لجم إيران في خدمة نشر نموذج نظام الأبد الأسدي

2019.01.03 | 22:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لم ترتفع وتيرة الحديث عن دخول وشيك لقوات عربية سعودية وإماراتية لاستبدال القوات الأميركية المنسحبة، إلا بعد أن بدأ مسار تعويم نظام الأسد وإعادة شرعنته يتضح.

يعتقد العرب أن دخولهم المستجد على خط إنهاء الأزمة السورية يمكن أن يتيح المجال لمعادلة ضرب إيران، ويفرض فصل المسارات بينها وبين النظام السوري من جهة، ويعمل من جهة أخرى على خلق تضارب بين وجودها ومآلات النفوذ الروسي والاتفاقات المعقودة بينه وبين القوى الفاعلة على إدارة شؤون الملف السوري بشكل عام، وخصوصا ملف إعادة الإعمار.

يدخل العرب الميدان ماليا عبر تمويل إعادة الإعمار وربطه بتحقق شرط الانسحاب الإيراني وحسب، من دون اتخاذ أي موقف من النظام، ويدخلونه عسكريا عبر مشروع قوات الردع العربية المنتظر التي ستكون مهمتها إقامة جدار صد حدودي في وجه إيران مرعي أميركياً وروسياً في المناطق الحدودية، يقفل الباب أمام مشروع وصل العراق بسوريا ولبنان.

يدخل العرب الميدان ماليا عبر تمويل إعادة الإعمار وربطه بتحقق شرط الانسحاب الإيراني وحسب، من دون اتخاذ أي موقف من النظام

يمكن توقع نجاح هذه الاستراتيجية في لجم إيران وفرض انسحابها من سوريا، ولكن لا يمكن النظر إلى كل هذا الاندفاع المحموم في هذا الاتجاه، إلا من خلال ربطه بمصالح كبرى للمشهد السلطوي العربي الجديد الذي يقوم على تمكين بنية النظام كشكل نهائي للحكم على حساب فكرة الدولة.

هكذا فإن النظام السوري، بغض النظر عمن يمسك بقراره يشكل البنية العميقة للنظام العربي الجديد والشكل الذي يحتذى به، والذي يقوم على تسخير كل الإمكانيات والقدرات في سبيل البقاء والاستمرار.

لا يحيي النظام العربي العلاقات مع الأسد وحسب، ولكنه يحيي نظام الحكم العربي المستقبلي الذي يقوم على إنهاء فكرتين أساسيتين والقضاء عليهما، وهما الدولة والثورة.

القضاء على الدولة يفترض إقامة شبكة مصالح متوازية بين كل أنظمة الحكم في المنطقة ومن ضمنها إيران، فعملية لجم نفوذها تعني القضاء على المشروع الخارجي، ومقايضة التخلي عن هذا المشروع بالسماح لها بالتغول في الداخل، لذا فإنه من المرجح أن يتزامن مشروع لجم إيران في الخارج وانكفاء تمددها في المنطقة مع حلف عربي وإقليمي مباشر أو غير مباشر مع نظامها ضد طموحات الشعب الإيراني بالعدالة والحرية، بغية لجم أي مشروع ثورة فعلية وصحية يمكنها أن تشكل نموذجا آيلا للتمدد.

يعني ذلك أن الحرب على إيران ليست راديكالية في عمقها وليست حربا بين مشروعين متناقضين أو بين خطابين لا يمكنهما الانسجام، بل إن الحرب على إيران تعكس درجة عالية من التشابه والتطابق بينها وبين محاربيها، ويعود السبب الأساسي لارتفاع وتيرته إلى أنها باتت تهدد الأنظمة في المنطقة.

كذلك تجدر الإشارة إلى أن تدخل إيران في المنطقة كان نوعا من الغزو البربري الذي لم ينجح في إقامة نموذج حكم يتحول إلى حالة قائمة يمكن تقليدها، بل ارتدى بنية التفكيك والتخريب وحسب.

