لقاء تل أبيب الثلاثي: سيناريوهات وكوابيس

2019.06.30 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

تشير كثير من التسريبات الإعلامية إلى فشل اللقاء الثلاثي الإسرائيلي الأميركي الروسي المنعقد في تل أبيب لبحث ملف الأزمة السورية والوجود الإيراني هناك، بالوصول إلى تفاهم حول بيان سياسي مشترك، بسبب التباعد في المواقف والرؤى بين الدول الثلاث. هل سنصدق ذلك أم هناك مفاجات قد تظهر آخر لحظة إلى العلن في موضوع الأزمة السورية بعد لقاء القمة الأميركي الروسي على هامش قمة مجموعة العشرين في اليابان ؟

رغم الترويج الإعلامي الإسرائيلي الواسع لهذا الاجتماع الذي عقد في القدس وضم مسؤولين وخبراء أمنيين في الدول الثلاث برئاسة مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون وسكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتريشوف ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شبات، فيبدو أن هناك تضاربا حقيقيا بين المتحاورين حول كثير من القضايا وعلى رأسها الوجود والنفوذ الإيراني في سوريا ومعالم وأسس المرحلة المقبلة في البلاد .

يبدو أن هناك تضاربا حقيقيا بين المتحاورين حول كثير من القضايا وعلى رأسها الوجود والنفوذ الإيراني في سوريا ومعالم وأسس المرحلة المقبلة في البلاد .

الحديث في العلن تمحور حول مصير نظام الأسد والمرحلة الانتقالية والخارطة الدستورية والسياسية والعرقية المرتقبة في سوريا، ولكن وراء الستار التركيز كان على مسائل أمن إسرائيل في مناطق الحدود السورية الإسرائيلية، وقضية منع إعادة تموضع إيران عسكريًا في سوريا وإنهاء الوجود الإيراني هناك .

موسكو تريد إعطاء الأسد المزيد من الفرص والوقت وأن يقود هو المرحلة الانتقالية، وتصر على أن يكون موضوع رفع العقوبات عن دمشق على رأس ملفات الحوار الثلاثي إذا ما كان سيتواصل في المرحلة المقبلة. لكن تل أبيب تضع أمنها الحدودي فوق كل نقاش إقليمي. تل أبيب تريد من موسكو تجاهل مسألة احتلالها للجولان وعدم طرحها في إطار أية صفقة تتعلق بالمف السوري أولا ، وهي تريد من الكرملين تبني الأمر الواقع الجديد الذي تدعمه واشنطن في سوريا حيث إن أولوية التفاهم الإسرائيلي الأميركي الجديد في سياستهما السورية هي برأينا إنهاء الوجود الإيراني في سوريا قبل أن تكون مسألة رحيل نظام الأسد .

موسكو رددت أكثر من مرة أنها ملتزمة بأمن إسرائيل الحدودي مع سوريا وأنها جاهزة أيضا لبحث موضوع رحيل الأسد عاجلا أم آجلا ، لكن أولويتها وعلى عكس المطلب الإسرائيلي الأميركي، هي عدم التفريط بالورقة الإيرانية في سوريا والتي تعرف أنها بمثابة الكنز الثمين وحصان طروادتها المتعددة الجوانب والأهداف لحصد كثير من الهدايا والجوائز عندما تدق ساعة الحقيقة .

في أعقاب جلسات نقاش أمني سياسي مطول لم يرشح عنها الكثير يبدو أن معرفة النتائج الحقيقية لهذا الاجتماع يتطلب رصد ومتابعة سياسات الدول الثلاث في سوريا وما إذا كانت هناك تحولات حقيقية ستحدث في طريقة تعاملها مع الملف .

لكن المؤكد حتى الآن هو أن موسكو عندما قررت قبول ترتيب طاولة حوار من هذا النوع وفي إسرائيل مباشرة، ورغم كل ما تقوله حول رفضها الضغوطات الإسرائيلية الأميركية لإعطائهما ما يريدان في سوريا وضرورة الابتعاد الروسي عن طهران، فهي لن يكون بمقدورها تجاهل حقيقة وجود كثير من المصالح التجارية والأمنية التي تربطها بتل أبيب أولا ثم تمركز أكثر من مليون إسرائيلي هاجروا من روسيا في العقود الأربعة الأخيرة والتي تدفعها للإصغاء إلى ما تقوله تل أبيب شئنا أم أبينا ثانيا، وتمركز العشرات من اللوبيات وقوى الضغط الإسرائيلي في مراكز القرار الروسي التجاري والاقتصادي القادرة على عرقلة كثير من المصالح الروسية في العالم ثالثا.

