icon
التغطية الحية

"لكنك لا تشبه السوريين".. مديح أم عنصرية تحت قناع اللطف؟

2024.10.10 | 16:32 دمشق

اللاجئين السوريين في لبنان
"لكنك لا تشبه السوريين".. مديح أم عنصرية تحت قناع اللطف؟
+A
حجم الخط
-A

لطالما سمع السوريون في مجتمعات اللجوء هذه الجملة: "لكنك لا تشبه السوريين"، سواء في الحديث مع سائق التاكسي أو في اليوم الأول لهم في المدرسة والجامعة أو في محطات انتظار وسائل النقل. ولطالما كان شعورهم واحداً بعد سماعها: الحيرة.

هل سيبتسمون ويغفرون للوجه الذي يَفترض، بما ورثه من محبة وعنصرية، أنه يمدحهم؟ أم سيُظهِرون انزعاجهم للوجه نفسه الذي أهان جذورهم؟ ما الذي يجب أن يخيّم على هذه اللحظة؟ الشعور بالألفة أم إدراك المساحة الشاسعة التي خلقتها الإهانة؟ هل كان من الأفضل أن يطووا جنسيتهم في أعماق الذاكرة ويتظاهروا بالانتماء لجنسية عربية أخرى يتقبلها المجتمع المضيف؟

قصة راما: البحث عن الفهم في مواجهة الجهل

تقول راما (19 عاماً)، طالبة جامعية سورية في تركيا، إنها كانت تناقش مواضيع مختلفة تتعلق بالدراسة مع إحدى الفتيات التركيات التي تعرفت عليها للتو في بناء الكلية الجامعية، حين سألتها الفتاة عن جنسيتها، فأجابت راما أنها سورية. وجاء الرد التالي: "لا تشبهين السوريين أبداً". فسألتها: كيف يبدو شكل السوريين إذاً؟ لم تفكر الفتاة في الجواب الذي يتعين عليها تقديمه بل أجابت بكل سلاسة: بشرتهم سوداء وملابسهم ممزقة، وأضافت أنها لم تقابل سورياً "أكابر" من قبل.

كان الجواب يدعو للاستغراب بالنسبة لراما التي قابلته بشرحها للفتاة عن تنوع الفئات داخل المجتمع السوري، وكذلك عن احتمالية وجود أسباب لا تحيط بها الفتاة عن أوضاع السوريين الذين رأتهم، مثل أن يكونوا من سكان المخيمات أو يعيشون في ظروف صعبة لا تسمح لهم أن يظهروا بكامل أناقتهم.

لم يكن هذا الموقف مزعجاً في المرات الأولى التي تعرضت له بها، لأنه كان شكلاً من أشكال المديح في البداية، لكنه تحول إلى موقف مزعج مع تكراره مما جعلها تتساءل حول من هم السوريون الذين يتحدثون عنهم في جملة "لكنك لا تشبه السوريين؟"

أما بالنسبة لنوران (23 عاماً)، وهي طالبة سورية في إحدى الجامعات التركية، فكان سماع تلك الجملة يفاجئها. فهي تعتقد أن هناك روابط اجتماعية وتاريخية عميقة بين العرب السوريين والأتراك، ومن المفاجئ أن تسمع جملة "أنتِ تشبهين الأتراك جداً، لا تشبهين السوريين". تقول: من الطبيعي أن أشبهكم، فالمجتمعان، أي السوري والتركي، يتشابهان إلى حد كبير بحكم القرب الجغرافي الذي ولّد صلة قرابة فيما بينهم، فكثير من العائلات السورية ترتبط جذورها بعائلات تركية.

وفي الحديث عن شعورها تجاه هذه الجملة، تقول إنه حتى إذا حاولت التفكير بإيجابية، لن يكون شعورها فرحاً أو امتناناً، بل مجرد إحساس بالقبول. فمن المريح ألا تشعر أنها كائن غريب بالنسبة لمجموعة أصدقائها من الأتراك.

دور القوالب النمطية في تشكيل التمييز

تسهم الصورة النمطية أو التعميم بشكل أساسي في رسم سلوك التمييز العنصري، فالقوالب النمطية، بحسب تعريف موقع "الباحثون السوريون"، هي طريقة لتصنيف مجموعة من الأشخاص وتوصيفها والحكم عليها بمميزات ثابتة وغير قابلة للتغيير، ويُعدُّ مصطلح "التعميم" الأقرب للغتنا المتداولة لوصف هذه الظاهرة؛ إذ تُختَزَل جميع خصائص مجموعة معينة من الأشخاص -جماعية كانت أم فردية- في صور نمطية محددة، ويُوسَم أي شخص ينتمي إلى هذه المجموعة بالخصائص التي أُطلِقت على المجموعة كلياً بدلاً من النظر إليهم بوصفهم أفراداً لهم ميزاتهم الفردية وصفاتهم الشخصية.

