لقاءات حزيران الدولية.. والملف السوري

2021.06.09 | 06:00 دمشق

1048969342_0_0_3069_1660_1000x541_80_0_0_95f5893620661f8680b1c5e586e1f560.jpg
+A
حجم الخط
-A

مع تنفس العالم الصعداء وبدء رؤية الضوء في نهاية النفق المظلم لوباء كورونا، وترافق ذلك مع الرفع التدريجي عن الحظر والسياحة والسفر، وتصاعد حملات التلقيح، تشهد الأيام المقبلة لقاءات دولية عديدة، ومناقشة ملفات عديدة مختلفة، منها بالتأكيد الملف السوري الذي بات يعتبر من أهم المحطات الدولية إضافة للملفات الأخرى، مع اكتسابه طابعا دوليا ونقاط توافق واختلاف إقليمية وبين أقطاب العالم، وبات الملف السوري أيضا ميدانا للمساومات والتقلبات والمصالح مع الأسف، بين الدول المختلفة وخاصة الدولتين الأهم المؤثرتين روسيا والولايات المتحدة الأميركية بالدرجة الأولى، وتليهما دول الإقليم ودول الاتحاد الأوروبي.

ومخطئ من يظن أن هذه اللقاءات الدولية تتجاهل التطورات في سوريا، بل على العكس أطراف هذه اللقاءات بالطبع معنية بشكل مباشر بالتطورات الجارية في سوريا، وهذه اللقاءات هي القمة الأميركية البريطانية، وقمة الناتو، والقمة الأميركية الروسية، والقمة التركية الأميركية، والقمة الأوروبية، والقمة الأميركية الأوروبية، حيث تبدأ جولة الرئيس الأميركي الأسبوع المقبل، وتشمل 3 محطات في أوروبا، أولها المملكة المتحدة لحضور اجتماع مجموعة الدول الصناعية السبع، ثم بلجيكا لحضور قمة الناتو، وأخيرا سويسرا للاجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما سيلتقي برئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في 10 من حزيران، في أول لقاء شخصي بينهما منذ تولي الرئيس الأميركي منصبه.

من الواضح من هذه اللقاءات الدولية، أن أطرافها معنية بشكل مباشر أو غير مباشر بما يجري في سوريا

كما يعقد بايدن اجتماعات ثنائية مع قادة آخرين، على هامش قمة دول "مجموعة السبع" في المملكة المتحدة، من بينهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، وفي 14 من الشهر ينتقل إلى بلجيكا لحضور قمة الناتو، وهناك يعقد قمة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ويختتم بايدن رحلته في جنيف، حيث يلتقي في 16 من حزيران مع رئيس الاتحاد السويسري غاي بارميلين، قبل قمته المرتقبة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اليوم نفسه، وعلى صعيد آخر تعقد القمة الأميركية الأوروبية في 15 من حزيران، ويتبع كل هذه اللقاءات مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا في 23 من حزيران، ويعقد في 25-26 من الشهر نفسه اجتماع زعماء دول الاتحاد الأوروبي.

ومن الواضح من هذه اللقاءات الدولية، أن أطرافها معنية بشكل مباشر أو غير مباشر بما يجري في سوريا، فأميركا موجودة على الأرض ولها قوى تدعمها شرقي الفرات متمثلة بقوات قسد، وروسيا أيضا حاضرة بقوة على الأرض وتدعم النظام، وتركيا موجودة على الأرض وتدعم قوى المعارضة والشعب السوري، والاتحاد الأوروبي ودول الناتو مهتمة بالاستقرار في سوريا وبملف المهجرين واللاجئين، كما أن هذه الدول معنية بمفاوضات الملف النووي الإيراني، وإيران موجودة على الأرض السورية بدعم النظام عبر الميليشيات المذهبية والمستشارين العسكريين، وكل هذه الدول ستجد فرصة من أجل مناقشة الملفات العالقة الثنائية والإقليمية والدولية، وما يهمنا كسوريين الجزء المتعلق من هذه اللقاءات جراء التطورات الجارية على الأرض السورية.

وقبيل هذه اللقاءات عاد مجددا إلى الأضواء موضوعان مهمان يهمان الشعب السوري بشكل مباشر، وخاصة الموجودين في منطقة إدلب، الأول يتعلق بالتهديدات من قبل النظام بالتصعيد في هذه المنطقة بعد انتهاء مهزلة الانتخابات الرئاسية، والثاني يتعلق بموضوع تمديد الآلية الدولية لعبور المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى والاستعداد للتصدي للموقف الروسي المطالب بحصر تقديم المساعدات عبر النظام، وهو ما لا تقبل به الدول الأخرى، ويلحق بهاذين الموضوعين قضايا ثانية أخرى مثل الحراك الشعبي في منبج، والمطالب الشعبية هناك بخروج قوات قسد من المنطقة، ودخول قوى المعارضة، ومحاولة النظام استغلال ذلك بدعم روسي من أجل فرض سيطرته عليها، فضلا عن موضوع النفط شرقي الفرات.

