لأجل نبعِ سلام كهذا فلنقاتِل

2019.10.19 | 18:16 دمشق

thumbs_b_c_39c747519eea1b8a793fc357a799e86d.jpg
+A
حجم الخط
-A

كأيّ سوريّ أتخبّط بين حالة من اليأس والأمل في آنٍ معاً وأنا أتابع نبع السّلام، هذه الحملة التي يجب أن أعترف بعدم استساغتي لاسمها، كون بركاناً من الحرب ما زال ثائراً إلى الحد الذي لا يمكن لأي نبعٍ أن يخمده فجأة، ويجب أن أعترف لنفسي قبل أي أحد آخر، أن عدم استساغتي هذه لن تقدّم أو تؤخر من كونها باتت واقعاً، وسُجِّلت هدفاً في المرمى التركي برعاية أمريكية منقطعة النظير، أدرك تماماً – كأيّ سوريّ- أن للدول مصالح في وطني، وأيّ تحرّكٍ لتلك الدول مهما غُلِّف بشعارات جميلة، فهو يصبّ في مصلحة تلك الدّول لا أكثر، فلِمَ علينا أن نثبّت ردات فعلنا ما بين تفاؤل أو يأس؟ الجواب بدهي فعلاً؛ لأننا أصحاب هذه الأرض.

لقد أغرق كثير منّا بالتّفاؤل بأهداف نبع السّلام ونتائجها، فاعتبروها تحريراً ونصراً مؤزراً للثّوّار على قسد، وتطلّعت آمالهم إلى شمالٍ سوريّ نظيفٍ من النظام وحلفائه وأتباعه وكلّ عدوّ للثّورة، حلموا – ويحقّ لهم أن يحلموا- بمنطقةٍ آمنةٍ، لا طيران يقصف بيوت المدنيين، ولا قذائف تطول أطفالهم، لا زلازل لا تجارب لأسلحة صُنعت في روسيا وإيران، لا تهديد بعودةٍ لسياط النظام وزنازينه، تفاءلوا بدير الزّور حرّة من المحتل، وبالرّقّة والحسكة دون ظلم وتضييق وقهر، تابعتُ عبر مواقع التواصل أفكارهم التي نشروها حالمين آملين بالخلاص، تماماً كما تابعت مظاهراتهم التي خاطروا بأنفسهم عبرها ليرفضوا النظام وأشباهه في أرضهم، حق لكل سوريّ حرّ أن يأمل، فهو شريكٌ قويّ في المعركة كما صرّح بذلك الرئيس أردوغان بنفسه، وكما شهدنا بأنفسنا زحف الجيش الوطني لتحرير الأرض وتخليص الناس من الاستعباد في كلّ بقعة يعبرونها، وكما تلقينا بغصّة وداع أوائل شهداء الثورة، وداع وفد جديد من ثوار صادقين رحلوا وهم يحملون الأمل بيدٍ، والبندقية في اليد الأخرى، فاستشهدوا وقدموا الدم رخيصاً لعل الحرّيّة لسواهم تكون المكسب الذي يتحقق، ولأجل ذلك كلّه تفاءل أصحاب الأرض، ومنهم من بالغ بتفاؤله ففكر بامتداد جغرافي يجعل الأخضر يمتد في كل سورية، وذاك حلمٌ محق، لكن نبع السّلام لن يسقي كل تلك الأرض، الواقع والحقائق هي التي تقول ذلك.

خَبر السوريون الاتفاقيات الدولية في سورية، ومسائل الهُدن الكاذبة، وكيف تخمد نيران القصف والقتل وتهدأ المجازر قليلاً ثم تعاود الكرّة فجأة

على الجانب المقابل هناك من أغرق بالتشاؤم، واعتبر الحملة وبالاً على السوريين، وهذا حقه أيضاً، فحماية تركيا لحدودها أمر يصب في مصالحها فقط، وأي شريط أخضر هو محض وهم، وبأن الحملة حققت مكاسب للنظام أكثر مما حققته من مكاسب للثوّار، وقد خَبر السوريون الاتفاقيات الدولية في سورية، ومسائل الهُدن الكاذبة، وكيف تخمد نيران القصف والقتل وتهدأ المجازر قليلاً ثم تعاود الكرّة فجأة، ليعود التفاوض على أرضٍ جديدة، ليشعر كل إنسان سوريّ بأنه كُرة في ملعب يتقاذفها الجميع، وقد سُلبت منها الإرادة، وباتت محتلّة الأركان فاقدة معنى الوجود، مسلوبة روح الثّورة.

وإن تساءلنا بموضوعيّة تامّة من نلوم؟ سيكون من العبث أن نلوم دولاً ترعى مصالحها، وترعى حدودها، وتسعى لتدعيمها بكل السّبل الممكنة، وسيكون من الظّلم أن نتابع جلد أنفسنا بعد كل التضحيات والدماء المقدّمة، وسيكون من العقل أن نفكّر بمصالح سورية، وأن نصبّ جهودنا في إيجاد كل المكتسبات الممكنة من التحركات الدولية الحاصلة على أرضنا، علينا أن نثبّت أماكننا، ونلمّ شتاتنا، ونحدد أهدافنا واضحة، وعلى ضوئها تغدو تحركاتنا وتحالفاتنا ومواجهاتنا واضحة المغزى، واضحة المعنى، عبرها تثبت إرادة الشعب، ويكون التفاؤل منطقياً باجتماع بعد شتات، وقوّة بعد ضعف، ويكون التشاؤم حافزاً لتدارك نقاط الضعف، دافعاً للتغيير، بدل من أن نكون أداة على أرضنا نصنع أدواتنا، ونستعيد كياننا المهدد بالتلاشي، الأمر الذي يتطلب جدّيّة وصدقاً وتضحية، ويتطلب منّا  أن نؤمن أكثر بقضيتنا، فلا نتخلى عنها بل نرسّخها أكثر، ونحول إيماننا بها إلى واقع.

السّلام الحقيقي لسوريا لن ينبع إلا من السوريين أنفسهم، والمناطق الآمنة لن تكون آمنةً بالمطلق، ما داموا يفتقرون إلى أدنى مقوّمات خلاصهم، والبؤس لن يُرفع عن شعب، والقهر لن يتلاشى، والكرامة لن تُستردّ إلا بأيديهم وحدهم، ولأجل نبعِ سلام كهذا فلنقاتِل.