم المعتمد لدى النظام وبألوانه، واندفعت في خطبة بعثية حيّت فيها عشرات «الأوفياء» ممن تجمعوا في الموعد المحدد لتصويت الجاليات في الخارج، من أبناء «سوريا العظيمة» الذين أدركوا «مسؤوليتهم التاريخية الكبيرة» بالرغم من «مرارة الغربة ولواعج الشوق»، فقدِموا ليعبّروا عن «تدفق الوطن» في شرايينهم في اجتماع ديمقراطي يستنكر ما فعله العالم «الذي يدّعي التحضر» وقام «بكمّ أفواهنا وخنق صوتنا». وبعد أن أنهت كلمتها وقفت وراء صندوق تعاقب مؤيدو الأسد على التصويت له فيه بشكل رمزي. ثم تلقت اتصالاً من قناة «السورية» الرسمية أبدت فيه سعادتها بما استطاعت وزملاءها إنجازه من «عرس وطني حقيقي» في «قلب برلين»، كما وصفت المذيعة من دمشق.

ما ينقص كلام إسماعيل هو تبرير ما تدعو إليه بحماسة من إعادة انتخاب الأسد لدورة جديدة. إذ اكتفت، في هذا الجانب، بالقول إنه القائد الصامد «الذي لن يكرره التاريخ»، وإنه «الأمل الذي يعطينا الشموخ والقوة»، رغم أنها مهاجرة قديمة، وقد أبدت اهتمامها بإيصال صوتها إلى الألمان الذين لا نعرف كيف سيقرؤون «دعاية انتخابية» كهذه، ربما كان من الأفضل أن تقدّم بدلاً عنها بوحاً صريحاً بأسبابها الشخصية لتأييد حكم الأسد، التي يبدأ اسمها الكامل بالإشارة إليها.

فالمغتربة الوطنية هي الابنة الوسطى لفؤاد ماجد إسماعيل (1935 – 2009)، الضابط القوي المتحدّر من القرداحة مسقط رأس عائلة الأسد، والذي كان موضع ثقة زعيمها «المؤسس» حافظ منذ كرّمه في حرب تشرين، ثم فرزه إلى الفرقة الثالثة، بإشراف العماد شفيق فياض (العقيد وقتئذ) الذي دعم المقدم إسماعيل حتى صار قائداً للواء 21 ميكا الذي يعدّ من قوات النخبة في الجيش، والمتمركز في القلمون الشرقي بعشرات الكيلومترات من الحدود المشتركة مع لبنان، فتحها إسماعيل على مصراعيها كمحمية خاصة للتهريب لا سلطة فيها لسواه. ولم يغادرها إلا مضطراً عندما تحركت قوات الفرقة الثالثة إلى مدن الصدام مع الإسلاميين مطلع الثمانينيات، فكان اللواء 21 الذي يقوده رأس حربة قوات الفرقة حين وصلت إلى حلب، ثم تحرك إلى جسر الشغور، وشارك أخيراً في معركة حماة عام 1982، والتي انتهت بانتصار النظام وعودة القوات إلى مراكزها واستمرار عجلة التهريب التي درّت على العقيد مبالغ طائلة لم تتوقف عندما انتقل، في أواخر الثمانينيات، إلى السويداء، نائباً لأحمد عبد النبي في قيادة الفرقة الخامسة، فقد انفتح الأفق هناك على حدود الأردن والعراق، وفوق أرض غنية بالآثار.

 

01 (4).jpg

 

خلال هذه السنوات أقامت أسرة أبو طارق في حي الشعلان بمركز دمشق، وانتمى أولاده إلى مجتمع أبناء كبار المسؤولين في المدارس والعلاقات ونادي الرماية ونخبة أماكن الترفيه. حاز أكبرهم، طارق، شهادة الهندسة وصعد في المناصب الحكومية الخدمية؛ مدير فرع دمشق في الشركة العامة للطرق والجسور ثم مدير فرع اللاذقية للمؤسسة العامة للمياه الآن. أما أصغرهم، مجاهد، فقد تفلت من رقابة أبيه وصار يمثل النموذج النقيض والأشيع من أبناء المسؤولين ممن اتسموا بالتعالي والحدة والمخالفة الفجة للقوانين، فلوحق أكثر من مرة في قضايا جنائية ودخل السجن لعدة أشهر.

