icon
التغطية الحية

لغة الضاد في ثنايا الألمانية.. هل أضافت العربية جديداً للعالمية؟

2021.04.17 | 05:16 دمشق

لغة الضاد في ثنايا الألمانية.. هل أضافت العربية جديداً للعالمية؟
لغة الضاد في ثنايا الألمانية.. هل أضافت العربية جديداً للعالمية؟
محمود أبو حامد
+A
حجم الخط
-A

يبدو أن الزيادة المطّردة في أعداد اللاجئين العرب في ألمانيا خلال السنوات العشر الأخيرة، أعادت الى السطح علاقة اللغة الألمانية بالعربية عبر التاريخ القديم والحديث، وتجلّى ذلك في المستجدات الحالية التي تحدث في حركة التبادل الثقافي عبر الترجمات، والاندماج بين اللاجئين ومعظم شرائح المجتمع الألماني في الحياة اليومية، وفي المؤسسات الأكاديمية، والرسمية التي تفرضها الدولة على اللاجئين لتعلم لغتها.

وإن كان معظم الشعب الألماني يعتبر أن لغته تمثّل قوميته، فإن التطورات  المتسارعة  في العالم (العولمة)، نشّطت الاهتمام بباقي اللغات. وكما فرضت بعض المهن على الألمان تعلم الإنجليزية، فقد فرضت عليهم السياحة، الخليجية خاصة، والتبادل التجاري والثقافي وسياسة الاندماج، الاهتمام بالعربية أيضاً.

ويمكننا القول إن ثمة محطات أثارت هذا الاهتمام من قبل، كأحداث 11 أيلول/سبتمبر سنة 2001، واندلاع الثورات العربية، وما تركته من انطباعات سلبية وإيجابية حرضت بعض الشباب الألماني على تعلم العربية.

إن الأرقام في أوروبا عامة وألمانيا خاصة، تشير إلى زيادة أعداد المدارس والمعاهد الرسمية والخاصة بتعلم اللغات، وقد أظهرت دراسة أعدتها جامعة بروكسل أن اللغة العربية أصبحت تحتل المركز الرابع من مجموع 104 لغات من اللغات المستعملة في العاصمة البلجيكية، عاصمة الاتحاد الأوروبي.

قنوات التواصل

فتحت التجارة والحروب وحركة الترجمة العالمية، وتواصل الحضارات وما شهدته من تطور علمي وتقني؛ بوابات للتواصل وتبادل التأثير والتأثر بين اللغات بتوزيعاتها الجغرافية العالمية.

واللغة الألمانية كأي لغة في أوروبا  تحتضن بداخلها مفردات مع عدة لغات، ومنها مفردات من أصل عربي أو من أصول مشتركة، وحسب المصادر (ويكيبيديا) فقد وصل عدد الكلمات العربية التي كانت في الألمانية إلى 345 مفردة، وبسبب انقراض بعضها، وتغيير معنى بعضها الآخر؛ صارت الآن نحو 200 مفردة، ومعظم تلك المفردات لم يتم أخذها من العربية مباشرة، بل عبر لغات وسيطة كاللاتينية، ويرجع ذلك إلى أن العرب كانوا السبّاقين في ترجمة الأعمال الفلسفية والعلمية من أصولها السنسكريتية والفارسية واليونانية، ولذلك اعتمدها الأكاديميون الغربيون لترجمة تلك الأعمال إلى اللاتينية.

كما انتقل العديد من الكلمات العربية في حقبة ما قبل الإسلام إلى اللغة اليونانية ومنها إلى اللغات الجرمانية، التي تطورت منها فيما بعد اللغة الألمانية.

وإذا ما رصدنا المفردات العربية الموجودة فيها سنلاحظ أنها عبّرت عن بعض اكتشافات العرب واختراعات علمائهم، كعلم الرياضيات والفلك والطب، والإبداعات الأدبية كالشعر والرواية، وخاصة حكايات ألف ليلة وليلة، بالإضافة إلى المفردات الدينية والإسلامية، والمفردات التي تدل على أسماء بعض الأماكن الجغرافية، وعلى ما كان سائداً من سلع استهلاكية معينة، غذائية كانت، أم أشياء غريبة وفاخرة، أو كماليات كالعطور والبخّور والزينة والتحف، وبعض النباتات والطيور والحيوانات الموجودة في الشرق الأوسط. ولأن ألمانيا هي الأبعد تقريباً، فإن معظم المفردات وصلت إليها عبر دول أخرى.

