كيف ينظر التحالف الجديد للمعارضة إلى ملف السوريين في تركيا؟

2022.02.24 | 05:35 دمشق

6-lider-bir-arada-muhalefetin-tarihi-14730535_108_m-1.jpg
+A
حجم الخط
-A

من المعلوم أنه يخيم على المشهد السياسي في تركيا تحالفان رئيسيان؛ هما تحالف الجمهور ويضم حزبي العدالة والتنمية الحاكم وحليفه الحركة القومية، مقابل تحالف الأمة المعارض الذي يضم أحزاب الشعب الجمهوري والجيد والديمقراطي. وبدورهما يتنافس هذان التحالفان على انتخابات توصف بالمصيرية العام المقبل 2023.

اللافت في الأمر هو أن تحالف المعارضة والذي يتجه نحو توسيع دائرته منذ وقت طويل، عقد السبت 12 شباط الجاري اجتماعاً ضم إلى جانب الأحزاب المعارضة الثلاثة؛ ثلاثة أحزاب معارضة أخرى هي السعادة، والديمقراطية والتقدم، والمستقبل، ومن المعروف أن هذه الأحزاب توصف بالمحافِظة فالسعادة هو حزب الراحل نجم الدين أربكان، وحزبا الديمقراطية والتقدم، والمستقبل انبثقا عن حزب العدالة والتنمية عام 2019/2020.

هذا الاختلاف أو التنوع في تحالف المعارضة لا شك أنه أثار جدلاً واسعًا حول متانة هذا التحالف وإلى أي مدى يمكن أن يستمر أو يتسلم بالفعل زمام السلطة

هذا الاختلاف أو التنوع في تحالف المعارضة لا شك أنه أثار جدلاً واسعًا حول متانة هذا التحالف وإلى أي مدى يمكن أن يستمر أو يتسلم بالفعل زمام السلطة فيما لو فاز في الانتخابات المقبلة، لا سيما أن القاسم المشترك الرئيسي والأهم بالنسبة لجميع هذه الأحزاب على ما يبدو هو الإطاحة بالعدالة والتنمية وأردوغان بالدرجة الأولى.

على سبيل المثال يتفق جميع قادة هذه الأحزاب على ضرورة العودة إلى النظام البرلماني وإنهاء النظام الرئاسي الذي بدأه أردوغان فعلياً منذ فوزه في انتخابات حزيران 2018، بعد إقرار هذا النظام في استفتاء جرى في نيسان 2017، لكن هل يتفق هؤلاء القادة على المسائل الأخرى الشائكة سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية؟

وفي هذا السياق نتساءل حول مدى توحّد وجهات نظر هذه الأحزاب الستة إزاء ملف السوريين في تركيا، في ظل وجود انقسام قوي في الأيديولوجية التي يتبانها كل حزب من جهة، والتصريحات أو الرؤى الصادرة عن هذه الأحزاب فيما يتعلق بوجود السوريين ومصيرهم وجوانب أخرى مثل التطبيع مع النظام السوري وإنهاء الوجود العسكري التركي في الداخل السوري من جهة أخرى.

في حين يصرّح الشعب الجمهوري والجيّد في العلن أنهما متفقان على ضرورة ترحيل السوريين إلى بلادهم بعد التطبيع مع النظام السوري ورأسه بشار الأسد، لا نرى هذه الحدة مثلاً في تصريحات أحزاب السعادة، والديمقراطية والتقدم بقيادة علي بابا جان، والمستقبل بقيادة أحمد داود أوغلو.

في حين يصرّح الشعب الجمهوري والجيّد في العلن أنهما متفقان على ضرورة ترحيل السوريين إلى بلادهم بعد التطبيع مع النظام السوري ورأسه بشار الأسد

وخاصة الحزب الأخير أي حزب داود أوغلو الشخصية البارزة سابقاً في العدالة والتنمية وهو رئيس الوزراء السابق، وموقفه المتعاطف مع السوريين وقضيتهم واضح للغاية.

لكن المحك هنا فيما لو نجح هذا التحالف الجديد بأحزابه الستة، هو الثقل الذي يتمتع به كل حزب من هذه الأحزاب، بمعنى آخر؛ ليس من المهم فقط موقف الحزب ما لم نقرنه بثقله على صعيد القاعدة الانتخابية والأصوات التي يحصل عليها وبالتالي التأثير الذي يمكن أن يتمتع به للحديث في أي ملف خلافي مع الأحزاب الأخرى.

حين النظر إلى ثقل الأحزاب المتعاطفة مع السوريين داخل هذا التحالف، نجد أن أحزاب السعادة والديمقراطية والتقدم والمستقبل جميعها لا تكاد تتجاوز نسبة 1% فقط من مجموع الأصوات في تركيا، وفي المقابل تتراوح نسبة أصوات الشعب الجمهوري والجيّد ما بين 35 إلى 36% بحسب استطلاعات الرأي الحديثة ونظرًا لما حازه الحزبان في آخر انتخابات برلمانية جرت في حزيران 2018.