ومن المؤكد أن التوازنات على الأرض والتوافقات الدولية ما لم تحصل بين الدول والأطراف المعينة، لن يتم الانتقال إلى مرحلة الحل السياسي الحقيقي بين الأطراف السورية فيما يشبه التطورات التي حصلت على الساحة الليبية، وبالحديث عن الموضوعين المهمين، وفيما يخص بداية بملف الهجوم على إدلب، من الواضح أن تركيا وبتنسيق مع أميركا والاتحاد الأوروبي لن تسمح بحصول أي خرق في المنطقة وتعمل على الاستمرار بالحفاظ على الهدوء بشكل عام، يدعمها إضافة لتحالفاتها الدولية ودبلوماسيتها وجودها الميداني القوي على الأرض، وتشكيل درع عازل فولاذي في المنطقة، ستجعل عملية التقدم من قبل قوات النظام والميليشيات الداعمة لها أمرا مستحيلا، وستقود مباشرة للمواجهة مع تركيا، كما أن طائرات النظام لا تستطيع التحليق في المنطقة، لأن تركيا ستكون في مواجهتها، لذلك تدهور الأوضاع في هذه المنطقة لن يكون في حال حصول أي تطورات، إلا عبر قصف جوي روسي في حال تدهورت الأوضاع وانهارت الاتفاقات وهو يحمل أيضا أبعادا خطيرة على التحالفات التركية الروسية في المنطقة.

وفيما يرتبط بملف الآلية الدولية لإدخال المساعدات، يبدو أن الأمور معقدة أكثر في هذا الملف، ومن الواضح أن أميركا تطالب بإعادة فتح ممرات باتجاه مناطق شرقي الفرات، والحفاظ على معبر باب الهوى، وهو مطلب غربي مهم لجهة تحفيز الأطراف المانحة بظل وجود آلية قانونية دولية معترف بها تخلصهم من أي مسؤوليات وتبعات قانونية، ولكن يطرح الإصرار الأميركي لفتح  المعابر نفسها شرقي الفرات، تساؤلات عن الهدف الأميركي المرتبط بالنفط إلى جانب المساعدات الإنسانية، فأي معابر في هذه المنطقة ستؤدي إلى شرعنة الحركة التجارية فيها ومنها عبور النفط، فيما تطالب روسيا بحصر دخول المساعدات الإنسانية عبر النظام في محاولة لإنعاشه وتأهيله دوليا، أو على الأقل تحقيق مكاسب نفطية لصالح النظام، أو عبر فتح معابر تجارية أخرى بين منطقة إدلب ومناطق النظام، من أجل تخفيف الضغط على النظام بعد فشله بشكل كبير في تحقيق الخدمات الأساسية للموجودين في مناطق سيطرته، ولذلك سيكون هذا الملف هو الملف الأبرز الحاضر في المناقشات الجارية على اعتبار أن التصويت على تمديد الآلية الدولية سيكون بعد انتهاء هذه اللقاءات الدولية في تموز/يوليو المقبل.

أما موضوع منبج فسيكون حاضرا في النقاشات وخاصة بين تركيا وأميركا من جهة، وروسيا وأميركا من جهة أخرى، حيث تطالب تركيا بقوة ومنذ فترة طويلة بأن تسيطر قوى المعارضة على منبج وتنضم إلى المناطق الأخرى، في تعزيز لمنع عمليات النزوح، في ظل رفض شعبي كبير للعودة إلى سيطرة النظام، وفي ظل رفض شعبي أيضا لوجود قوات قسد التي تمارس سياسات تعسفية تستهدف أبناء المنطقة، وستكون التظاهرات الأخيرة حاضرة، والرد العنيف من قبل قوات قسد والشبيهة بممارسات النظام وذلك في المفاوضات الجارية، وستسعى تركيا بقوة كبيرة من أجل أن تعود منبج لحاضنة قوى المعارضة.

من المؤكد أن ثمة توافقات ربما ستحصل حيال هذه الملف، وستظهر نتائج هذه اللقاءات على الأرض تباعا اعتبار من الشهر المقبل وصولا إلى الخريف

ولعل الموضوع الأبرز أيضا هو موضوع النفط، ويبدو أن التوافق عليه ربما سيقود إلى تعزيز العملية السياسية، لأن روسيا وتركيا وبعض الدول ترفض احتكار قوات قسد للنفط وعائداته، وتطالب هذه الدول بتسخير عائدات النفط من أجل عملية إعادة الإعمار وصرفها على النازحين والمهجرين، وتنمية المناطق الآمنة في نبع السلام ودرع الفرات وغصن الزيتون وإدلب، بأن تكون عائدات النفط للشعب السوري وهو ما تدفع به تركيا بشكل أكبر، فيما تطالب به روسيا من أجل إعادة الإعمار ودعم النظام، ولا يبدو أن أميركا مستعدة حاليا من أجل منح النفط لهذه الأطراف، وستبقيه بيد قوات قسد من أجل تمويل وجودها، رغم أن هذه القوات لا تقدم أي خدمات للسوريين المقيمين في هذه المناطق، ولا تنعكس عليهم عائدات النفط.

وإزاء هذه اللقاءات، من المؤكد أن ثمة توافقات ربما ستحصل حيال هذه الملف، وستظهر نتائج هذه اللقاءات على الأرض تباعا اعتبارا من الشهر المقبل وصولا إلى الخريف، وتدفع روسيا بمواقف معتدلة ورسائل للدول الغربية قبيل هذه الاجتماعات، من قبيل الحديث عن الانتخابات في حال توافق السوريون نظاما ومعارضة على دستور جديد، ومحاولة إحياء اجتماعات اللجنة الدستورية، وعقد لقاء للدول الضامنة، وكل هذه المحاولات تستبق هذه اللقاءات وصولا إلى تحرك العملية السياسية بناء على التوافقات التي يمكن أن تجري في هذه اللقاءات، والتي يتوجب على السوريين متابعتها بشكل جيد، وعلى المعارضة محاولة مخاطبة الأطراف المجتمعة من أجل تقديم فرضيات ورؤى غالبية الشعب السوري.