الواضح أن إسرائيل وأميركا اللتين اختارتا دمج سياساتهما السورية بسياسات بعض العواصم العربية والغربية أزعجهما حجم التقارب والتنسيق التركي الروسي في موضوع إدلب وشمال غرب سوريا والقضية السورية ككل، لكن الذي يريدانه هو ليس استهداف التقارب بين أنقرة وموسكو بقدر ما يريدان الاقتراب من روسيا لعرقلة التفاهمات التركية الإيرانية الإقليمية بشكل أو بآخر. الهدف الإسرائيلي الأميركي هنا هو محاولة سحب البساط باتجاه جلب موسكو نحوهما أكثر فأكثر  لإبعادها عن أنقرة وطهران عبر عروض ومساومات وإغراءات سياسية واقتصادية وأمنية متعددة .

 

واشنطن وتل أبيب يعملان على :

 

-إخراج إيران من المشهد السوري عسكريا وأمنيا وعلى ضرورة أن تنسق موسكو مع البلدين في سياستها السورية التعامل وأن يأخذ الكرملين أيضا مصالحهما في سوريا بعين الاعتبار خلال نقاش هذا الموضوع مع أنقرة وطهران .

-وأن يذكران موسكو التي جلست جنبا إلى جنب مع الإسرائيليين والأميركيين أمام طاولة من هذا النوع تستبعد أنقرة وغيرها من العواصم الأوروبية، أن خيارها الوحيد هو عدم التراجع عن سياستها البراغماتية في علاقاتها مع إسرائيل، لأن تل أبيب قادرة كما تقول على تسهيل الحوار الروسي الأميركي في الملف السوري حيث تعذر ذلك على أنقرة حتى الآن .

-وأن تلتزم موسكو بسياسة التنسيق مع النظام السوري وتوفر له كامل الدعم المادي والسياسي والعسكري مقابل تجاهل الاحتلال الإسرائيلي للجولان والقرارت الأميركية الأخيرة بتوفير الغطاء السياسي والحقوقي لهذا الاحتلال .

موسكو تصعد اليوم في موضوع رفضها تقديم أي تغيير في مواقفها حيال إيران والتنسيق معها في سوريا لكن الواضح تماما هو أن  الموقف الروسي هذا لن يستمر إلى ما لا نهاية

لا مشكلة بالنسبة لروسيا إذا في مواصلة التنسيق مع أنقرة في شمال غرب سوريا لأنها جاهزة للمساومة مع إسرائيل وأميركا على ترك تفاهماتها مع تركيا جانبا في حال حصلت على ضوء أخضر إقليمي أوسع في إطار هذه الشراكة الثلاثية الجديدة .والمعادلة قابلة للتطبيق أيضا باتجاه أن تعقد روسيا صفقة مساومة على إيران ودورها ونفوذها في سوريا إذا ما اكتشفت أن حسابات الربح والخسارة السورية والإقليمية ستكون لصالحها وبشكل أوسع هناك .

موسكو تصعد اليوم في موضوع رفضها تقديم أي تغيير في مواقفها حيال إيران والتنسيق معها في سوريا لكن الواضح تماما هو أن  الموقف الروسي هذا لن يستمر إلى ما لا نهاية. موسكو أيضا قد لا تتردد كثيرا وهي تقبل العروض الإسرائيلية الأميركية مساومات على حساب العقود والاتفاقيات المعقودة بينها وبين أنقرة في سوريا حتى ولو كانت ستنعكس سلبا على العلاقات الثنائية والإقليمية بين البلدين . فهناك من سيعوض لها خسائرها مضاعفة .

أنقرة من ناحيتها ستأخذ دائما بعين الاعتبار أن لقاءات من هذا النوع تتم على حساب سوريا والشعب السوري طالما أن النظام والمعارضة انتقدا على السواء اجتماعات من هذا النوع دون علم وموافقة السوريين. لكن الأهم هنا يبقى هو أن تركيا لن تأتمن موسكو على سلة بيضها في سوريا حتى ولو تحسنت وتطورت العلاقات التجارية وعقدت الكثير من الصفقات الاستراتيجية بين البلدين، لأن من يساوم على طهران في المنطقة لن يتردد في إضعاف الموقف التركي إذا ما شعر أن أنقرة تتصلب في بعض مواقفها السورية. أنقرة لن تعطي روسيا شيئا يتعارض مع علاقاتها وتعهداتها للمعارضة والثوار في سوريا حتى ولو حدث تفاهم آخر لحظة الأميركي الروسي الإسرائيلي .