قال الأسير السوري المحرر وئام عماشة، إن سكان الجولان اليوم يعيشون في ظل الاحتلال الإسرائيلي وتنكر الدولة الوطنية التي يسيطر عليها النظام السوري للاهتمام ومتابعة شؤون مواطنيه القابعين تحت حكم الاحتلال، مؤكداً أن هناك تخوفاً كبيراً من التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية بهدف ضم مزيد من الأراضي وسط صمت مطبق من النظام السوري.
وأضاف عماشة في حوار خاص مع موقع "تلفزيون سوريا"، أن إسرائيل احتلت الجولان عام 1967 بذرائع حماية مستوطنات الجليل وأن هناك قوى سورية تشكل خطراً عل المستوطنين، فاقتضمت الجولان من سوريا، واليوم بدعم أميركي، تتحدى إسرائيل قرارات الأمم المتحدة وتعتبر أن هذه الأرض إسرائيلية ولن تتنازل عنها. الآن، يتكرر هذا المسلسل في التوغل بالأراضي السورية، هنا مكمن الخوف الأكبر حالياً.
وأشار عماشة إلى أن الناس في الجولان كانوا يظنون أنهم بعيدون عن الحرب، إلا أن القصف الإسرائيلي الذي استهدف قرية مجدل شمس ومقتل الأطفال وضعهم في منتصفها، وهذه المصيبة تمس كل بيت وشخص في الجولان المحتل.
ويرى كذلك أن الصاروخ الذي سقط فوق ملعب كرة قدم في الجولان أطلقه حزب الله ضد نقطة عسكرية في جبل الشيخ لكن بالخطأ سقط في الجولان وحاولت إسرائيل أن تستغل هذه الحادثة لإشعال فتنة بين الدروز والشيعة في لبنان.
ولفت الأسير المحرر إلى أن السوريين في الجولان الذين لم يقبلوا الحصول على الجنسية الإسرائيلية ورفضوا كل محاولات الاحتلال تجنيدهم لصالحها يعيشون حروباً متعددة، وليس فقط في الحرب القائمة داخل إسرائيل بعد السابع من أكتوبر. الموضوع أعمق من ذلك بكثير. المجتمع الجولاني الذي ينتمي إلى المجتمع السوري والوطن السوري، يعيش حالة من الإحباط والارتباك، سواء في صياغة هويته الثقافية أو في أفكار الانتماء التي تبناها هذا المجتمع لعقود طويلة. هذه الحرب، بتقديري، ستكون مفصلية في تاريخ شعوب المنطقة، وليس فقط في تاريخ أبناء الجولان.
وعن الحراك الشعبي في السويداء قال عماشة: لقد أثبت المجتمع في السويداء انتماءه الوطني ورفضه لكل أشكال الانفصال التي يروج لها النظام السوري، ببساطة مجتمع متصالح مع الحالة الوطنية السورية، ولم تكن مفاجأة أن نشهد هذه المظاهرات هناك، فهي جزء من حقيقتهم وانتمائهم لسوريا وثورتها ضد النظام.
وشدد على أن النظام السوري، من خلال سياساته القمعية وممارساته الديكتاتورية، جعل المجتمع يشعر بأنه لا خيار له سوى التحرك والمطالبة بالتغيير. هذا الفعل كان ضرورة أمام انسداد الأفق السياسي، واستمرار مصادرة حقوق المواطنين.
من هو وئام عماشة؟
في 18 تشرين الأول عام 2011، عاد الأسير السوري وئام عماشة إلى قرية بقعاثا الجولانية، مثلما أراد أن يعود، على وقع هتافات مناهضة للنظام السوري ومؤيدة لشعارات الثورة السورية هاتفاً: "يا درعا حنا معاكي للموت"، و"السوري يرفع إيدو بشار ما منريدو" و"الله سوريا حرية وبس".
ويعد عماشة من الناشطين السوريين المنخرطين بقوة في الثورة السورية منذ انطلاقتها عام 2011، حيث كان ما يزال في سجون الاحتلال، قبل أن يخرج في صفقة "وفاء الأحرار" (صفقة شاليط) التي عملت عليها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" مع الاحتلال الإسرائيلي.
اعتقلت قوات الاحتلال عماشة بتهم تشكيل خلية لمناهضة الاحتلال والارتباط بمنظمات محظورة، والتخطيط لعملية اختطاف جندي إسرائيلي، وهو ما كانت نتيجته إصدار حكم بسجنه لمدة 21 عاماً ونصف العام عام 2005.