حين قامت الثورة كان مجاهد في الرابعة والثلاثين. صديقاً لأحد أبرز صقور النظام، حافظ مخلوف، العقيد الحاكم بأمره في القسم أربعين من الفرع الداخلي لجهاز المخابرات العامة وقتئذ. فهو ابن خال بشار الأسد، محمد مخلوف الشهير، وشقيق رامي. على يد مجاهد تشكلت مجموعات الشبيحة الأولى لقمع احتجاجات العاصمة، بتغطية من حافظ وتمويل من «جمعية البستان». انخرط في هذا الدور بكل إخلاص، لا سيما في عام 2011 عندما كان النظام يدمج بين الخيارات؛ يقمع من جهة ويفتح باباً للحوار من جهة أخرى. لم يقبل مجاهد بأي تهاون أو توسط حتى لو رعاهما أحد كبار مسؤولي النظام السياسيين أو الأمنيين، فكان يتصرف شخصياً. مداهماً فندق سمير أميس الذي حوى اجتماعاً حذراً للمعارضة، ليسأل عمن سمح بكفر كهذا، وحين أجابه محمد حبش أن الموافقة أتت شفوياً من نائب رئيس الجمهورية، فاروق الشرع، لم يتردد في شتم حبش والشرع. كما لم يتوان عن الدخول إلى مقهى الروضة وضرب الممثل سلوم حداد الذي أبدى مواقف سياسية غائمة حينذاك. كما هدد فراس طلاس، قبل خروجه الأخير من البلد، بالقول «حقك رصاصة».

في تلك الأيام عدّ مجاهد نفسه حامياً للبلد وللنظام من أي تساهل طائش قد يدفع إليه البعض. فأشرف على جمع الشبيحة وتوزيعهم بالباصات على أبواب الجوامع الفاعلة و«المشبوهة» أيام الجمعة، وعلى تزويدهم بمبلغ كل مرة وبمواد غذائية. كان في اقتحام اعتصام ليلة القدر الشهير في جامع الرفاعي، ومن السهل أن نفترض أن مجموعة من المحيطين به كانت «المجهولين» الذين اعترضوا طريق رسام الكاريكاتير علي فرزات وكسروا أصابعه لأنه «تطاول على أسياده».

بمرور السنوات، وبعدما أثبت النظام أنه لا يدع مجالاً لأحد لأن يكون ملكياً أكثر منه؛ استقر مجاهد كقائد لمركز ريف دمشق في «كتائب البعث»، ثم نائباً لرئيس هذه القوات الرديفة في البلاد، ولكن ليس قبل أن تطوله العقوبات الأوروبية التي لم تثر عنده سوى السخرية.

 

02 (4).jpg

 

في الانتخابات الرئاسية الأخيرة قدّم أبو حافظ ما عليه من فروض الطاعة، فنصب صورة لبشار حرص أن تكون الأكبر في سوريا. وبعد التظاهرة التي نشطت فيها أخته في برلين بعشرة أيام نظّم احتفالاً في مدينته القرداحة بعنوان «مهرجان العز والفخر بالعمل والأمل» بمناسبة فوز الأسد في الانتخابات المزعومة. إلى حارة بيت إسماعيل جاء الآلاف ليغنّوا ويدبكوا على أنغام الأغاني «الوطنية» والأهازيج المحلية. وعلى طاولات منفصلة جلس بعض ضيوف الشرف الذين كان أبرزهم زوج شقيقته الأخرى رنا، هارون الأسد، الذي استقر كذلك على صفة رجل الأعمال والمسؤول المحلي، بعد شباب شرس شهير دفع أهل مدينة اللاذقية وقتئذ إلى تداول جملة «هارون بالبلد... اهرب يا ولد»، ولو إلى ألمانيا.

 

03 (1).jpg