لبنان والعراق معاً لوأد الطائفية والفساد

2019.11.06 | 14:58 دمشق

95318a66-bc28-4d7e-829d-7e42852c5c06_w1200_r1_s.jpg
+A
حجم الخط
-A

صوت لبدر شاكر السياب

"أَكَادُ أَسْمَعُ العِرَاقَ يذْخرُ الرعودْ/ ويخزن البروق في السهولِ والجبالْ/ حتى إذا ما فَضَّ عنها ختمَها الرِّجالْ/ لم تترك الرياحُ من ثمودْ/ في الوادِ من أثرْ.. مطر.. مطر.. مطر/ وفي العراق جوعْ/ وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ/ لتشبع الغربان والجراد..!"

هذه العبارات من قصيدة "المطر" للشاعر بدر شاكر السياب كتبت عام أربعة وخمسين وتسعمئة وألف من القرن الماضي، وبشرت بحياة جديدة، وبثورة تقتلع معها التخلف والفساد! وتنتشل العراق من ارتهانه للإنكليز وعملائهم قبل ثورة تموز عام 1958 وكان العراق يئن تحت وطأة التخلف بأشكاله كافة، رغم ما يتمتع به من غنى يتجلى بطبيعة أراضيه وثرواته الطبيعية، وما أشبه الأمس باليوم، بل لعلَّ اليوم أسوأ من الأمس، فرغم اتهام أجيال الأربعينيات والخمسينيات حكام زمانهم بالرجعية والعمالة إلا أنهم، وبشهادات موثقة لمعاصريهم، كانوا أكثر نظافة ونزاهة ممن جاء بعدهم وأكثر رحمة بشعوبهم، رغم أنهم قد ورثوا تركة ثقيلة.. بينما حكام هذه الأيام الذين جاؤوا إلى الحكم على ظهر الدبابات الأمريكية لم يتابعوا ما وجدوه من تنمية بل أحالوا العراق إلى خراب، في حوَّلوا أكواخهم الحقيرة إلى قصور فارهة وامتلأت جيوبهم الفارغة بأرصدة تفوق الخيال نهبوها إلى بنوك العالم..! فهل تحقق انتفاضة العراق اليوم حلم السياب؟! المأمول ذلك..!

رسائل من آية الله حسن الموسوي

سماحة آية الله العظمى السيد حسن الموسوي توجه منذ عدة أيام برسائل إدانة إلى شخصيات رسمية محلية ودولية ومنها "علي خامنئي" المرشد الحالي للثورة الإيرانية ومما جاء فيها:

وتحدث الموسوي عن لحمة الشعب العراقي وأنه عصي على الإيرانيين وغيرهم، مشيراً إلى نهب الإيرانيين لثروات العراق، وطالبهم بكف أيديهم عن العراق وشعبه

"السيد الخامنئي أنت تعلم كما يعلم غيرك، أنكم لا تستطيعون الاستمرار بأفعالكم هذه وبتصدير ثورتكم الفاشلة لشعبنا، وتعلمون كذلك أن شعب العراق شعب مسلم، لا يحتاج إلى قيادتكم وتوجيهاتكم، وأن شعبنا جميل بكل أطيافه وألوانه الجميلة، وهو واحد موحد بانتمائه الوطني! لقد قمتم بتكوين فصائل مسلحة تنتمي إليكم لا إلى الشعب العراقي وقد أطلق عليها العراقيون الاسم اللائق بها وهو "الذيول" فأقول اسحبوا "ذيولكم: إلى دولتكم قبل أن يسحقها الشباب العراقي الثائر بالأقدام.. وهذا ما لا نتمناه لأن الدم العراقي غالٍ علينا، وعزيز".

وتحدث الموسوي عن لحمة الشعب العراقي وأنه عصي على الإيرانيين وغيرهم، مشيراً إلى نهب الإيرانيين لثروات العراق، وطالبهم بكف أيديهم عن العراق وشعبه..! ومن الذين خصَّهم السيد الموسوي برسائله سماحة مقتدى الصدر ورئيس الحكومة العراقية، والجيش العراقي، والمتظاهرين العراقيين، وخاطب كلاً بما يليق به.. وجوهر حديثه غيرته على الوطن العراقي وعلى حقوق شعبه والدعوة لتأييد الشباب المتظاهرين وحمايتهم فهؤلاء يعكسون نبض الشعب العراقي، ويطالب الأمم المتحدة باتخاذ موقف إنساني يدعم حقوق العراق وشعبه..!