وقبل خروجه من سجون الاحتلال رفض عماشة أن ترفع صورة بشار الأسد في حفل استقباله، وفي رسالة نقل مضمونها محاميه، جزم الأسير قبل تحريره بأن "الثورة السورية هي صاحبة رؤية تغيير شكل الحكم من نظام الحزب الواحد الشمولي الى دولة مدنية حديثة ديمقراطية تضمن مشاركة الشعب"، مؤكداً أن "النظام السوري لديه ازدواجية بالمعايير، فمن ناحية هو يدعي حماية المقاومة، ومن ناحية أخرى يقمع ويقتل ويسلب الحريات".
للاطلاع على الحوار كاملاً مع الأسير المحرر وئام عماشة:
1- سنبدأ حوارنا من التطورات الأخيرة الحاصلة على تخوم الجولان السوري المحتل، حيث دخلت القوات الإسرائيلية إلى المناطق منزوعة السلاح وتوغلت لعدة كيلومترات في الأراضي السورية، كيف يرى أبناء الجولان هذا التحرك؟
مجتمع الجولان مغلوب على أمره، يعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي وتجاهل النظام السوري، مما يضعف أثره، وبما يخص التطورات الأخيرة منذ أن أصبحت إيران وحزب الله نشطين على امتداد خط وقف إطلاق النار مع الجولان السوري المحتل، بدأ الحديث والنقاش والإعلام الإسرائيلي يدور حول خطة إيرانية لدخول هذه المجموعات من المقاتلين على نمط ما حصل مع قطاع غزة في السابع من أكتوبر.
الآن، تحت هذه الذرائع، تدخلت القوات الإسرائيلية في المناطق منزوعة السلاح، وتفتح في الشريط بوابات مؤقتة وتدخل بعتاد ثقيل، وهذا ما يشاهده الناس بعيونهم في المنطقة.
هذه الأمور تحدث تحت ذرائع أمنية وتحصينات أمنية. وللحقيقة، هذه التحصينات الأمنية نحن نعيشها في شوارعنا، في قرانا، مع الوجود العسكري الإسرائيلي في المناطق القريبة من خط وقف إطلاق النار. المنطقة تعيش حالة حرب بكل تفاصيلها.
نلاحظ غياباً تاماً للنظام السوري بما يتعلق بالاختراقات الإسرائيلية، النظام خارج التغطية تماماً، وكأن النظام لا يعير أي اهتمام لما يحدث في المنطقة، حتى مع حلفائه. طبعاً، هذا إذا دل على شيء فإنه يدل على الاحتلالات الجديدة والسيطرة الجديدة داخل سوريا لإيران والقوات الحليفة لها.
النقطة الثانية هي الحكومة الإسرائيلية الحالية. فعلى مر سنوات عديدة، اتخذت منحى اليمين ثم اليمين المتطرف. الآن وصلنا إلى حكومة يسيطر فيها أفراد يصرحون علناً بأن مشروعهم التوسعي الاستيطاني الاحتلالي قائم، ولأجله ترتكب كل تلك المجازر والاعتداءات، الموضوع لم يعد مخفياً. الآن الخوف هو من قضم أراضٍ أخرى من الأراضي السورية وتوسيع مناطق النفوذ الأمني والعسكري لإسرائيل تحت ذريعة الحزام الأمني والتحصينات الأمنية. الجولان في عام 1967 احتُلت تحت الذرائع نفسها.
2- كانت حادثة قصف ملعب كرة القدم بمجدل الشمس ومقتل الأطفال 12 بمنزلة محاولة غير بريئة لإدخال الجولان في خضم المعركة، هل تم التوصل إلى أي نتائج بما يخص مقتل هؤلاء الأطفال؟
سكان الجولان المحتل تعرضوا لكارثة غير مسبوقة إثر سقوط صاروخ على ملعب في مجدل شمس ومنطقة تعج بالأطفال ما تسبب بمقتل 12 طفلاً، هي مأساة حقيقية طالت كل بيت في هذا المجتمع. الجولانيون عاشوا لفترة طويلة وكأنهم بمنأى عن النزاعات في المنطقة، لكن هذه المأساة جاءت من أوسع الأبواب. حتى الآن، يتساءل الناس كيف حدث هذا.
على المستوى السياسي، هناك إنكار من حزب الله لمسؤوليته عن إطلاق الصاروخ، بينما تتهمه إسرائيل بشدة. يبدو أن إسرائيل تسعى لإثارة الفتنة بين دروز لبنان وحزب الله، لكن الجولانيين يرفضون استغلال هذه الحادثة لأغراض سياسية.
برأيي، حزب الله غير معني بقصف قرى درزية، وما حدث هو خطأ في استهداف مرصد جبل الشيخ، إذ إن الأخطاء شائعة في الحروب.
