لا يا لبنان.. ما هكذا الأخوّة!

2019.06.17 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

قبل مئة عام، شرق المتوسط، كنّا جميعاً من أهل الشام. الآن هناك الأردني والفلسطيني والسوري واللبناني. استطاع "سايكس بيكو وبلفور" أن يكونوا أقوى من أي رابط بيننا؛ لا الدين استطاع إعادة لحمة "خير أمة أخرجت للناس" ولا المد اليساري أو القومي استطاع أن يحمينا ويطورنا؛ ولا التاريخ أو اللغة أو الآمال أو الآلام استطاعت أن تحمينا منهم أو واحدنا من الآخر. الاستعمار والفقر والعسكر والحماقات والتعامل والرخص وجشع العدو كله ساهم ببعثرتنا. بعد سايكس بيكو، تحولت سوريا الشام إلى جسد بلا أطراف. بقي القلب نابضاً، ولكن هناك من خنقه لخمسين عاما، بعد أن كان ساهم بخنق فلسطين وخنق لبنان لعقد ونصف.

نحن واللبنانيون افتراضياً واحد؛ معظم العائلات جذرها واحد؛ سلطة الاستبداد كَوَتْ لبنان كما لا يكوي عدو عدوه. اليوم، وكأن اللبنانيين يثأرون لما فعله بهم نظام الاستبداد الأسدي من سوريين عزل استجاروا بهم هرباً ممن كان جلادهم بالأمس. جبران باسيل ترك وزارة خارجية لبنان، وتفرغ للنازحين السوريين ضحايا منظومة الاستبداد وشريك عمه حزب الله. لا يتوقف السيد ميشيل عون وصهره عن الحديث حول الأذى الذي يتسبب به النازحون السوريون للبنان اقتصادياً ومالياً وديموغرافياً وحتى ثقافياً وحضارياً؛ وإن سوريا آمنة والأوضاع طبيعية؛ ولابد أن يعودوا إلى بلادهم. إذا كان هناك من يعرف بأن سوريا غير آمنة، وأن النظام لا يُؤتَمَن جانبه، فيكون ميشيل عون ذاته؛ فهو- بكل قوته وشهرته- وبعد سنوات في فرنسا- لم يعد إلى لبنان إلا بضمانات دولية، بسبب النظام تحديداً؛ فكيف به يدفع هؤلاء السوريين إلى التهلكة، وهو يعرف مصيرهم سلفاً؟! أي عقل، وأي أخلاق تلك التي تحكم هكذا موقف؟! 

أما بخصوص القلق الاقتصادي والمالي والديموغرافي للسيد جبران باسيل، صهر الحكم، فهناك حقائق رقمية تدحض كل تخرصاته

أما بخصوص القلق الاقتصادي والمالي والديموغرافي للسيد جبران باسيل، صهر الحكم، فهناك حقائق رقمية تدحض كل تخرصاته. بداية، هذه الشكوى من العوز الذي يسببه وجود النازحين السوريين في لبنان ليس إلا أكذوبة يراد منها إما سحق هؤلاء خدمة للنظام أو مزيدا من الابتزاز للأمم المتحدة والدول المانحة، فخلال ستة أعوام تم ضُخَّ عشرة مليارات دولار في الاقتصاد اللبناني على شكل مساعدات دولية من أجل اللاجئين السوريين؛ وهذا الرقم هو حصيلة مساعدات صافية دخلت الخزينة اللبنانية مقدارها 5.8 مليار دولار، مضافاً إليها ما يقارب الأربعة مليارات نتجت عن قيمة عمل هؤلاء اللاجئين وعن فرص العمل والاستثمارات التي وفرها وجودهم للبنان.. وعلى سبيل المثال، أحد مراكز البحوث يقدم توثيقياً إحصاءات وأرقام ونسب تدحض التزوير الذي يطرحه الوزير باسيل وجوقته:

- يقولون إن لبنان في خطر ديموغرافي، حيث تجاوز عدد النازحين السوريين 40% من عدد سكان لبنان؛ والإحصاء الحقيقي حسب عدد المسجلين وغير المسجلين أقل من 25%

- تقول الجوقة إن الولادات السورية أكثر من الولادات اللبنانية؛ والصحيح أنه خلال سنوات النزوح تم تسجيل 25000 ولادة؛ بينما تقول إحصاءات وزارة الصحة اللبنانية أن عدد الولادات اللبنانية هو 90 ألف سنوياً. 