صيحةٌ من ثائر عراقي

"هذا العراق.. عيني!" عبارة مكثفة حملت كثيرا من المعاني والدلالات وجهها شاب عراقي عبر فيديو (تداوله ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي) إلى قاسم سليماني القائد الأعلى للميليشيات الإيرانية في العراق، هؤلاء الذين يسفكون دم العراقيين اليوم غدراً وغيلة..! وقال فيها: "قاسم.. ذولا ما هم جَم واحد من جماعتك..! ذولا 40 مليون عراقي شيعة وسنة وغيرهم وكلهم بلسان عربي فصيح! وواضح ما تنطوي عليه العبارة من معانٍ وما يعنيه العراق لأهله، فهو وطن لا طوائف وهو مجال فخر واعتزاز بقوته وعراقة حضارته، ويرحب الشاب بالموت الذي يحصد الثوار، فيقول باعتزاز: يا مرحبا بمثل هذه الميتة في هكذا ساحة، لكنه يحذر إيران من العواقب..! اسمع قاسم.. أنتم " ليش" ما تتعظون من التاريخ؟! و"ليش ما تتذكرون (ذي قار) و(القادسيتين الأولى والثانية؟!).

ظهرت كثير من الأغاني الشعبية (يا ساحة ترابك كافور..) والشعارات التي تندد بالإيرانيين وتعتزُّ بالقيم الوطنية العراقية

وإلى جانب هذا الفيديو ظهرت كثير من الأغاني الشعبية (يا ساحة ترابك كافور..) والشعارات التي تندد بالإيرانيين وتعتزُّ بالقيم الوطنية العراقية. يذكر أن أكثر من مئتين وخمسين شهيداً قتلوا في المظاهرات الأخيرة على يدي ميليشيات يرتدي أفرادها اللباس الأسود والأقنعة ما يؤكد أن الإيرانيين وعملاءهم في الداخل مصرُّون على ارتكاب الجرائم في العراق مكررين ما حدث في سورية عام 2011 إذ زرع النظام أعداداً كبيرة من القناصة في الأبنية العالية التي تطل على الساحات العامة وزوايا تقاطع الشوارع حيث مرور المتظاهرين..!

تنويع على شعار "كلن يعني كلن"

في لبنان أيضاً قال المتظاهرون كلمات متشابهة تمس حزب الله" الإيراني: "كلن يعني كلن وحسن نصرالله واحد منن". رداً على التهديد المبطن الذي ورد في كلمات لحسن نصرالله ورسائله عبر قيام أفراد من حزبه ومن حركة أمل باستعراض عضلاتهم أمام المتظاهرين مرتدين اللباس الأسود ذاته فالمعلم واحد. ولكن اللبنانيين هزموهم بضحكهم ومزاحهم وغنائهم ورقصهم وشتائمهم الفكهة التي لم ينج منها "ميشيل عون" نفسه وبخاصة بعد مظاهرة تياره وقبلها وتأكيده رفض مطالب اللبنانيين وجوهرها إعادة الاعتبار للبنان وطناً لكل اللبنانيين وتخليصه من فساد الطوائف، والوصاية الإيرانية، وإعادة بنائه على أسس معاصرة من غير محاصصة ووفق مبادئ الديمقراطية والمواطنة الحقة.

ولعلَّ الحِرَاكَيْن الشعبِيَيْن في كل من لبنان والعراق يشكلان اليوم حالة وعي وطني حقيقي تؤكد مفهوم الوطن والمواطنة، وتمقت الطائفية، وتدينها، إذ هي شكل من أشكال الاستبداد، وترسيخ الفساد، ونهب الدولة وتحويلها إلى مافيات فاقت بنهبها جميع الأنظمة التي سادت في المنطقة زمناً فأعاقت التنمية والتطور، وجارت على شعوبها في اعتمادها نظام الحزب الواحد و"القائد الخالد.." واعتمدت العسكرة والأجهزة الأمنية لقمع الشعب ونهبه فلم تحصد في النتيجة غير الخيبات والهزائم..

