لست رئيسهم وليسوا شعبك!

2023.05.31 | 07:06 دمشق

آخر تحديث: 31.05.2023 | 07:06 دمشق

لست رئيسهم وليسوا شعبك!
+A
حجم الخط
-A

وردت في وكالة "سانا" التابعة للنظام في الأيام الأخيرة أخبار متتابعة عن إعلان عدد من البلديات في محافظة اللاذقية، السماح للأهالي بالتسجيل على طلبات إعادة تأهيل منازلهم المتضررة، ليس من جراء الزلزال الأخير، بل بسبب "الإرهاب" في إشارة إلى عمليات قصف محتملة طالت قبل سنوات بعض القرى في ريف اللاذقية الشمالي، ومناطق أخرى من المحافظة، خلال المواجهات العسكرية بين فصائل المعارضة وقوات النظام في تلك المناطق.

ووفق الوكالة فإن عمليات الترميم ستكون مجانية تماما، أي لن يتكلف المتضررون أي نفقات، لأنها تتم بالتعاون بين المحافظة ومنظمة الإسعاف الأولي الدولية بتمويل من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. 

إلى هنا، يبدو الأمر طبيعيا ويشير إلى أننا نعيش في دولة تحترم مواطنيها، وتحرص على عدم تكبدهم أي نفقات لترميم منازلهم التي تضررت نتيجة الحرب، حتى لو اضطرت إلى طلب مساعدة المنظمات الدولية خدمة لهؤلاء المواطنين.

وفق الاحصائيات التي أوردتها خلال السنوات الماضية منظمات متخصصة عدة، فقد تهدم أو تضرر نتيجة الحرب في سوريا نحو 3 ملايين منزل

وحيث أننا نتحدث عن سوريا، سوف ندرك بطبيعة الحال أن الواقع لا يمكن أن يكون كذلك، وملخص الحكاية أن النظام يسعى لاستغلال جزء بسيط من المساعدات والأموال التي حصل، ويحصل عليها من الخارج، وخاصة بعد كارثة الزلزال في 6 شباط الماضي، من أجل استرضاء بعض المناطق المحسوبة عليه، لأنه ببساطة "يستخسر" إنفاق هذه الأموال على المناطق الأخرى، (مناطق المعارضة) ويريد في الكشوفات الشكلية التي يرفعها للجهات المانحة أن يسجل أن ثمة مبالغ انفقت (سوف يضاعفها طبعا) في إطار إعادة إعمار المناطق المتضررة نتيجة الحرب.

ووفق الإحصائيات التي أوردتها خلال السنوات الماضية عدة منظمات متخصصة، فقد تهدم أو تضرر نتيجة الحرب في سوريا نحو 3 ملايين منزل، معظمها بطبيعة الحال، في المناطق التي كانت حاضنة للثورة ضد النظام، وجرى تدميرها غالبا بفعل القصف المدفعي والجوي والبراميل المتفجرة، دون مبررات عسكرية حقيقية، بل بهدف معاقبة سكانها، وتهجيرهم منها.

وبالنسبة لجميع هذه المناطق، لم نسمع طوال السنوات الماضية عن أخبار تفيد أن النظام قدم أي مبادرات لمساعدة الأهالي على إعادة ترميم منازلهم، وأكثر ما هنالك أنه قد يعمد فقط إلى إعادة بناء المؤسسات والمقار التي تخص إعادة إحكام سلطته على تلك المناطق مثل مراكز الشرطة والأمن والفرقة الحزبية وربما بعض المرافق العامة مثل مؤسسة المياه والهاتف.. الخ، لكن لم يحصل أبدا أنه ساعد سكان أي مدينة أو بلدة من تلك المناطق على إعادة ترميم منازلهم المهدمة.

والأكثر من ذلك، أنه في العديد من المناطق، خاصة في ريف دمشق (الغوطتين الشرقية والغربية، وجنوبي دمشق حيث كان يعيش نحو 3 ملايين شخص قبل عام 2011) تقوم سياسة النظام على عرقلة عودة سكان تلك المناطق إليها، ومنعهم من إعادة إعمارها ولو على نفقتهم الخاصة، من خلال الاشتراطات الكثيرة التي تضعها مؤسساته وأجهزته الأمنية على الراغبين بالعودة من المهجرين والنازحين داخل سوريا والذين يقدر عددهم اليوم بنحو 6 ملايين شخص. وطبعا يأتي ذلك تتمة لعمليات النهب "التعفيش" التي تولتها قواته والمجموعات التابعة له، ولم تبق طوال السنوات الماضية أي شيء نافع بين حطام تلك المناطق.

وهذا التعامل التمييزي بين المواطنين والمناطق، يعبر بشكل جلي عن طبيعة النظام الحاقد على شرائح واسعة مما يفترض أنهم شعبه، والذي تجلى أيضا خلال السنوات الفائتة من خلال سياسات العقاب الجماعي، حين كانت قواته تفرض حصارا محكما على المدنيين في العديد من المناطق بمن فيهم النساء والشيوخ والأطفال، لمعاقبتهم على "السماح" بوجود مسلحين مناهضين للنظام في مناطقهم.

الأمم المتحدة، والعديد من المنظمات الدولية، تعلم الكثير عن عقلية النظام هذه، وسلوكه التمييزي بين المناطق والمواطنين، لكنها تواصل رغم ذلك التعاون معه

ولا يحتاج المرء إلى بذل جهود كبيرة ليستدل بأن هذا النظام لم يكن يوما ممثلا لجميع المواطنين، بل هو ليس ممثلا لأي من المواطنين، بمن فيهم حاضنته الشعبية المفترضة، وهو يستخدم أبناء هذه الحاضنة كمتاريس وأكباش فداء لضمان مكوثه فترة أطول على كرسي الحكم، ويعمل على استرضائهم بين الفينة والأخرى، ببعض الأعطيات الشحيحة التي يحصل عليها من الخارج على بند إعادة تأهيل الخدمات في المناطق المدمرة، لتسهيل عودة النازحين واللاجئين السوريين داخل البلاد وخارجها.

والمدهش أن الأمم المتحدة، والعديد من المنظمات الدولية، تعلم كثيرا عن عقلية النظام هذه، وسلوكه التمييزي بين المناطق والمواطنين، لكنها تواصل رغم ذلك التعاون معه، بدعوى عدم إغضابه كي لا يمنع نشاطها في مناطق سيطرته، لكن ربما ما لا تعلمه الأمم المتحدة أن معظم السوريين لا يعولون على هذا النظام بشيء، ويدركون أن خلاصهم جميعا، لن يكون قبل الخلاص منه، ولن تجدي أي محاولات لإطالة عمره، ومده بأوكسجين إضافي، سواء من الأمم المتحدة أم المحيط العربي.