لبنان ينتظر فيينا.. الانتخابات مهددة والحكومة في جيب الحزب

2021.11.27 | 05:57 دمشق

feyn9y6xwaqn2wf.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم يصل الاجتماع الرئاسي الثلاثي في القصر الجمهوري، بعد احتفال الاستقلال، يوم الإثنين الماضي، إلى أي نتيجة لجهة استئناف جلسات الحكومة المعطلة ببنود حارقة، انطلاقاً من حسم مسألة الاعتراض على عمل المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، أو لجهة إيجاد مخرج للأزمة مع السعودية وبعض دول الخليج، أو مدخلاً للتحاور معها، وهذا المدخل بات معروفاً ومؤكّداً، وهو استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي.

وفي اللقاء ناقش الرؤساء الثلاثة موضوعين أساسيين، الأوّل هو الذي يعطّل جلسات الحكومة ويتعلّق بإصرار حزب الله وحركة أمل على إزاحة القاضي طارق بيطار، والثاني درس طريقة معالجة أزمة استقالة قرداحي وكيفية الاستفادة منها.

في الموضوع الأول، طرح نجيب ميقاتي عدة خيارات، أبرزها: أن يجد البيطار نفسه حلاً بالتفاهم مع مجلس القضاء الأعلى بخصوص الوزراء السابقين المدّعى عليهم، أو أن تتخذ محكمة التمييز قراراً بهذا الموضوع. في حين الحل الثالث يكمن في أن يبادر البرلمان إلى إحالة النواب والوزراء السابقين المدّعى عليهم إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

الصيغة المقترحة أن تعقد الجلسة، ويفتح فيها النقاش التقييمي، ويطلب الوزراء من قرداحي تقديم استقالته، فيتلو البيان الختامي للجلسة ويتلو معها استقالته

بالتوازي تتداخل الملفات بعضها في بعض. فإيجاد المخرج القضائي متعثر في ظل التضارب بالمواقف. ولكن حتى ولو تم الوصول إلى صيغة، فإن مشكلة أخرى ستكون مطروحة، وهي مسألة استقالة وزير الإعلام جورج قرادحي بعد الأزمة التي تسبب بها مع دول الخليج، فحزب الله يعتبر أن ميقاتي لا يريد عقد جلسة حكومية يحضرها قرداحي ويتلو بيانها الختامي. فيما الصيغة المقترحة أن تعقد الجلسة، ويفتح فيها النقاش التقييمي، ويطلب الوزراء من قرداحي تقديم استقالته، فيتلو البيان الختامي للجلسة ويتلو معها استقالته، لكن ذلك غير متوفر طالما أن الحزب لم يبلغ قرداحي بذلك وقد تعقد الجلسة ولا يستقيل قرداحي. حينذاك سيجد ميقاتي نفسه محرجاً أمام دول الخليج. وقد يؤدي ذلك إلى رد فعل خليجي سلبي إضافي.

وكان ميقاتي قد أبلغ عون وبري أنه لن يدعو لجلسة حكومية قبيل عودته من جولته الخارجية وتحديداً إلى الفاتيكان حيث سيلتقي البابا فرنسيس الذي سيستمع من ميقاتي عن ملفات لبنان المعقدة والمتشابكة، تليها زيارات يجريها ميقاتي إلى القاهرة وإسطنبول حيث سيلبي دعوات وصلت له من السيسي وأردوغان في محاولة لفتح ثغرة في الجدار الإقليمي المقفل، كما تلقى نصيحة من قبل أحد الوزراء المقربين منه بضرورة زيارة الدول التي لم تبدِ حماسة مع إجراءات الرياض وتحديداً سلطنة عمان وقطر ومصر وفي خطوة متقدمة الكويت والإمارات في حال جرى حلحلة لاستقالة قرداحي الممسك بثوب حزب الله، والقطريون الذين كانوا قد أبدوا حماستهم لمعالجة الأزمة بالقدرات الممكنة أبلغوا المسؤولين اللبنانيين أن زيارة وزير الخارجية محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لبيروت باتت مرتبطة بإجراءات واضحة أهمها استقالة قرداحي.

في حين لا أحد قادر على الجزم بمصير الانتخابات النيابية، حتى المجتمع الدولي الذي يصرّ على إجرائها في مواعيدها، يضع في حسبانه احتمال تأجيلها ما يشير إلى أن لبنان مقبل على تغيير كبير، نتيجة تطورات إقليمية ودولية. وهي محاولة إحداث تغيير حقيقي في السلطة السياسية وتركيبة النظام، لذا فإن جهات دولية وغربية تشدد على أنه لا يمكن للبنان بأيّ شكل من الأشكال أن يتوقّع استكمال أيّ محادثات مع صندوق النقد الدولي في ظلّ وجود مؤسسات دستوريّة مشكوك بشرعيتها أو "ممدد لها" تمثّل صدقيّة ومشروعيّة الجهة، التي يتفاهم معها الصندوق، نقطة أساسيّة بالنسبة إليه قبل قبول التزامها بأيّ برنامج قرض، من هذا المنطلق، سيؤثّر حتماً أيُّ مساس بالاستحقاقات الدستوريّة على قدرة لبنان على استكمال مسار هذه المفاوضات.