ضرورة الخضوع لمتطلبات المرحلة تفسر الحرص الكبير الذي يبديه الذراع الإيراني الأبرز في المنطقة، أي حزب الله، على إقامة نموذج نظام لبناني يسيطر عليه على غرار صيغة النظام الأسدي، الذي كان دائما حريصا على إقامة هذا التوازن بين مؤسسات الدولة وشكل النظام بحيث يجعل من هذه المؤسسات ناطقة باسم النظام مع محافظتها على الهيكلية المؤسساتية.

لعل عمليات الضبط والتوثيق لعمليات التعذيب والشكل الممنهج الذي يمارس فيه النظام عمليات التخريب، وحتى حرصه على إصدار قوائم إرهاب على غرار ما تفعله الدول الكبرى، يدل على أنه يعمل على إخضاع صيغة النظام التي يمثلها إلى شكل مؤسساتي يوحي ببنية دولتية في اللحظة نفسها التي يجعلها مستحيلة.

ينتج نظام الأسد من خلال هذه العملية النموذج المشتهى الذي تتهافت المنطقة بكل كياناتها للركون إليه والاستجابة لمتطلباته وتأمينها مهما كلف الأمر

ينتج نظام الأسد من خلال هذه العملية النموذج المشتهى الذي تتهافت المنطقة بكل كياناتها للركون إليه والاستجابة لمتطلباته وتأمينها مهما كلف الأمر. من هنا يمكن تفسير جزء كبير مما يحدث حاليا، فعمليات الضبط والتفاهمات بين مختلف الأفرقاء وبين الدول الكبرى تعتمد فكرة النظام الملتبس بصورة الدولة مقياسا للشرعيات المرعبة القادمة.

لحظة انسحاب إيران من سوريا التي يرجح أن تجبرها روسيا عليها في القادم من الأيام، هي لحظة مجزرة الشعب الإيراني المفتوحة، التي تمهد لمجازر مماثلة ومتطابقة ومتجانسة في كل المنطقة.

 المجازر الداخلية ستكون واجهة للشرعية الجديدة التي تعد للمنطقة، والتي تعتمد بنية براقة يمكنها التخاطب مع العالم وتمثيل روحه، فمشاريع التحديث والغربنة التي تنتهجها المنطقة تقوم على سياق يقوم على تحويل البلاد إلى "سوبر مول"، ربما لن يكون متاحا للجميع التسوق فيه، ولكنه سيكون على الدوام ممكنا إيجاد عمل في تلميع زجاجه وجعله براقا على الدوام. وهكذا فإن مقبرة الحريات ومقابر الثورات المقامة في الركن القصي منه ستتحول إلى متحف يحمل سمة الماضي والسحيق والغابر على الرغم من قرب العهد به.

من هنا فإن الأبد الأسدي الذي ثار السوريون من أجل التخلص من نيره يستعد للتحول إلى الزمن العام والمطلق للمنطقة، فاتحا المجال أمام عمليات استنساخ كثيرة باتت تعلن عن نفسها بوضوح.

من هنا فإن الأبد الأسدي الذي ثار السوريون من أجل التخلص من نيره يستعد للتحول إلى الزمن العام والمطلق للمنطقة، فاتحا المجال أمام عمليات استنساخ كثيرة باتت تعلن عن نفسها بوضوح.

تستعد مصر للدخول في أبدية السيسي، وتستعد منطقة الخليج عموما للدخول في أبدية مماثلة وليبيا تستعد لاسترجاع طيف القذافي.

في كل مكان من الخريطة العربية المستجدة سيتم تفعيل بنية النظام، وسيطلب من الجماهير العربية أن تقايض البقاء تحت ظلال أبدياته المتنامية والمظلمة بالحد الأدنى من الأمن والاستقرار والعيش، والتخلص من أوهام الحياة والدولة والثورة.