لبنان الإيراني – الفرنسي الزاحف نحو الخليج

2021.10.14 | 06:13 دمشق

2021-10-07t100637z_408511017_rc2y4q9gmyn9_rtrmadp_3_lebanon-crisis-iran.jpg
+A
حجم الخط
-A

ثمة حراك دولي يشي بمرحلة انتقالية يمر بها النظام الدولي، في ظل تقديرات بأن العالم يشهد تحولات استراتيجية وإعادة صياغة للتحالفات الدولية والإقليمية وذلك للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
 لذا فلا خروج عن الخطة التي أعدتها “الدولة العميقة” في الولايات المتحدة الأميركية منذ عهد دونالد ترامب مروراً بعهد جو بايدن وصولاً إلى ما بعد بايدن وهي تصب في مواجهة الصين والحد من تمددها الاقتصادي والمالي وتالياً السياسي في منطقة الشرق الأوسط وشرق آسيا، وعلى هذا الأساس يمكن محاولة تفسير صياغة تحالفات مثل “أوكوس”AUKUS  بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، وتحالف “كواد QUAD بين واشنطن واليابان والهند وأستراليا و”كواد+” مع كوريا الجنوبية ونيوزيلندا وفيتنام، والهدف هو تطويق الصين بشكل أو بآخر.

في حين تبدو الصين وكأنّها تعمل على الإمساك بزمام المبادرة بوجه الأميركيين، خصوصاً بعد الكشف عن صفقة الغواصات النووية بين الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا، فكان التحرّك الصيني الجوي باتجاه تايوان، إحدى أبرز حلفاء واشنطن في صراعها مع الصين.

كل ذلك يدفع الإدارة في واشنطن أولاً إلى استعادة مظهر القوة أمام الشارع الأميركي، الذي بدأ بالتراجع عن تأييد تأييده ورضاه تجاه الإدارة الديمقراطية، بالإضافة إلى أن بايدن حريص على حشد ما أمكن من الموارد الأميركية للتفرّغ للتمدد الصيني.

ما يستوجب في نهاية المطاف الإسراع في إنجاز المفاوضات حول الملف النووي مع الإيرانيين. وقد تكون إيران، والتي تبرع في استنفاد عامل الوقت ، بدأت تشعر بنفاد صبر إدارة بايدن، فأعلن وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان من موسكو، أولى محطاته في جولته الخارجية، بالعودة قريباً إلى طاولة المفاوضات في فيينا. وتشير التوقعات إلى أنّ هذه المفاوضات ستُعقد من جديد نهاية هذا الشهر أو مطلع الشهر المقبل.

أوروبياً تسعى فرنسا مع إيمانويل ماكرون لتحقيق قصص نجاحات سريعة في أمكنة متعددة مثل العراق (صفقة توتال) إلى اليونان (صفقة الفرقاطات) فدول المغرب العربي (تخفيف أعداد التأشيرات).

وضمن هذه النظرة أيضًا، تم تسهيل ولادة حكومة في لبنان واستقبال رئيسها نجيب ميقاتي في قصر الإليزيه دون إعطائه أية وعود بمساعدات جديدة ما لم تنفذ حكومته إصلاحات سيكون وقعها شديد الصعوبة على الشارع وبالتالي على حكومته.

تم تسهيل ولادة حكومة في لبنان واستقبال رئيسها نجيب ميقاتي في قصر الإليزيه دون إعطائه أية وعود بمساعدات جديدة ما لم تنفذ حكومته إصلاحات سيكون وقعها شديد الصعوبة على الشارع وبالتالي على حكومته

ينقل خلدون الشريف وهو الذي عمل لسنوات طويلة مستشاراً لرؤساء حكومات في لبنان أنه وخلال جولته الأوروبية تحدث مع مسؤول أوروبي واسع الاطلاع في جلسة حوارية مقفلة عن “متغيرات دولية وإقليمية” تفرض إعادة تقييم أداء أوروبا في الشرق الأوسط، “فحقبة الربيع العربي الذي انطلق من تونس عام 2011 انتهت من تونس أيضاً عام 2021 مع محاولات تجري هنا وهناك لإعادة تشكيل السلطة في هذا البلد أو ذاك إذا ما استطاع الغرب إلى ذلك سبيلاً”، ويضيف الشريف أنه سمع من المسؤول الأوروبي كلاماً يقول إن إسقاط الديموقراطية الغربية بالباراشوت على المنطقة تبين أنها غير قابلة للتطبيق من أفغانستان وإيران إلى الخليج فالمشرق العربي فمصر فالمغرب بدوله كلها.