إلى جانب ذلك، الوعود التي قد يقدّمها الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة لهذه الأحزاب المعارضة الصغيرة "المحافِظة" قد تسلبها قدرة التأثير بل والاعتراض أو حتى النقاش في ملفات كبرى مثل موضوع السوريين والتطبيع مع النظام السوري والانسحاب من سوريا وإنهاء العمليات شمالي العراق وما شابه.

فحزب السعادة يهمّه حجز مقعد أو معقدين في البرلمان من خلال حزبي الشعب الجمهوري والجيد، وزعيم الديمقراطية والتقدم بابا جان يهمّه الحصول على حقيبة وزارة الاقتصاد والمالية، أما زعيم المستقبل داود أوغلو فقد يكون طامحًا للحصول على حقيبة وزارة الخارجية لكن لا يُعتقد أن الشعب الجمهوري سيتحمس لتسليمه هذه الوزارة.

هذا المشهد الضبابي للتحالف الجديد للمعارضة الذي توحّد على مسألة العودة إلى النظام البرلماني، يعود بالذاكرة لما عاشته تركيا في ظل حقبة التسعينيات من القرن الماضي، حيث أنهكتها الحكومات الائتلافية والصراعات بين الأحزاب في الحكومة الواحدة، بل والصراع بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية.

هذا المشهد الضبابي للتحالف الجديد للمعارضة الذي توحد على مسألة العودة إلى النظام البرلماني، يعود بالذاكرة لما عاشته تركيا في ظل حقبة التسعينيات من القرن الماضي

ولعل هذا الاستحضار للذاكرة بحد ذاته قد يولّد بالفعل هاجسًا لدى غالبية الشعب التركي حول مدى قدرة هذه الأحزاب الكثيرة المختلفة فيما بينها على أن تتبلور وتتوحد ضمن خريطة سياسية مشتركة تجعل الجميع راضيًا غير معترض.                                                                                                            

وهذا يعني أن هذه الأحزاب ليست غير موحّدة الرؤى على جميع الملفات فحسب، بل إلى الآن لا تتمتع بتحالف قوي متين بنظر معظم الناخبين الأتراك، وبالتالي فإن مسألة اجتماع هذه الأحزاب كلها على قرار موحد يتعلق بالسوريين يعدّ أمرًا صعبًا.

لكن من ناحية أخرى، وفي حال تجاوزت هذه الأحزاب عقدة التباين الموجود واستطاعت أن تبرهن للناخب التركي أنها متماسكة، فقد تضطر هنا للسعي إلى تقريب وجهات النظر فيما يتعلق بمسائل شائكة من ضمنها ملف السوريين، لكن كيف يمكن أن يتم ذلك؟

هذا الخيار يمكن أن يترجم إلى تنازل كل حزب عن نقطة ما سعيًا في الوصول إلى خيار تلتقي عنده كل الأحزاب، فعلى سبيل المثال لو فازت المعارضة بالسلطة وفق هذا التحالف الانتخابي الجديد وسارت على مبدأ الابتعاد عن الاصطدامات فلن نشهد إذن تحقيق الوعود التي يصرّح بها الشعب الجمهوري والجيّد مثل ترحيل السوريين خلال عامين إلى سوريا والتطبيع مع النظام السوري، وبدلاً من ذلك تلجأ السلطة الجديدة إلى مزيد من التضييق على السوريين وسن قوانين جديدة تتمحور حول آلية الإقامة في المدن التركية، والعمل وفتح المشاريع وتشغيل العمال السوريين، وما شابه من نقاط أخرى.

وقد تستعيض هذه السلطة عن رؤيتها بالتطبيع مع النظام السوري بتشكيل لجنة خاصة لمعالجة الملف السوري مع اللاعبين المحليين والدوليين، بهدف المساهمة في صياغة حل يضمن -بحسب نظرها- تحقيق حل سياسي يمكّن السوريين من العودة لبلادهم بطريقة لا تدع للأحزاب الأخرى مجالاً للاعتراض.

طبع هذه السيناريوهات وغيرها الكثير مرشحة للتحكم بالمشهد المقبل في تركيا، فيما لو تمكنت المعارضة من الوصول إلى السلطة

بالطبع هذه السيناريوهات وغيرها الكثير مرشحة للتحكم بالمشهد المقبل في تركيا، فيما لو تمكنت المعارضة من الوصول إلى السلطة، لكن وصولها للسلطة ليس أمرًا مضمونًا حتى الآن، لا سيما مع غياب حزب الشعوب الديمقراطي المعارض عن اجتماعها الأخير، وهو حزب برلماني يتمتع بأكثر من 11% من مجموع الأصوات في تركيا، فضلًا عن معارضته للتصريحات "العنصرية" ضد السوريين من قبل أحزاب المعارضة.

يمكن أن نخرج بخلاصة من هذا المشهد المعقد والمتشابك، وهي أن ملف السوريين يحتل أهمية في برنامج المعارضة، لكن هذه المعارضة مضطرة لعقد تحالف كبير يجمع شتى الأحزاب من أجل مواجهة العدالة والتنمية وأردوغان، وبالتالي فإن مسألة توحّدها على قرار موحد بخصوص السوريين هو أمر مستبعد للغاية.