- يدعون بأن السوريين يحرمون اللبنانيين من فرص العمل؛ والحقيقة أن وجود السوريين وفر عشرات آلاف فرص العمل للبنانيين أنفسهم؛ هذا إضافة إلى أن هؤلاء النازحين يقومون بأعمال لا يقوم بها اللبنانيون: كالبناء والزراعة والتنظيف

- يدعون أن السوريين يرتكبون الجرائم؛ وإحصاءات الدراسات التي أجراها مركز البحوث تقول إن نسبة الفعل الشائن أو الجريمة من قبل السوريين لم تتجاوز الخمسة بالألف من الجرائم التي تُرتكب في لبنان؛ أما الجرائم بحق السوريين فتشكل أكثر من ثمانين في المئة حيث يكون الضحية سوريّا أو سورية. مركز البحوث إياه يقدّم مزيداً من الإحصائيات، فيقول إن استخدام الهاتف النقال ارتفع في لبنان من مليونين إلى ما يقارب الأربعة وهذا وحده يدر مئات ملايين الدولارات. من جانب آخر، يدفع اللاجئون السوريون ما يقارب نصف مليار دولار أجرة سكنهم كل عام للبنان؛ والأهم يراه الاقتصاديون بأنه بسبب السوريين فقد زادت الإيرادات الحكومية بحكم دفع هؤلاء النازحين لضرائب تجاوزت المليار دولار؛ إضافة إلى أن وجودهم خلق عشرة آلاف فرصة عمل سنوية للبنانيين معظمها دوام كامل.

يدفع اللاجئون السوريون ما يقارب نصف مليار دولار أجرة سكنهم كل عام للبنان؛ والأهم يراه الاقتصاديون بأنه بسبب السوريين فقد زادت الإيرادات الحكومية بحكم دفع هؤلاء النازحين لضرائب تجاوزت المليار دولار

والآن ما المخرج؟! ماذا يريد حزب الله وأدواته أن يفعل بأناس فتحوا له بيوتهم عندما كان لبنان ممتحناً إسرائيلياً؟ وهل هذا هو الوفا؟! وبحكم جوار إسرائيل ألا يُتوقَّع للبنان أن يقع في المحنة ذاتها؟! وهل له من طريق ومكان نجاة وأمان إلا سوريا؟ ماذا لو انقلب حزب الله الإيراني على حلفائه، وهو المعروف بأن لا عهد له؟! فمن يقتل أولئك الذين آووه في بيوتهم من السوريين لن يتردد بأن ينقلب على أي كان. وهل يعتقد حزب حسن الإيراني أن منظومة الاستبداد باقية للأبد؟ وهل يعتقد حلفاؤه الشيء ذاته؟ منظومة الاستبداد بحكم المنتهية؛ إنها اللعبة الدولية التي نشهدها على الأرض السورية الآن.

أما السوريون وسوريا فهم باقون؛ وسيأتي الغد؛ ولا أدري كيف سيضع مَن ظلم سورياً عينه بعين أي سوري! جرب اللبنانيون الوجع والمرار على يد نظام استبدادي تحكم بحياتهم وقدرهم لربع قرن تقريباً؛ وفِي هذا الموقف الذي يتخذونه تجاه السوريين كأنهم اشتاقوا للعودة لمرار من نوع آخر؛ وبسبب النظام إياه؛ ولكن في هذه المرة لن يكون الباب السوري الحقيقي مفتوحاً؛ ستُغلَق الأبواب، لأن هناك من تسبب بإغلاق الأرواح. لا يا لبنان؛ ما هكذا الأخوّة.

كلمات مفتاحية