ما يعني أن ديمقراطية الانتخابات في تلك البلدان مشكوك بنزاهتها فكيف في بلدان تمتلك فيها بعض القوى سلاحًا قادرًا على فرض وقائع ونتائج لمصلحته؟ ويختم الشريف أنه وفي نهاية حواره مع الرجل بادره بالقول إن الشرق الأوسط منطقة شديدة الأهمية بالنسبة إلى أوروبا وما يهم الغرب في لبنان هما أمران اثنان: أولًا، منع تدفق اللاجئين؛ ثانيًا، منع انهيار المؤسسات العسكرية والأمنية، وهو ما يدفع الأوروبيين لمحاولة احتواء الصعوبات الاقتصادية بما يحقق للناس ما دون كفاف يومهم من غذاء ودواء وماء وكهرباء وباقي عناصر الأمن الاجتماعي الأساسي.

وعلى الرغم من الدعم الفرنسي الشكلي المستمر والدائم لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، إلّا أنّه وبعد أكثر من شهر على ولادة الحكومة، لم تظهر أي نتيجة ملموسة لحكومة من المفترض أن تكون حكومة معالجات سريعة للأزمات. لا بل على العكس، وبدل أن تبدأ معالجة ملف الكهرباء، فإنّ هذا الإنتاج تدنى إلى مستوى الصفر. وهو ما أدّى إلى تراجع الثقة أكثر فأكثر، وتُرجم ذلك بعودة الارتفاع لسعر صرف العملات الأجنبية.

 ولم يعد خافياً على أحد، أنّ الحكومة اللبنانية أرسلت موفدين لها لجسّ نبض الدول الخليجية، لكن الأجوبة جاءت محبطة للغاية. لم يلحظ أي من هؤلاء الموفدين ضوءاً أخضر. سمعوا الكثير من الكلام المعسول، لكن المساعدات لن تأتي، أولاً لأنّ الموقف السعودي لا يزال متشدّداً، وثانياً لأنّ التركيبة اللبنانية لا تزال نفسها في الإدارة.

وثمة تقديرات دولية بأن حكومة نجيب ميقاتي لن تتمكن سوى من إدارة الاحتواء المطلوب دولياً (منع انهيار المؤسسات ومنع تدفق اللاجئين). فهي ليست حكومة سياسية لتتخذ قرارات أساسية ولكنها ليست مستقلة بأي حال من الأحوال”.

حيث لا تنفصل النظرة الأوروبية للبنان عن النظرة إلى مجمل المنطقة. يعتبر الفرنسيون أن مصر والأردن هما الدولتان الأكثر استقراراً في هذه البقعة المشرقية وهما تعملان على امتصاص الصدمات وتبريد النزاعات ومنع ارتطام بلدان المشرق العربي من لبنان إلى سوريا إلى العراق.

لذا فلقد جرت جملة من المساعي الفرنسية في الأشهر والسنوات الأخيرة من أجل دفع السعوديين للعودة إلى الواقع اللبناني، لكنهم كانوا في كل مرة يزدادون تشدداً وخاصة أن لدى الرياض قناعة أن باريس كل ما يهمها إنجاح مبادرتها الهشة ومنع وجود وتسلل تركي إلى بيروت مهما كانت الأثمان المتوقعة.

لذا فإن نجيب ميقاتي الحريص على إرضاء الرياض عبر عدة مسارات الأولى المغازلة لها بأنها قبلته الدينية والسياسية والثانية تهربه من زيارة دول أخرى على رأسها تركيا ومصر وقطر والانتظار في زاوية تتيح له الدخول لقصر الحكم السعودي والتقاط صورة له مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لكن هذا لا يبدو أنه حاصل في ظل الجواب النهائي الذي سمعه إيمانويل ماكرون من ابن سلمان حول حكومة تم استيلادها بنفس الأدوات والأشخاص والسياسات، مع تأكيد الرياض أن المسألة لا تتعلق بالأشخاص، بل ترتبط بمسار الحكومة وقراراتها، وعلى أساسها يمكن اتخاذ قرار التعاون معها أم لا.

وحتى الآن لا بوادر حول ذلك، بينما يستمر حزب الله بالضغط الكبير نحو انفتاح الحكومة على نظام بشار الأسد، وسط غياب وضوح الموقف السعودي من تلك الخطوة. وحتى لو توفرت الظروف لذلك، فلا يمكن أن توافق الرياض على استعادة العلاقات اللبنانية-السورية من طريق طهران.

وفي النهاية ثمة لقاء جرى في أبوظبي منذ أيام برعاية رئيس الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد بين وفدين سعودي وإيراني وكان هذا اللقاء على طاولته الرئيسية ملف لبنان حيث أبدى الإيراني رغبته أن تقوم السعودية بدعم الاستقرار في لبنان ومساعدته في تجاوز أزمته، لم يبدِ السعودي رفضاً كبيراً لكنهم اشترطوا تغيير هذه الحكومة مقابل الحديث عن عودة ما منتظرة إلى لبنان. وعليه فلننتظر!