الفساد صنو الجريمة..

أما في لبنان هذا البلد الصغير فتقدر أمواله المنهوبة بـ 800 مليار دولار أما عن الرشوة فلا يكاد أيّ لبنانيٍ ينجز معاملة دونما دفع رشوة. ويأتي ترتيب لبنان في الفساد بالمرتبة 138 من أصل 180 دولة

منذ فترة نشر على شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية حجم أموال الشعب العراقي المنهوبة وذكرت أسماء وزراء ونواب وقادة أحزاب وربما جاء نوري المالكي وأسرته في مقدمتهم ولم تكن الأموال المنهوبة بملايين الدولارات بل بملياراتها، إذ بلغ مجموعها نحو600 مليار دولار وقدرتها مصادر أخرى بألف مليار وأربعة عشر مليون دولار.. نصيب المالكي وأسرته من تلك الأموال سدسها أو 8% منها.. ويأتي العراق في المرتبة 12 بين الدول الأكثر فساداً في العالم وفقاً لمنظمة الشفافية الدولية! بينما تشير مصادر أخرى إلى أنه يأتي ثالث دولة..! حتى إن مشعان الجبوري (نائب في البرلمان) ذكر على إحدى القنوات التلفزيونية أن الطبقة السياسية العراقية كلها فاسدة وكلها تأخذ رشا.. وهو نفسه قد أخذ "كم" مليون دولار وضحك على الراشي.

أما في لبنان هذا البلد الصغير فتقدر أمواله المنهوبة بـ 800 مليار دولار أما عن الرشوة فلا يكاد أيّ لبنانيٍ ينجز معاملة دونما دفع رشوة. ويأتي ترتيب لبنان في الفساد بالمرتبة 138 من أصل 180 دولة. ومنذ عدة أيام تحدث اللواء أشرف ريفي وزير العدل اللبناني السابق عن فساد الطبقة الحاكمة.. وأتى على ذكر "جبران باسيل" شاهد إثبات على حديثه فقال: إن إيران ترسل أموالاً باسم الهلال الأحمر الإيراني إلى تيار عون (الوطني الحر) على نحو دوري، فيستلمها جبران باسيل وينقلها بيده، وذكر حادثتين عن "باسيل" أنه أخذ رشا مرة 17 مليون دولار من مرشح نيابي مقابل نزوله على قائمته، وأعاد بعضها لأن المرشح لم ينجح وهدده بفضيحة، وأخذ أيضاً 10 مليون دولار من وزير في الحكومة الحالية أخذ باسم التيار.. ومعروف أن عون وتياره لم يكونا ليأتيا إلا بدعم حزب الله وأوليائه الإيرانيين.. وما استخدام العنف في العراق ومناورة اللبنانيين تمهيداً لممارسته إلا من تراكم المال الفاسد.. فهل تسيل الدماء في لبنان ثانية أم يردعهم المآل السوري، وثورة الشعب اللبناني؟!

حراك يبعث على الأمل

كل الدلائل تشير إلى أن المظاهرات الشعبية الجارية اليوم في لبنان والعراق، ولا تزال مستمرة في الجزائر، وقد مضت في السودان إلى تحقيق أحلامها التي غدت برامج، إنما هي استمرار لذلك الربيع العربي الذي بدأ قبل نحو عقد من الزمن، ولا ينقص من أهميته أنه انقلب شتاء في بعض بلدانه.. فالبلاد العربية اليوم أمام انقلاب كلي في وعي شعوبها الذي وُلِد من شدة المعاناة، وهو ماض إلى خلع نير الاستبداد وجرائمه وفساده، وإلى بناء عالم جديد يحاكي في آماله وطموحه عوالم التحضر والتحرر والمدنية..! فالتجربة السورية لن تتكرر إذ غدت درساً لكل من ثار بعدها على الظلم، ولعلَّ خلاص لبنان والعراق من فساد طوائفهما يؤثر في الوضع السوري المشابه، فيجرف نظامه واستبداده وما ارتكبه بحق شعبه وبحق الدولتين العربيتين الجارتين..!