كل شيء يذكر بعودة الحرب الباردة، على الأقل بالنسبة للسوريين، فكما كانت اجتماعات ريغان مع غورباتشوف أو نيكسون من قبله مع الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي في ذلك الوقت، في جنيف أو غيرها من عواصم العالم، ترقب السوريون اجتماع القمة هذا لينظروا ما سيكون أثره على قضيتهم سوريا، فصراع الكبار أو اتفاقهم ينعكس على الصغار بشكل أو بآخر.
للأسف، لم يخرج الاجتماع بأي شيء مذكور عن سوريا، ربما تم مناقشتها عرضا لكن كلا الطرفين وجدا أن سوريا ليست بذات الأهمية التي يسمح بتخصيص وقت لها خلال الاجتماع ذي الأربع ساعات.
لاشيء عن الانتقال السياسي، لا شيء عن مصير الأسد ولا شيء عن مستقبل الملايين من النازحين والمشردين واللاجئين السوريين، إنها بكل مأسأة وضع سوريا اليوم التي يتقاسم النفوذ بها الدول العظمى وقوى لا تريد الخير لها من مثل الأسد وبوتين وداعش وغيرها، وبالوقت نفسه لم يثمر اجتماع الرئيس التركي أردوغان مع بايدن عن شيء كثير بالنسبة لسوريا ولو أن وزير الدفاع التركي استبق اللقاء بإعادة طرح فكرة المناطق الآمنة.
كان الرئيس ترامب قد أعلن أنه يرغب بإنشاء مناطق آمنة في سوريا عام 2018، تكون ملاذا للاجئين الذين لا يرغب باستضافتهم في الولايات المتحدة، وبالوقت نفسه على دول الخليج تحمل تكاليف إنشاء هذه المناطق، لكن الفكرة تبخرت مع الكثير من أفكار ترامب بعد أن ظهر أنه ليس هناك وضوح سياسي وقانوني وعسكري لما يعنيه بالمناطق الآمنة في سوريا.
هل ستسمح روسيا الآن باستصدار قرار أممي يسمح بعبور المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى ومعبر اليعربية كما تطالب إدارة بايدن؟
الاختبار الحقيقي للقاء بوتين – بايدن بالنسبة لسوريا سيظهر خلال الأيام القادمة، فهل ستمارس روسيا الفيتو مجدداً ضد قرار مجلس الأمن الخاص بمرور المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى، أم ستعود روسيا كما خلال السنوات العشر الماضية تمنع إصدار أي قرار لمجلس الأمن كما فعلت 16 مرة، فيما يتعلق بقرارات أخف لهجة بكثير وأقل تأثيرا في مجرى تطورات الحرب السورية، إذ وقفت في البداية ضد إصدار أي قرار من مجلس الأمن يدين نظام الأسد على انتهاكات حقوق الإنسان وارتكابه لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين السوريين، كما رفضت إحالة التحقيق في مثل هذه الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، فهل ستسمح روسيا الآن باستصدار قرار أممي يسمح بعبور المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى ومعبر اليعربية كما تطالب إدارة بايدن، لاسيما أنها عارضت مثل هكذا فكرة على مدى مدى السنوات الأربع الماضية، ربما يتوقع الرئيس بايدن أن ينجح بإقناع الروس بالقيام بذلك في ضوء صفقة كبرى تقوم على أساس رفع العقوبات على روسيا والتي أثرت على اقتصادها المتهالك، مقابل أن تقدم روسيا شيئاً بالمقابل في أوكرانيا وسوريا.
هذا على المستوى القانوني، أما على المستوى العسكري والسياسي فيبدو الأمر أكثر تعقيداً، فإنشاء المناطق الآمنة داخل الأراضي السورية يحتاج إلى إنشاء فرض حظر طيران جزئي على الأقل فوق هذه المناطق من أجل حماية المدنيين واللاجئين الذين سيلجؤون إليها، وهذا يفترض منه منع طيران الأسد والطيران الروسي من التحليق فوق هذه المناطق وبالتالي تدمير أو على الأقل تحييد كل مضادات الدفاع الجوية والصاروخية لنظام الأسد التي يمكنها أن تهدد مثل هكذا منطقة، وهو ما يعني بالتأكيد تدخلاً عسكريا أميركيا أو دولياً محدوداً في الأراضي السورية، أعتقد أن كل القادة العسكريين الأميركيين يعون ذلك، ولذلك لن توافق إدارة بايدن على فكرة المناطق الآمنة كما يظهر واضحا من تصريحات المسؤولين الأميركيين.
سوريا اليوم هي إحدى ضحايا الحرب الباردة الجديدة، وكما خلال الحرب الباردة تضاعف ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لأنها جيرت سياسيا بشكل كبير، وانتظر العالم حتى نهاية الحرب الباردة حتى بدأ بالتفكير في المحاسبة والمسؤولية عن هذه الجرائم، ومع عودة الحرب الباردة تبدو سوريا وأوكرانيا وغيرها من المناطق ساحة جديدة لعودة الحرب الباردة.
مسؤولية الحماية مبدأ من مبادئ القانون الدولي أقره مجلس الأمن، ويمثل تطوراً عميقاً في الوسائل التي يتخذها القانون الدولي لمعالجة الأزمات الإنسانية
وكما أن مبدأ الحماية أقر مع نهاية الحرب الباردة يبدو تطبيقه اليوم متوقفا بسبب عودة هذه الحرب، فمسؤولية الحماية مبدأ من مبادئ القانون الدولي أقره مجلس الأمن، ويمثل تطوراً عميقاً في الوسائل التي يتخذها القانون الدولي لمعالجة الأزمات الإنسانية. وبموجب مبدأ مسؤولية الحماية فإن الدولة لا تملك السيادة المطلقة. وتعتبر متخلية عن سيادتها عندما تفشل في حماية مواطنيها، ففي تقرير للأمم المتحدة نشر عام 2009 قام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتوصيف الأركان الثلاثة التي يقوم عليها هذا المبدأ، أولاً: تقع على عاتق كل دولة مسؤولية دائمة بحماية السكان المقيمين على أرضها – بصرف النظر عما إذا كانوا يحملون جنسيتها أم لا - من الإبادات الجماعية، وجرائم الحرب، والتطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية، وكل ما يحرض على تلك الجرائم السابقة. ثانياً: يقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية تقديم المساعدة للدول على الامتثال لواجباتها الواردة في الركن الأول. ثالثاً: إذا ظهر في شكل واضح فشل دولة في حماية شعبها. فيجب على المجتمع الدولي أن يستجيب لذلك في شكل حاسم وفي الوقت المناسب، بالاستناد إلى الفصل السادس والسابع والثامن من ميثاق الأمم المتحدة، وباتخاذ التدابير المناسبة سلمية كانت أم غير ذلك، إضافة إلى ذلك، يمكن في حالات الطوارئ عقد تحالفات دولية مشروعة لوقف الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، حتى من دون موافقة مسبقة من مجلس الأمن.
هل سينتظر السوريون نهاية هذه الحرب الباردة حتى يتم تطبيق مبدأ الحماية على الملايين منهم الذين يحتاجون إلى هذه الحماية من نظام الأسد الذي مارس إرهاب الدولة بحقهم.