فعلى سبيل المثال: (Papagei) تُلفظ "پاپاغاي"، وتأتي من "ببغاء" العربية. استوردها الإيطاليون، ودخلت ألمانيا عن طريق فرنسا.

أصول خالصة

ثمة خلاف حول عدد المفردات العربية الموجودة في الألمانية. ففي كتاب (من الجبر إلى السكر) الذي انجزه "أندرياس أونجر" بمشاركة "أندرياس كريستيان إيزلبا"، وصدر عام 2007 عن مطبعة "فيليب ركلام يون" بمدينة شتوتغارت الألمانية؛ يصل عدد الكلمات العربية في الألمانية إلى 100 كلمة فقط، وذلك لأن الكتاب أكد على أصولها العربية الخالصة في تحديده للمفردات. فكيف حدد ذلك وما القواعد التي استند إليها ليفرق بين الأصول الخالصة وغير الخالصة للمفردات؟

 

 

إن اللغة العربية تنفرد عن كل لغات العالم باشتقاق مفردات جديدة من الجذر اللغوي الثلاثي. فالفعل "كتب" مثلاً جاء منه: كتاب، مكتبة، كاتب، كتّاب، كتبة، مكتوب. وفي ذلك تكمن سهولة العربية وصعوبتها معاً.

ولكن ليس من هذه الجذور فقط تنبع كل مفردات اللغة العربية الأصيلة، فهناك كثير من الكلمات الدالة على كل مكونات وكائنات الحياة.

وهناك كلمات من مصادر مشتركة موجودة عبر تاريخ تطور هذه اللغة، فاشتمل الشعر الجاهلي على ألفاظ معربة قبل نزول القرآن مثل كلمة (السجنجل) وهي لغة رومية، ومعناها المرآة، وكلمة (الجُمان) وهي الدرة المصوغة من الفضة، وأصل هذا اللفظ فارسي، والمهارق والتخت والكوسج.. وغيرها.

انتقائية المصادر

تكتنف الانتقائية آليات البحث والاختيار، سواء أكان في الكتب المترجمة من العربية إلى الألمانية، أو بالمقارنات المرجعية. ففي الوقت الذي نشطت فيه وسائل الإعلام للحديث عن العربية، كان كتاب (من الجبر إلى السكر) مرجعاً لمعظم الإعلاميين والباحثين أيضاً، في حال كان من الطبيعي العودة إلى "يوهان فولفغانغ فون غوته"

الذي درس الشريعة الإسلامية دراسة متعمقة، واطّلع على الأشعار والملاحم العربية، وتأثر بعدد من الشعراء وظهر ذلك في روايته "فاوست"، وترجم بعض المعلقات إلى اللغة الألمانية، وأصدر ديواناً شعرياً بعنوان (الديوان الغربي- الشرقي)، وصدر في 12 كتاباً وموضوعاً.

 

غوته
غوته

 

ولم تتوقف الانتقائية على اختيار المراجع وحسب، بل ظهرت واضحة في الترجمات أيضاً، فالمترجم البارز "هارتموت فندريش"، المشرف على إصدار سلسلة "الأدب العربي" في دار لينوس السويسرية، قام بترجمة العديد من الأعمال الروائية والقصصية لكتّاب عرب، لكنه لم يختر كتاباً كباراً أمثال: عبد السلام العجيلي، غائب طعمة فرمان، حنا مينة، هاني الراهب، بهاء طاهر، إبراهيم أصلان، حيدر حيدر.. وغيرهم.