3- مر أكثر من عام على بدء الحرب في غزة وتأثيراتها على كل المحيط، كيف ترون انعكاس ذلك على الجولان السوري؟
المجتمع الجولاني، كغيره من المجتمعات، يمر بفترة صعبة نتيجة للخيبة والخذلان على جميع المستويات. يعاني هذا المجتمع من فقدان وسائل التواصل مع السلطة (النظام السوري) وعاجز عن تنظيم نفسه، ما أدى إلى ضعف عام فيه. التغييرات في سوريا، مثل التهجير والتغيير الديموغرافي، أثرت بشكل عميق على الجولانيين، مما زاد شعورهم بالخذلان.
السؤال المطروح الآن هو كيف ستنتهي الحرب؟ إسرائيل تستهدف حماس وحزب الله، لكنها سكتت عن تطورهم العسكري في السابق بسبب ضغوطات لتغيير نظام الحكم داخلها. إذا استمرت الحكومة الإسرائيلية الحالية في الحكم، فقد نشهد استمرار التوترات، خاصة أن الكراهية بين العرب واليهود داخل دولة الاحتلال في أوجها، بسبب التصرفات الإسرائيلية من استيطان واعتداءات وظلم، نحن في دولة عنصرية قمعية ذات نظام ديمقراطي!.
4- في منتصف آب 2023، خرج حراك شعبي ضخم في محافظة السويداء طالب بإسقاط النظام وما زال مستمراً إلى اليوم، كيف تفاعل أبناء الجولان مع هذا الحدث الكبير في جنوبي سوريا؟
في الواقع، هذا الحراك مستمر منذ أكثر من خمسة عشر أو ستة عشر شهراً. بغض النظر عن التفاصيل، هذا الحراك بدأ يتشكل تدريجياً، وهناك قوى عديدة حاولت العبث به. ولكن، برأيي، الحراك نجح في تجنب هذه المحاولات. يبدو أن القائمين على هذا الحراك يتمتعون بمستوى عالٍ من الوعي والثقافة والانتماء الوطني.
لا يمكن فصل ما يحدث في السويداء عن السياق الأوسع في سوريا. سياق الثورة السورية، العديد من الناس يتساءلون اليوم: لماذا لم تشهد السويداء حراكاً قوياً في بداية الثورة؟ كان الحراك في السويداء خجولاً في البداية، محدوداً بعدد من الناشطين، وذلك بسبب طبيعة النظام السوري، الذي قام على التحالفات وإعادة تشكيل المجتمعات بما يتناسب مع شكل الحكم الديكتاتوري. هذا النظام كان يهدف إلى مجتمع خالٍ من المؤسسات المدنية أو أي نشاطات مستقلة، وركز على استخدام المؤسسات الحزبية في تبجيل وتقديس القائد الأعلى، الذي كان يُعامل وكأنه مفروض قدراً على المجتمع السوري.
هذا النمط من الحكم السوري هو ما أدى إلى التأخر في النهوض بالسويداء، ولكن هذا المجتمع هو جزء أصيل من النسيج الوطني السوري. على مر التاريخ، أثبت المجتمع في السويداء انتماءه الوطني ورفضه للانفصال. هو مجتمع متصالح مع الحالة الوطنية السورية، ولم تكن مفاجأة أن نشهد هذه الحركة الاحتجاجية هناك، فهي جزء من حقيقتهم.
بالرغم من المحاولات التاريخية لفصل السويداء عن سوريا، فإن الحراك في السويداء يكشف كثيراً من الأمور عن المجتمع السوري جميعاً. هذا الحراك ألقى الضوء أيضاً على جوانب مهمة فيما يتعلق بالمجتمع الجولاني، مما سمح برؤية أعمق للتحديات المشتركة التي تواجه هذه المجتمعات في ظل النظام السوري.
5- بعد 13 عاماً من انطلاق الثورة السورية ورغم كل تعثراتها، كيف يرى أبناء الجولان ذلك الحدث الذي غير معالم البلاد في ظل الحرب الشعواء التي قادها النظام بدعم روسي إيراني؟
اليوم، نجد مجتمع الجولان في قلب الحدث وفي أجواء التوتر، وهذا يعزز الإحساس بأن ما حدث في سوريا كان أمراً حتمياً. الثورة السورية في بداياتها كانت ضرورة نتيجة لسلوك النظام القمعي والديكتاتوري، الذي قام بمصادرة الدولة من أيدي الشعب وقمعه، وتحقير القيمة الحضارية والثقافية والإنسانية لهذا الشعب.
