لا ترجع إلى الموت أيها اللاجئ السوري

2021.10.31 | 06:35 دمشق

9abb237275dffae199e38104.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد تحذير منظمة العفو الدولية "أمنستي" في أيلول الماضي، تحت عنوان "أنت ذاهب إلى الموت"، تحذيران جديدان خلال أسبوع واحد، يطلبان من اللاجئين السوريين عدم العودة إلى سوريا. الأول صدر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" في 20 من تشرين الأول الحالي، بينما جاء الثاني من طرف رئيس لجنة التحقيق المعنية بالملف السوري التابعة للأمم المتحدة باولو بينيرو في الخامس والعشرين من الشهر الحالي. وحمل تقرير هيومن رايتس ووتش عنوان "حياة أشبه بالموت"، وهو مشابه تماما لعنوان تقرير "أمنستي"، وغير بعيد عنه من حيث المحتوى، الذي يؤكد على أن اللاجئين الذين عادوا إلى سوريا من لبنان والأردن بين 2017 و2021 واجهوا انتهاكات جسيمة، واضطهادا على يد الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها. وعانى العائدون أيضا للبقاء على قيد الحياة وتلبية احتياجاتهم الأساسية، وخلص التقرير الصادر في 57 صفحة، إلى أن سوريا ليست آمنة للعودة.

وتوقف تقرير اللجنة أمام الحصار الذي فرضه النظام السوري وحليفه الروسي على درعا البلد، ولم يغفل الحديث عن مصير آلاف المفقودين والمعتقلين في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري

وجاء تقرير رئيس لجنة الأمم المتحدة في كلمة أمام الجمعية العامة، ليؤكد على الخلاصات السابقة، وقال إن "الوقت ليس مناسباً لعودة اللاجئين.. وبينما نتحدث الآن، لا يزال ملايين المدنيين مضطرين لمواجهة الحرب والإرهاب والحزن". وقدم التقرير معطيات عن حال العديد من اللاجئين الذين وجدوا ممتلكاتهم مدمرة، أو استولت عليها السلطات الرسمية أو الجماعات المسلحة أو الجماعات الإرهابية، ولم يتبق لهم سوى القليل للعودة إليه وآفاق ضئيلة لكسب معيشتهم. وتوقف تقرير اللجنة أمام الحصار الذي فرضه النظام السوري وحليفه الروسي على درعا البلد، ولم يغفل الحديث عن مصير آلاف المفقودين والمعتقلين في مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري، الذي يمنع الاتصال بالأهل وتلقي زيارات من مراقبين مستقلين، والإفراج عن المعتقلين المرضى والمسنين.

وقد يقول قائل إن هذه التقارير لا تحمل جديدا، وهي تصدر دوريا منذ عدة سنوات، كي تتحدث عن جرائم النظام التي لا تحصى، وتتكرر رغم كل ما صدر من مواقف وعقوبات دولية. وهذا توصيف دقيق وصحيح، إلا أن هذه التقارير تبقى ضرورية كونها تصدر عن جهات دولية ذات مصداقية عالية، وهي وثائق مهنية مبنية على وقائع وأرقام، عدا أنها تقوم بمسح شامل لكل الجغرافيا السورية، ولا تستثني طرفا من أطراف النفوذ على الأرض، إلا أن ما يستحق التوقف أمامه في هذه التقارير هو أمران. الأول هو تحذير اللاجئين من تصديق الدعايات، التي تقوم بها جهات تابعة للنظام وروسيا، لتشجيع اللاجئين على العودة من أجل أهداف سياسية معروفة، تتعلق بإعادة الإعمار. والثاني هو ممارسة الضغط على حكومات الجوار وبعض الدول الأوروبية، لوقف إجراءات وسياسات هدفها إجبار اللاجئين على العودة، ومثال ذلك قرار الدنمارك التي ارتكبت سابقة خطيرة من داخل الاتحاد الأوروبي بإلغاء "الحماية المؤقتة" للاجئين القادمين من دمشق وريف دمشق.

تأتي هذه التقارير الدولية ذات المصداقية، لتسقط البروباغندا الروسية، التي تتاجر بقضية عودة اللاجئين من أجل إقناع الدول الغربية بالدخول في مشاريع إعادة الإعمار

وتحدثت التقارير، بصراحة، عن "أجندة عودة عدوانية" اتبعتها السلطات اللبنانية على حد تعبير تقرير هيومن رايتس ووتش. وقال إنها "تضع مراسيم وأنظمة تهدف إلى جعل حياة اللاجئين السوريين صعبة، والضغط عليهم للمغادرة". ومن ذلك أنها أجبرت اللاجئين السوريين على تفكيك مساكنهم الخرسانية، وفرضت حظر التجول وطردتهم من بعض البلديات، وعرقلت تجديد تصاريح الإقامة، ورحّلت الآلاف. وفي الوقت ذاته ترك الانهيار الاقتصادي في لبنان 90٪ من السوريين في فقر مدقع، ويعتمدون على الاقتراض والديون المتزايدة للبقاء على قيد الحياة. وفي الأردن يبدو الوضع أفضل نسبيا، فلم تضغط السلطات علنا من أجل عمليات عودة طوعية منظمة وواسعة النطاق، ومنحت بعض فرص العمل القانونية للاجئين.

تأتي هذه التقارير الدولية ذات المصداقية، لتسقط البروباغندا الروسية، التي تتاجر بقضية عودة اللاجئين من أجل إقناع الدول الغربية بالدخول في مشاريع إعادة الإعمار. وفي الوقت ذاته لتشكل برهانا دامغا على استحالة الحياة في ظل النظام الحالي، ما يرتب مسؤولية أخلاقية على المجتمع الدولي كي يستمر في تقديم الدعم الإنساني ومواجهة الضغوط على اللاجئين من أجل العودة إلى الموت.