ومن المعروف أنّ جميع الدول والمؤسسات الدوليّة انتقلت منذ مدّة إلى حصر الغالبيّة الساحقة من المساعدات الاجتماعيّة الممنوحة للبنان بالجمعيات والمؤسسات الأهليّة، في حين مثّلت بعض القروض الممنوحة لبرامج شبكات الحماية الاجتماعيّة استثناءات محدّدة. لكنّ دخول السلطة في مرحلة الطعن بمشروعيّتها الدستوريّة، سيزيد من الصعوبات التي ستواجهها الوزارات والمؤسسات العامّة عند طلب أيّ قروض مستقبليّة، بما فيها تلك المشمولة بهذه الاستثناءات.

لكن قوى السلطة والتي تُمْسِك أساساً بقرار إجراء الانتخابات أو تعطيلها، وفقاً لما تقتضيه مصلحتها، قد تستعين بذريعة التعطيل المتمثلة، في الاهتراء الإداري والمالي والنقدي، فالسلطة يمكن أن تتذرع بافتقادها أدنى القدرات اللوجستية بدءاً بالقرطاسية وانتهاء بانقطاع التيار الكهربائي والإنترنت.

وفي حال تأجيل الانتخابات لن يغادر رئيس الجمهورية ميشال عون القصر الجمهوري، وسيضع عون حزب الله أمام معادلة الاختيار مجدداً بينه وبين الرئيس نبيه بري، وسيكون النقاش إما أن تلبى شروطه وشروط جبران باسيل أو لا حلّ إطلاقاً مهما كانت التبعات المالية والاجتماعية والأمنية.

ولا مصادفة في تلميح عون إلى أن هناك طرفاً يريد الفراغ، ليضع نفسه في معركة مواجهة تكريس هذا الفراغ بعدم مغادرته قصر بعبدا. وهنا تختلف التقديرات. فبعضهم يعتبر أن عون يكرر تجربة الثمانينات. وآخرون يعتبرون أنه غير قادر على ذلك، ولن يُسمح له بتكرار التجربة. فما كان في السابق مختلف جذرياً عن الواقع الحالي.

تجنباً لمثل هذا الاحتمال، تبحث جهات دولية عن مخرج سياسي ملائم: توفير ظروف إنتاج تسوية شاملة، تترافق مع الانتخابات. ولهذا تحتاج الانتخابات إلى بعض التأجيل، للاتفاق على سلّة كاملة: انتخاب رئيس للجمهورية، وآلية تشكيل الحكومة، وشخصية رئيسها، إضافة إلى تعيينات شاملة في المواقع القضائية والعسكرية والمالية والإدارية الأساسية في الدولة.

وفي حال عدم نجاح هذا السيناريو، توضع البلاد أمام احتمال آخر: إجراء الانتخابات في موعدها، وتكون الأكثرية فيها ضائعة في انتظار تسوية إقليمية تشمل الملف اللبناني، وسط إصرار دولي على إدخال عناصر جديدة على الطبقة السياسية تحت شعار التغيير.

الملف الأمني هو الحاضر على كل الطاولات المحلية والدولية، حيث ثمة تحذيرات دولية (بريطانيا وألمانيا) وعربية (مصر وقطر) واضحة في الآونة الأخيرة من تطورات أمنية في لبنان

يقول أحد المطلعين أن حكومة نجيب ميقاتي ستعاود اجتماعاتها خلال شهر كانون الأول المقبل أي عقب عودته من جولاته الخارجية، في حال نجح نبيه بري في حل أزمة القرداحي والبيطار بالتنسيق مع حزب الله، بما يحفظ وجه ماء الأخير ويُخرجَهُ من مجلس الوزراء في آن معا، وإذا نجحت هذه التسوية، فإن جدول أعمال حكومة ميقاتي سيتمحور حول ثلاثة عناوين: الكهرباء؛ صندوق النقد الدولي والانتخابات النيابية، والمهم أيضاً أنه الملف الأمني هو الحاضر على كل الطاولات المحلية والدولية، حيث ثمة تحذيرات دولية (بريطانيا وألمانيا) وعربية (مصر وقطر) واضحة في الآونة الأخيرة من تطورات أمنية في لبنان. المشهد الإقليمي يزداد قتامة، وكلما تبخرت فرص التفاهم في فيينا بين واشنطن وطهران، ارتفع منسوب الخوف على مستقبل لبنان في المرحلة المقبلة.