سوريا، التي لطالما كانت موطناً لحضارات عظيمة، تستحق أن تكون اليوم في مصاف الحضارات المتقدمة. ومع ذلك، ما حدث خلال السنوات العشر الماضية من قمع واستبداد أدى إلى إعادة صياغة المفاهيم العامة المتعلقة بالانتماء الوطني وحقوق المواطنين. لقد اضطر الناس إلى إعادة التفكير في حقوقهم وفي حقهم في العيش بكرامة وأمان، وهو ما أدى إلى هذه التحولات العميقة في المجتمع السوري.
هذه التحولات لم تكن مجرد رد فعل على العنف والقمع، بل كانت ضرورة لإعادة بناء هوية وطنية قائمة على العدالة والحرية والكرامة.
6- إلى اليوم يتمسك معظم أبناء الجولان السوري بجنسيتهم السورية رافضين الحصول على الجنسية الإسرائيلية على عكس الدروز في فلسطين، ولكن هناك نسبة قبلت بذلك كيف يتم التعامل مع خيارات أولئك الأشخاص محلياً؟
تأثير التغييرات السياسية والاجتماعية الحاصلة في المجتمع الجولاني وما يصاحبها من حالة إحباط عام وظروف غير مألوفة، خاصة فيما يتعلق بحالة (أسرلة الجولانيين) والاندماج في هذه القضايا. برأيي، هذا الوضع يقود المجتمع نحو هاوية معينة، حيث يظل البحث عن الأمن والأمان هو الدافع الأساسي لكثير من الناس في هذا المجتمع في ظل التوتر الأمني بالمحيط. كان هناك شعور عام في المجتمع الجولاني بأنهم أكثر أماناً من غيرهم بسبب وجودهم تحت الاحتلال. ومع ذلك، من يتابع التطورات السياسية يدرك أن الأمور تسير نحو حالة من الانفجار.
في عام 1981، رفض أكثر من 90 في المئة من أبناء الجولان السوري المحتل الجنسية الإسرائيلية. ولهذا، أصبح معظم السكان يحملون وثيقة سفر تعرّف جنسيتهم بأنها "غير محددة" أو "بدون" فلا هم إسرائيليون ولا هم سوريون.
كما ذكرت سابقاً، حرب السابع من أكتوبر جاءت بعد إنذارات كثيرة حول احتمالية نشوب صراع داخلي في إسرائيل، حتى التعامل بين المجتمع العربي والمجتمع اليهودي أصبح أكثر توتراً، والكراهية والعنصرية التي زرعها اليمين الحاكم في إسرائيل عززت هذا التوتر. مثلاً، خطاب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي دعا فيه إلى تشجيع العرب على الهجرة باعتبارها "أمراً أخلاقياً بدرجة مقدسة" يعكس مدى ترسيخ هذه الكراهية.
حتى الطائفة الدرزية في فلسطين على عكس أبناء الجولان، التي كانت متصالحة تاريخياً مع دولة إسرائيل ومشاريعها الاحتلالية منذ الخمسينيات، شهدت توتراً قاسياً جداً قبل الحرب، وكانت على مشارف الانفجار. هذا التوتر نتج عن التمييز ضد هذه الأقلية وحرمانها من حقوقها الأساسية، مثل المياه والكهرباء والتطوير العمراني بشكل منظم، وهي حقوق يتمتع بها المجتمع اليهودي. هذا التمييز خلق حالة من الغضب والتوتر قاسية جداً تجلت بشكل واضح قبل الحرب، حيث ظهرت مجموعات من الشباب الدرزي في بعض القرى والمناطق الفلسطينية المحتلة متحديةً دولة إسرائيل، ومحاولين بناء مشاريع خاصة بهم.
الفرق بين الطائفة الدرزية وباقي المجتمع العربي هو أن الدروز يشغلون مناصب داخل الدولة الإسرائيلية، سواء في الجيش أو الشرطة أو الأجهزة الأمنية، مما يجعل حالة التوتر والتمرد خطيرة وقد تؤدي إلى انفجار ليس من السهل السيطرة عليه فيما بعد. هذا الوضع يعكس مدى تعقيد القضية الدرزية داخل إسرائيل.
الحرب الحالية في إسرائيل ليست فقط غير مسبوقة، بل يمكن القول إنها حمت إسرائيل من انفجار داخلي كان قاب قوسين أو أدنى. السؤال الآن هو: هل سينتهي هذا الخطر مع انتهاء الحرب وتغيير بعض عناصر الحكومة الحاكمة، أم سيستمر الصراع الداخلي بين الفئات المختلفة داخل المجتمع الإسرائيلي؟
هذا التوتر الداخلي يعكس الخطر الذي يواجهه المجتمع الإسرائيلي على المدى الطويل، ويتطلب إصلاحات جوهرية لتجنب مزيد من التدهور والانفجار الاجتماعي والسياسي.