يمنح العقد الموقع بين نظام الأسد وشركة كابيتال الروسية منتصف آذار الجاري، الشركة الحق ببدء استكشاف المنطقة البحرية قبالة سواحل طرطوس للبحث عن الغاز والنفط، في حين تشير خريطة المنطقة إلى تداخلها مع الحدود اللبنانية، ما قد يسبب نزاعا محتملا بين النظام ولبنان.
تمتد مرحلة البحث 48 شهراً، تبدأ منذ توقيع العقد، ويمكن تمديدها 36 شهراً إضافية، أما الفترة الثانية فهي مرحلة التنمية ومدتها 25 عاماً قابلة للتمديد خمس سنوات إضافية.
وبحسب صحيفة الثورة الموالية للنظام فقد "تمت المصادقة على العقد الموقع بين وزارة النفط والثروة المعدنية، وشركة كابيتال محدودة المسؤولية للتنقيب عن النفط في البلوك البحري رقم (واحد) في المنطقة الاقتصادية الخالصة للجمهورية العربية السورية في البحر الأبيض المتوسط مقابل ساحل محافظة طرطوس حتى الحدود البحرية الجنوبية السورية اللبنانية بمساحة 2250كم2".
صمت لبناني
المحامي اللبناني نبيل الحلبي قال لموقع تلفزيون سوريا: "بعد توقيع عقد التنقيب، في البلوك السوري والمتداخل مع المياه الإقليمية اللبنانية، بين حكومة النظام وشركة كابيتال الروسية، كان لا بد من موقف يصدر عن حكومة تصريف الأعمال في بيروت، واستنفار، باعتباره انتهاكا صارخا لمياهنا الإقليمية، ولثرواتنا الوطنية التي يمكن أن نفقدها إلى الأبد ونحن اليوم بأمس الحاجة إلى رافعة اقتصادية تنتشل لبنان من الانهيار المالي".
وتابع قائلا: "الخرائط تبيّن تداخلا في البلوك رقم 1 بين المياه اللبنانية والسورية على مساحة 750 كم²، وهذا الأمر يستدعي طلبا عاجلا من الحكومة اللبنانية من أجل ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، كما فعلت الدولة اللبنانية مع إسرائيل جنوبا".
بعد قرابة أسبوعين من الإعلان عن العقد لم تدل السلطات اللبنانية بأي تصريح بشأن الموضوع، رغم أن البلوك السوري رقم (1) يتداخل مع الرقعتين اللبنانيتين رقم (1) و(2)، ويظهر على أثره نزاع حدودي واضح.
وأضاف الحلبي أنه يمكن للدولة اللبنانية أن تطلب تدخلا من الأمم المتحدة من أجل وقف عملية التنقيب والإشراف على موضوع ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا، وهذا المطلب هو حق مشروع في العلاقات الدولية، إذ لا يجوز إبقاء الوضع معلّقا، ولا سيما إذا كان سينتج عنه نزاعات اقتصادية أو أمنية، على حد تعبيره.
وأضاف "لكن مع الأسف، فمنذ تشكيل حكومة حسان دياب كان واضحا لغالبية اللبنانيين أن هذه الحكومة جاءت من أجل تأمين الموارد المالية للنظام السوري وعلى حساب الاقتصاد الوطني اللبناني، وعلى حساب الأمن الاجتماعي لجميع اللبنانيين. فمن خلال تأمين مسالك تهريب المواد الأساسية المدعومة من جيوب اللبنانيين إلى المشاركة في تعويم النظام السوري سياسيا، وصولا إلى هذه الفضيحة الجديدة التي لم تحرك السلطات في لبنان أي ساكن تجاهها، وكأن ثروات لبنان وشعبه باتت مشاعا لفاسدي الداخل والخارج!".
وقالت مصادر دبلوماسية لبنانية لـصحيفة "الشرق الأوسط": "إن الملف لم يطرح أبداً في وزارة الخارجية للتحرك باتجاه سوريا أو مراسلتها حول هذا النزاع الحدودي في منطقة لم تخضع للترسيم قبل ذلك".
وتعد المنطقة البحرية الحدودية مع سوريا نقطة نزاع منذ عام 2011، فقد حدد لبنان بشكل منفرد النقطة الحدودية رقم (6) إلى الأمم المتحدة في عام 2010، وأعاد تصحيحها في عام 2011 بتثبيت النقطة رقم (7)، وأبلغت إثرها الأمم المتحدة بها، بالتزامن مع تحديد النقطة البحرية الجنوبية رقم (23). وبعد أن رسّم لبنان منفرداً، وبشكل مؤقت، حدود منطقته الاقتصادية الخالصة الشمالية، عمد النظام إلى القيام بالممارسة ذاتها لجهة ادعاء ملكية قسم من المنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة للبنان. واعترضت دمشق على الترسيم اللبناني المنفرد لمنطقته الاقتصادية الخالصة في الشمال، عبر إرسال رسالة احتجاج إلى الأمم المتحدة في عام 2014.
الترسيم.. مصلحة روسية
من جهته قال المستشار الاقتصادي ورئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا أسامة القاضي لموقع تلفزيون سوريا: إن الحكومة الروسية هي التي ستسهل ترسيم الحدود السورية اللبنانية، لأن لبنان رسم حدوده مع إسرائيل، ولكنه إلى الآن وبسبب عدم وجود سيادة حقيقية في الدولة اللبنانية، وتعثر الحكومات المتعاقبة وتعقيد صناعة القرار، لم يستطع اللبنانيون ترسيم الحدود البحرية مع سوريا فضلا عن الحدود البرية.
وأشار القاضي إلى أن شركة كابيتال "بغطاء من الحكومة الروسية قد تتدخل لترسيم الحدود لأن البلوك 1 متداخل مع البلوك 2 اللبناني بحوالي 750 كم مربع، هناك إشكال كبير.. ماذا لو أن شركة كابيتال اكتشفت الغاز والنفط في منطقة متداخلة مع لبنان، من سيحسم هذا الأمر إذا لم يكن هناك ترسيم حدود حقيقي".
وأضاف أن "ألكسندر لافرينتيف المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون التسوية السورية، عرض خدماته عام 2019 لترسيم الحدود بين البلدين وأرجح أن تتدخل روسيا في هذه المسألة لأنه أصبح لها مصلحة اقتصادية حقيقية لعقد صفقة مع الجانب اللبناني وترسيم الحدود البحرية بين سوريا ولبنان".
وبشأن قانونية العقد أوضح أنه "مثله مثل كل العقود التي وقعها النظام، فهي تعتمد على الحل السياسي فإذا كانت روسيا ضامنة للحل أعتقد أن هذا العقد سيكون ملزما لأي حكومة قادمة، أما إذا كان الحل عن طريق هيئة حكم انتقالي وحكومة انتقالية كاملة الصلاحيات وخروج كافة الجيوش الأجنبية، فإن هذه الاتفاقيات سيشوبها الكثير من ضعف المصداقية والقانونية، إذ يمكن الطعن في قانونيتها لكن ذلك متوقف على الحل السياسي ومن الواضح أن روسيا ستبقى في سوريا إلى أمد طويل".
ولفت إلى أن الحصة الحقيقة لسوريا لم تعلن إلى الآن لكن "هناك بعض العقود التي استطعنا الاطلاع عليها.. النسبة تقريبا مناصفة ولكن حسب حجم وكمية الغاز والنفط المكتشف وحسب سعره، بحسب عقود سابقة فإن النظام يدفع للشركة الروسية تكاليف التنقيب إذا لم تكتشف الشركة أي نفط أو غاز".