فندريش

 

وعلى صعيد متصل فإن الاهتمام الذي أولاه فندريش لأعمال غسان كنفاني، بترجمته أربعة مجلدات إلى اللغة الألمانية،  لم تميّز كنفاني من بين الكتاب العرب وحسب، بل جعلت الدارسين الألمان الجدد يواصلون هذا الاهتمام بانتقائية على صعيد الكتاب الفلسطينيين، فقد تركزت أكثر الدراسات على أسماء أدبية معينة مثل غسان كنفاني وإميل حبيبي ومحمود درويش وسحر خليفة، في حين أن أدباء مثل جبرا إبراهيم جبرا، وتوفيق زياد، ومعين بسيسو، وسميح القاسم، معروفون عربياً أكثر من سحر خليفة بكثير.

ذاكرة المستقبل

إن حيوية المجتمع وثقافته هي التي تضمن الحيوية اللغوية قبل كل شيء، فأين حيوية اللغة العربية، وكيف تطور ذاتها؟ وهل تضيف للعالم من جديد؟ وهل تدوّن ذاكرة مستقبلها؟

ما زال هناك أكثر من 7 آلاف لغة حية في العالم، لكن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) تتوقع انقراض أكثر من نصفها بحلول نهاية القرن الحالي، وإذا كانت الإحصاءات تقول إن  لغة تنقرض كل أسبوعين، فهذا يعني أن 25 لغة تنقرض سنوياً، وهذا سيؤدي إلى اختفاء 90 في المئة من اللغات المهددة أو التي تعاني من خطر الانقراض. وفي المقابل ثمة لغات تزداد حيوية ونشاطاً، ففي ظل ازدهار عصر العولمة والمسافات التي تتقارب باستمرار من خلال وسائل الاتصال والنقل، أضحى تعلم اللغة الإنجليزية ضرورياً لمن أراد إجراء أي حوار خارج حدود بلده، وإذا كان هذا يؤكد قول الخبراء اللغويين إن حيوية المجتمع وثقافته هي التي تضمن الحيوية اللغوية قبل كل شيء، فأين حيوية اللغة العربية، وكيف تطور ذاتها؟ وهل تضيف للعالم من جديد؟ وهل تدوّن ذاكرة مستقبلها؟

إن ظاهرة التعريب ظاهرة مقررة عند أهل العربية، ويتم ذلك بصياغة اللفظة الأعجمية بالوزن العربي، فتصبح عربية بعد وضعها على تفعيلة من تفعيلات اللغة، وإذا لم توافق أي وزن من أوزان العرب، عدلوا فيها بزيادة حرف، أو بنقصان حرف أو حروف. وقد نشطت هذه الظاهرة، خاصة في بلاد الشام، وتعد سوريا من أولى الدول العربية التي اهتمت بالتعريب، وهي الوحيدة التي عرّبت المناهج العلمية الجامعية، ومع ذلك سيظل يدخل إلى العربية كثير من مفردات اللغات الأخرى عبر استيراد الجديد من المنتوجات والاختراعات والاكتشافات العلمية، فهل ثمة تبادل حضاري ينشط حيوية لغتنا العربية؟ والسؤال الأهم: هل أضافت العربية منذ قرون أي مفردات جديدة للعالم؟

كي لا يكون حكماً مطلقاً، يمكننا القول: إضافةً لبعض الترجمات الأدبية، أضاف الفلسطينيون للعالم كلمة "الانتفاضة" عام 1987م، بينما أسهم متطرفون إسلاميون في إضافة لفظ "داعش" وتوابعها.

وأخيراً،  قد تتقاطع الألمانية والعربية من حيث بناؤهما وقواعدهما الصعبة في النحو والإعراب، والتعريف والتنكير والتأنيث والتذكير والجمع وغيرها، ولكن بالنظر إلى حاضر اللغات ومستقبلها، وكيفية المحافظة على وجودها ومواكبة تطورات العصر وزيادة مخزونها والإضافة إلى قواميسها ومرجعياتها، فإن اللغة الألمانية تدوّن ذاكرة مستقبلها بما يضيفه باستمرار، الناطقون بها للبشرية من إبداعات واختراعات جديدة على كل الأصعدة العلمية والتقنية والثقافية والبيئية.