لبنان المتوتر مع ميقاتي وعون.. ضغط فرنسي واهتمام عربي

2021.08.04 | 06:33 دمشق

leb_17-780x470.jpg
+A
حجم الخط
-A

عاد الملف الأمني فجأة لواجهة الاهتمامات اللبنانية، حيث كانت منطقة خلدة على موعد مع إشكالات أمنية متنقلة عقب اغتيال علي شبلي القيادي بحزب الله، خلال حفل زفاف في الجية على خلفية ثأر مع عرب خلدة في العام الماضي، ليعقبه أمس كمين استهدف موكب المشيّعين في خلدة سقط فيه 5 قتلى وعدد من الجرحى، فيما تسارعت الاتصالات على كل المستويات منعاً للفتنة ووقفاً للاشتباكات التي أدّت الى إقفال الطريق الساحلية إلى الجنوب في محلة خلدة، قبل أن يتدخل الجيش ويبدأ حملة تمشيط في المنطقة بحثاً عن مطلقي النار لاعتقالهم وإحالتهم إلى المحاكمة.

وفي السياسة لا يمكن فصل دلالات الحادثة عن المسار الحكومي. فقبل سنة من الآن، وعند حصول الاشتباكات الأولى بين عشائر العرب في خلدة وحزب الله، كان مصطفى أديب في أصعب مراحل مفاوضات تشكيل الحكومة حيث اعتبرت حينها الاشتباكات بهدف الضغط عليه لتقديم تنازل، فيما استخدمها رؤساء الحكومات السابقون أنها محفز على عدم التنازل على حساب "حشر السنة"، وعليه فإن ما جرى في خلدة وقبلها في طرابلس ستكون عوامل مرافقة لمسارات السياسة في المراحل المقبلة في حال لم تتشكل الحكومة.

فيما اللافت أنّ هذا التطور الأمني الخطير جاء عشية اللقاء المرتقب بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، الذي يُعوّل عليه أن يحقق تقدّماً ملموساً في اتجاه تأليف الحكومة إن لم ينتهِ بتأليفها. كذلك جاء قبل أيام على ذكرى انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب، والذي يُتوقع أن يشهد حراكاً شعبياً عارماً لأهالي الضحايا ومجموعات الانتفاضة والتي قد تتحول لمواجهة في الشارع شبيهة بلحظة 17 تشرين وتجلياتها.

أجواء عون حريصة على التشبث بمقدسات عون-باسيل الثلث المعطل والداخلية أولوية على العدل

وفي الملف الحكومي لا يبدو رئيس الجمهورية جاهزاً للتنازل عن وزارتي العدل والداخلية، على الرغم من الأجواء الإيجابية التي يبثها الرئيس المكلف إلا أن أجواء عون حريصة على التشبث بمقدسات عون-باسيل الثلث المعطل والداخلية أولوية على العدل، ووفقاً لمتابعين فإن الداخلية أصبحت مسألة حياة أو موت، خصوصاً للتأثير في الانتخابات النيابية المقبلة، بعدما تبين لكل القوى السياسية وجود قرار دولي حازم بوجوب إجراء الانتخابات في وقتها أي في ربيع العام 2022. والحديث عن تأجيل الانتخابات النيابية والبلدية والتي سعت القوى السياسية لترويجها العام الحالي والذي سبقه سرعان ما تبددت بعد مواقف عالية السقف للولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي وهذه المواقف أضحت العصا المسلطة على الفرقاء السياسيين الذين يخشون هذا الاستحقاق معطوفة على نغمة دولية عنوانها لجنة مراقبة دولية لنزاهة الانتخابات تضم دول عربية وغربية.

ووفق مبررات القوى الدولية فإنه وفي الانتخابات النيابية الماضية تمظهر للمجتمع الدولي كثيراً عن تدخّلات وتزوير رافق العديد من الأقلام في العديد من الدوائر الانتخابية ونقاش فتح بعد استحقاق العام 2018 عن تغيير نتائج أشرفت عليها جهات سياسية بالتعاون مع الإدارة الممسكة حينها لوزارة الداخلية وهذه الممارسات الشائبة ليست فقط في مناطق نفوذ حزب الله فقط بل تعدتها لدوائر "سنية" لصالح مرشحي تيار المستقبل.