وتقول الدكتورة منى مجدي عبد المقصود، أستاذ مساعد في كلية الإعلام جامعة القاهرة، في جلسة تدريبية نظمتها جريدة عنب بلدي السورية، إنه عند الاطلاع على التقسيمة العلمية الثلاثية للدماغ نجد أن قوالب التنميط تعود لمفهوم "دماغ الزواحف"، المكان الذي يتحكم بالغرائز الأساسية كالتنفس والرغبة في الأكل والشرب وكذلك الشعور بالأمن. فتشكيلنا للصور النمطية مرتبط بهذا الشعور، حيث نصنف الناس وندخلهم في سياق أحكامنا كي نعرف كيف نتعامل معهم في سبيل حماية أنفسنا؛ هل علينا أن نخاف؟ نأمن؟ نبتعد؟ نقترب؟

وتضيف أنه كلما ارتقينا بالتفكير وأبدينا استعداداً للابتعاد عن انحيازنا لصورة نمطية ما، فإننا نقترب من "دماغ الثدييات"، المكان الذي نتحكم به بعواطفنا وسلوكنا، حيث نستثني بعض الأشخاص من مجموعة أو جنسية تحمل صفات سلبية بالنسبة لنا.

أما حين نصل إلى "الدماغ العلوي" أو "الرئيسيات" فإننا نبدأ بإدارة التفكير المنطقي الذي لن يتقبل الصور النمطية وسيبتعد بنا عن إطلاق الأحكام العشوائية العامة. بالتالي، سنكون قادرين أكثر على التعاطف والتفاعل بتوازن مع الآخرين.

ريم: صدمة اللهجة والهوية المختلطة في لبنان

وفي المشهد اللبناني لجملة "لكنك لا تشبه السوريين"، تقول ريم (23 عاماً)، وهي طالبة جامعية في لبنان من أب سوري وأم لبنانية، إنها تعرضت لهذا الموقف نتيجة لاختلاط لهجتها بين السورية واللبنانية، حيث كانت تستخدم كلا اللهجتين في حياتها اليومية وأحياناً في وقت واحد إذا ضمت الجلسة أشخاصاً من كلا البلدين. وكانت الصدمة تعتلي وجه أصدقائها اللبنانيين حين يسمعونها تتحدث "بالسوري"، مما يدفعهم للتساؤل المختصر: سورية؟

تعتبر ريم أن صدمتهم محقة وليست مزعجة، بسبب الانتقال اللحظي الذي تمارسه بين اللهجات، لكن ما تستنكره في هذا السياق هو استثناؤها عند الحديث السلبي عن السوريين، خاصة في أماكن العمل، حيث يطلبون منها ألا تأخذ الأمر على محمل شخصي ويوضحون أنها "ليست مثلهم"، أي السوريين، وكذلك أنهم يقصدون ساكني المخيمات وأصحاب المشاكل. وتضيف أنه ربما يكونون محقين حين يتحدثون عن أشخاص ارتكبوا جرائم مختلفة، لكن هذا لا يرتبط بكونهم سوريين إطلاقاً، وكان من الممكن أن يكونوا أبناء أي جنسية أخرى.

وفي السياق نفسه، تقول الدكتورة منى عبد المقصود، إنّ القوالب النمطية ليست خاطئة وإنما لا تمثل كل أجزاء الصورة.

التمييز الداخلي: الوجه الآخر للعنصرية

تتكرر هذه المشاهد في بلدان اللجوء المختلفة، ويقابلها السوريون بالصمت تارةً وبالنفي تارةً أخرى ليباعدوا بين الصورة النمطية السلبية وبين هويتهم الشخصية. ويستاء آخرون فيجتازون حاجز الصمت واللغة ويختارون الدفاع عن تلك الهوية أمام الآخر. فالهوية، كما قال أمين معلوف، "رسم على نسيج مشدود، ويكفي أن يُنتَهَك انتماء واحد لينفعل الإنسان بكل كيانه".

في الوقت نفسه، يتداول سوريون أحياناً الحديث عن ظاهرة العنصرية الداخلية في المجتمع السوري، إذ يستبعد بعض السوريين الذين طردهم جيش الاحتلال الإسرائيلي من الجولان المحتل من النسيج المجتمعي "الراقي"، ويصفهم بالنازحين، حين كان النزوح وصمة اجتماعية لم تصب ملايين السوريين بعد. ويذهب بعضهم إلى ظاهرة مواساة الفتيات السمراوات بوصفهن "سمرة بس جذابة".

كل تلك المواقف تتقاطع بتأثيرها وجوهرها مع جملة "لكنك لا تشبه السوريين".