لا حل في سوريا طالما بقي نظام الأسد

2019.09.30 | 18:44 دمشق

وليد المعلم
+A
حجم الخط
-A

من السخرية بمكان أن يقف وزير خارجية نظام الأسد وليد المعلّم في الأمم المتّحدة الأسبوع الماضي مطالباً بالانسحاب الفوري لقوات الولايات المتّحدة وتركيا من سوريا، ومحذّراً بأنّه في حال تمّ الرفض، فإنّ نظام الأسد سيقوم باتخاذ الإجراءات المضادة المناسبة المخوّلة له بموجب القانون الدولي!

دع عنك أنّ نظام الأسد مسؤول عن قتل ما يزيد عن نصف مليون إنسان وتهجير ما يزيد عن نصف سكّان البلاد وعن إجراء تحولات ديمغرافية غير مسبوقة في تاريخ سوريا ناهيك عن إرثه السيء الصيت باستخدام الأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة العشوائية، وأخيرا وليس آخرا إخفاء مصير مئات الآلاف من المعتقلين في سجونه، فإنّ الفظائع التي ارتكبها النظام السوري ولا يزال يرتكبها في سجن صيدنايا كفيلة بوضع حد له وفق القانون الدولي.

إذا كان هناك من شيء مؤكّد، فهو أنّ واشنطن وأنقرة لن تسحبا قواتهما من سوريا في ظل الوضع القائم. هذا أمر مفروغ منه لاسيما في الحالة التركية

لكن لسبب ما مجهول معلوم، فإنّ النظام الذي جعل من سوريا مستوطنة إيرانية كبيرة للميليشيات الشيعية، وقاعدة روسية على البحر المتوسط، لا يزال يتمتع بغطاء دولي من خلال الدعم المقدّم له، أو من خلال الامتناع عن مواجهته وجرائمه المرتكبة خلال السنوات الثماني الماضية. التذرّع بالقانون الدولي لمطالبة أمريكا وتركيا بالخروج هو أمر مثير للاشمئزاز بالنظر إلى تاريخ النظام، والأكثر إثارة للقرف هو السماح لممثل النظام باعتلاء منصّة الأمم المتّحدة واستخدامها بوقاً للبروبغندا الخاصة به.

إذا كان هناك من شيء مؤكّد، فهو أنّ واشنطن وأنقرة لن تسحبا قواتهما من سوريا في ظل الوضع القائم. هذا أمر مفروغ منه لاسيما في الحالة التركية. الجانب التركي سيبقى على الأقل داخل سوريا إلى حين التوصل إلى حل سياسي ينهي الصراع القائم ويؤمن الاستقرار الذي يسمح للاجئين بالعودة إلى بلادهم. وكما هو معلوم، فإنّ بقاء نظام الأسد يتعارض مع تحقيق الأمن والاستقرار على الأقل من وجهة نظر اللاجئين والمدنيين الذين دفعوا ثمناً باهظاً لإجرامه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى وجهة نظر تركيا.

كثيرون غير راضين اليوم عن تشكيل اللجنة الدستورية التي يبدو أنّ هدفها تمييع الثلث المعارض وتشريع عمل النظام. لكن من قال إنّ المعارضة سهلة وأنّ التخلّص من إجرام نظام دموي جاثم على صدور السوريين لعقود طويلة أمر بسيط. معارضة النظام يجب أن تستمر ضمن إطار اللعبة وخارجها أيضاً، وهذا يتطلب بالضرورة نَفَساً طويلاً وتوزيعاً مدروساً للأدوار بين المعارضين بدلاً من توزيع الاتهامات.

وبالرغم من الأفضلية التي يتمتع بها نظام الأسد اليوم، فإنّه لا ينوي على ما يبدو أن ينهي عمل اللجنة الدستورية بشكل سريع. خلال كلمته في الأمم المتحدة، قال وليد المعلّم إنّه "يجب ألا يتم فرض أي مهل أو جداول زمنية لعمل اللجنة"، وهذا يعكس في جزء منه سياسة المماطلة التي اتبعها الأسد منذ سنوات ويهدف في النهاية إلى إفراغ عمل اللجنة من مضمونه، فالنظام يرى أنَّ المطلوب هو إجراء تعديلات في الدستور الحالي الموجود، في حين أنّ المطلوب هو وضع دستور جديد للبلاد، علماّ أنّ هناك من يجادل أنّ هذه الخطوة كان يجب لها أن تتم بعد تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات وفقاً لمخرجات جنيف، وهو أمر صحيح أيضاً يعكس تحيّز المجتمع الدولي إلى نظام الأسد رغم كل ما فعله.

ربما يراهن نظام الأسد على حصول تغييرات في المشهد السياسي التركي بما يؤدي إلى تحوّل في السياسة الخارجية يؤدي إلى انحساب تركي أو إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين

في جميع الأحوال، مماطلة النظام تعني كذلك أنّ انسحاب القوات الأمريكية وبالأخص التركية غير وارد، إذا من غير المعقول أن تقوم تركيا بتسليم المناطق التي تتواجد فيها إلى نظام الأسد قد يقع مجدداً تحت رحمته سواء من خلال دعم ميليشيات كردية أو من خلال إرسال إرهابيين أو من خلال تهديد مباشر أو حتى من خلال عمليات قتل أو قمع للمدنيين تؤدي إلى موجات جديدة من اللاجئين. من هذه المعطيات من المفترض أنّها من البديهيات في الحسابات السياسية والأمنية للسلطات التركية.

ربما يراهن نظام الأسد على حصول تغييرات في المشهد السياسي التركي بما يؤدي إلى تحوّل في السياسة الخارجية يؤدي إلى انحساب تركي أو إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين. مثل هذا الأمر ممكن نظرياً بالإشارة إلى مؤتمر المعارضة التركية الأخيرة حول اللاجئين السوريين كما ظهر من خلال أعمال المنتدى والبيان الختامي، لكن مع الافتراض النظري أيضاً، فهذا يحتاج على الأقل إلى حوالي ٤ سنوات أخرى لاختبار مدى صحّته. وفي جميع الأحوال، فإنّ المشكلة الحقيقية تكمن في بقاء النظام نفسه، فبغض النظر عن تواجد أو عدم تواجد قوات أجنبية داخل سوريا، التاريخ يقول إنّ نظاماً مثل نظام الأسد غير قابل للإصلاح وأن سلوكه لن يتغيّر وبالتالي فإن بقاءه يعني الإبقاء على المشكلات القائمة، ولا حل لهذه المعضلة سوى برحيله.