لذا فإن الداخلية هي الوزارة المفتاحية في المعركة المقبلة وتحديداً أن الطرف الشيعي أخرج نفسه من تداعياتها على الرغم من محاولات ميقاتي المناورة عبر طرحه أن يتولى شيعي -حكي عن اللواء عباس إبراهيم- لهذه الوزارة مقابل عودة المالية للسنة لكن الثنائي الشيعي أصر على أن المالية من مقدسات الشيعة في لبنان.

دولياً وإقليمياً لا تبدو باريس يائسة ومستسلمة، فمنذ تكليف ميقاتي عاد برنار ايمييه مدير مخابراتها للواجهة اللبنانية من جديد يعاونه المستشار باتريك دوريل في محاولة لفتح ثغرة في جدار تشبث عون وتعنت باسيل حول الداخلية والثلث المعطل وضمانات البقاء لباسيل المعاقب أميركياً والذي لا يخفي في مجالسه أنه وبعد العقوبات التي طالته أميركياً "من بعد حشيشي ما ينبت حشيش"، وباريس الحريصة على مبادرتها اللبنانية بعد الضوء الأخضر الأميركي لها تفتتح صباح الرابع من آب مؤتمر دعم لبنان والمفاجأة أن بايدن سيحضره شخصياً فيما السعودية ستشارك بوزير خارجيتها فيصل بن فرحان، ما يعني نجاح باريس بإعادة السعوديين تدريجياً إلى لبنان.

روسياً وبعيداً عن ثوابت موسكو اللبنانية المرتبطة بالاستحواذ على التنقيب النفطي في "بلوكات 4-9 " بعد حصولها على مناقصة تأهيل خزانات النفط في طرابلس، تدعم موسكو تكليف نجيب ميقاتي وخاصة أن الأخير حصل على دعم شفهي من مساعد بوتين للشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف وسمع منه حرص بلاده على إجراء إصلاحات سياسية وإدارية، وأن موسكو تناقش مع الفرنسيين والمصريين والقطريين حلولا سريعة، وعن الحريري المعتذر تؤكد روسيا لكل من يراجعها بشأنه أن سعد الحريري هو الحليف الإستراتيجي الأساسي لموسكو في لبنان لأنه يمثل تيارا أكثر اعتدالاً وهي الحريصة على الحفاظ على علاقاتها معه، لكن هذا شيء وعدم تأليفه للحكومة شيء آخر، والموقف الروسي لم يتغير لكنه بات أكثر واقعية، إذ إن موسكو تعلم جيداً أن الحريري غير قادر على إتمام المهمة، لذلك فإن تنحّيه وإفساح المجال أمام ميقاتي قد يفتح باب الحلول على الرغم من تعسر الحلول مع عون.

الرياض نجحت في إبعاد سعد الحريري عن رئاسة الحكومة وهي تنتظر شكل حكومة نجيب ميقاتي لتبني على الشيء مقتضاه

فيما عربياً تنشط القاهرة عبر مدير مخابراتها اللواء عباس كامل ومعه وزير الخارجية سامح شكري بالتنسيق مع قطر والأردن للدفع لتشكيل حكومة ميقاتي والتي تحظى حتى اللحظة بغطاء شبه كامل من العرب بانتظار تفاعل السعوديين عقب تشكيل الحكومة، وخاصة أن الرياض نجحت في إبعاد سعد الحريري عن رئاسة الحكومة وهي تنتظر شكل حكومة نجيب ميقاتي لتبني على الشيء مقتضاه، لا يخفي المصريون أن التلازم المصري مع باريس ينطلق من إيمان القاهرة بضرورة الحفاظ على شكل النظام اللبناني واستقرار البلاد عبر تمكين الجيش ودعمه ليكون الركيزة الأساس في الحفاظ على الدولة من التحلل والاندثار.