لبنان دولة غير قابلة للإصلاح حالياً

2019.10.21 | 14:32 دمشق

580.jpg
+A
حجم الخط
-A

اندلعت الأسبوع الماضي في لبنان احتجاجات شعبية عارمة نتيجة تدهور الأوضاع في البلاد لا سيما الاقتصادية منها. شرارة هذه الاحتجاجات تسبّبت بها ضريبة كان يراد فرضها على استخدام تطبيق التواصل الاجتماعي الشهير (واتساب)، لكن وبسبب سذاجة بعض المسؤولين، فقد قرر هؤلاء سحب الضريبة معتقدين أنّ الموضوع سينتهي، لكن سرعان ما تفاقمت المشكلة بالنسبة لهم وبدأت الاحتجاجات تتّسع وتتشعّب.

أبرز ما يميّز هذه الاحتجاجات هو أنّها شملت كل المدن الرئيسية، وكانت عابرة للطوائف والأحزاب السياسية. ردّ الزعماء التقليديون في الرئاسة والحكومة بخطاب فحواه التهدئة والطلب من المتظاهرين مهلة لإجراء الإصلاحات اللازمة.

تبع هذه التصريحات أيضاً كلمة لمن يمكن وصفه بالمرشد الأعلى للجمهورية، أمين عام حزب الله، فهمها المحتجون على أنّها نوع من التهديد المبطّن لهم، وهو ما جعلهم يضعونه أيضا على قائمة الاستهداف في مطالبهم وهتافاتهم. الطبقة السياسية كانت متّحدة في التمسك بالحكومة، ليس لشيء إلاّ خوفاً على مصالحها هي الأخرى، فكل الأطراف الحاكمة في لبنان مرتبطة ببعضها بطريقة أو بأخرى وفي نهاية المطاف يأتي حزب الله عمليا على رأس الجميع في أعلى هرم السلطة. 

لبنان ليس دولة في المعنى المتعارف عليها تقليدياً، ويمكن وصفه عملياً بانّه مجموعة من الكانتونات التي يديرها إقطاعيون، زعماء طوائف، وأمراء حرب..

وبالرغم من تفاؤل البعض بإمكانية أن ينتج الحراك الشعبي وضغط الشارع إصلاحاً حقيقياً في البلاد، وأن ينجح البرنامج الإصلاحي المنشود أو الذي يتم ترويجه الآن تحت الضغط، إلاّ أنّ تحقيق هذا الامر في مكان مثل لبنان يعتبر من سابع المستحيلات في ظل الظروف القائمة. فلبنان ليس دولة في المعنى المتعارف عليها تقليديا، ويمكن وصفه عملياً بانّه مجموعة من الكانتونات التي يديرها إقطاعيون، زعماء طوائف، وأمراء حرب، مضطرون بسبب الواقع الجغرافي للتعايش قسراً مع بعضهم البعض. هؤلاء يتقاسمون السلطة، ومال الدولة والناس، ويشرعون القوانين التي تبقيهم وتفيدهم، ويحمون أنفسهم من خلال أجهزة الدولة وميليشيات أقوى من الدولة نفسها. ونتيجة لذلك، فقد حرموا المواطنين من أي بديل محتمل.

نصف الدولة هذا يخضع لابتزاز دائم من قبل دولة حزب الله كذلك. فهذه الدول أصبحت أقوى من الدولة الرسمية بمراحل في عدد من القضايا، لكنّ دولة حزب الله تحتمي أيضا في الوقت نفسه خلف لبنان عندما تحتاج أن تحصّف نفسها أمام الخارج، فترتكب كل الموبقات باسم لبنان، وتنهب اقتصاد لبنان باسم الدفاع عنه، وتدمر البلد باسم مقاومة إسرائيل وكل ذلك خدمة لإيران، وعندما يأتي وقت دفع الحساب، يتم تجيير فاتورة هذه الأعمال إلى رئيس الحكومة. هكذا جرت العادة على مدى عقود، لكن اليوم الناس بدأت تعي أنّ الجميع منخرط بشكل أو بآخر في تدهور أوضاعهم المعيشية وتدهور وضع الدول. 

لبنان أيضاً كان ولا يزال ساحة لتصفية حسابات إقليمية. ارتهانه إلى إيران عزز من وصفه ساحةً كما هو الحال بالنسبة إلى الدول التي تقع تحت النفوذ الإيراني. ولأنّ هناك استقطاباً بين الموالي لإيران والمعارضة لها، فإن الأموال كانت تتدفق إلى لبنان لصالح الأجندتين معاً. وفي حين كان الزعماء والموالون لهم يستفيدون من الأمر، كانت الدولة تتقهقر، والمواطن الذي لا ينتمي إلى أحزب أو جماعات سياسية أو طائفية هو الخاسر الأكبر.

مع انحسار الأموال الخارجية بعد حروب حزب الله الخارجية وقرصنة الدولة اللبنانية لصالح إيران وعزلها عن محيطها العربي، بدأت رحلة التراجع الكبير. 

لبنان لا يمكن إصلاحه

لبنان لا يمكن إصلاحه، ليس لأنّه يفتقد إلى الكفاءات البشرية القادرة على تنفيذ برنامج إصلاحي، بل لأنّ المرض قد استشرى فيه ومن الخطأ محاولة التداوي في موضع لزوم القطع. وبالنظر الى الوضع الحالي الذي يعيشه البلد، وبالنظر إلى تركيبته المتغوّلة بالطائفية، وبالنظر إلى طبيعة تقاسم السلطة، وبالنظر إلى حقيقة أنّ معظم السياسيين هم أمراء حرب في الأساس، فلست متفائلاً إزاء أي نوع من أنواع الإصلاح المحتمل. 

الأمر الآخر هو أنّ هذه التحركات الاحتجاجية يغلب عليها طابع الغضب والاحتقان، وفي مكان ما من المحتمل أن تتحوّل إلى انفجار عظيم يدمّر كل شيء. الناس معذورون في وضعهم السيئ بطبيعة الحال، لكن المقصود، ما لم يتم ترجمة هذا الغضب إلى فعل سياسي مستدام، فإنّ تأثيره سيتلاشى سريعا حتى وإن حقق بعض ما يريده الآن. ولذلك، فمن المهم بمكان أن يتم النظر في إجراء تحويل هذا الغضب إلى فعل سياسي وبرامج وحركة اجتماعية وإصلاحية ورقابية مستدامة تضمن تحقيق مطالب الشعب وتقطع الطريق على الزعماء والفاسدين وعلى من يريد توظيف الدولة ومواردها في مشاريعه الخاصة المحلية أو الإقليمية.