icon
التغطية الحية

كيف يمكن ملء الفراغ في السياسة الأميركية تجاه سوريا؟

2022.09.13 | 16:35 دمشق

الرئيس الأميركي جو بايدن - المصدر: الإنترنت
الرئيس الأميركي جو بايدن - المصدر: إنترنت
هوفر إنستتيوشن | جويل رايبورن - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

كتب جويل رايبورن مدير المركز الأميركي لدراسات بلاد الشام والذي شغل مناصب عسكرية ودبلوماسية عديدة، كان من بينها المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، حول الملف السوري في السياسة الأميركية، وفيما يلي نص مقالته التي نشرت حول هذا الموضع على موقع مؤسسة هوفر:

بعد مرور أكثر من عام ونصف على الوصول لسدة الرئاسة، ماتزال إدارة بايدن تتجنب وبشكل دؤوب وضع سياسة خاصة بسوريا، فقد عاد من خدموا أيام إدارة أوباما ممن تأسفوا على استثمار حزمة سياسات مهمة في سوريا بين عامي 2011 و2016 إلى مناصبهم في كانون الثاني 2021 وهم يعتقدون على ما يبدو بأنه في حال أغمضت الولايات المتحدة عينيها عن الأزمة السورية، فإن النزاع السوري عندئذ لن يغدو قادراً على رؤيتها، وللأسف لا يمكن للعالم أن يجبر قوة عظمى على التصرف بغير هذه الطريقة، وعليه فإن التظاهر بعدم رؤية المخاطر لا يمكن أن يخفيها.

إن المخاطر نفسها التي أجبرت إدارتي ترامب وأوباما على تبني نهج عدم التدخل تجاه سوريا ماتزال قائمة، إذ يمكن لكل من الإرهاب والإبادة الجماعية، واللاجئين، والأسلحة الكيماوية ومعتقلي تنظيم الدولة داخل السجون السورية في منطقة هشة بشمال شرقي سوريا، وعدوان النظام الإيراني، وسباق القوى العظمى الذي يشمل روسيا، والنزاع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، أن يصعّد النزاع إلى نزاع إقليمي أو دولي داخل سوريا خلال أي أسبوع.

مشكلات ومبادرات محدودة

وإزاء تلك المجموعة الواسعة من المشكلات التي اختارت إدارة بايدن أن تضيق تركيزها عندما تنظر إليها، وذلك عبر الاحتفاظ بالأهداف التي ذكرها الأسلاف في خطاباتهم، مع عدم تطبيق أي مخطط أو وسيلة لتحقيق أي منها، خلا مكافحة الإرهاب والمساعدات الإنسانية، فإن ما اتخذته الولايات المتحدة من إجراءات أتى بشكل غير مترابط، فقد كانت ليندا غرينفيلد مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة متحمسة وهي تحاول أن تحافظ على تدفق المساعدات الإنسانية إلى سوريا، كما أن قائد القيادة الوسطى الأميركية، الجنرال إيريك كوريلا، ميال لوقف هجمات إيران على جنوده في الداخل السوري. إلا أن هاتين المبادرتين بقيتا منفصلتين دون سياسة شاملة حول سوريا تجمع بينهما، وتشرف عليهما.

إن نهج عدم التدخل الذي اتبعته إدارة بايدن يكبدها تكاليف بديلة طائلة ناهيك عن الأخطار التي تهدد جوانب أخرى لتلك السياسة، إذ بصرف النظر عن جهود كوريلا الأخيرة لوقف الهجمات الإيرانية على القواعد الأميركية، فإن الملف السوري يعاني من تفكك وانفصال عن سياسة الإدارة الأميركية الأوسع تجاه إيران. فالضغط الذي يمكن أن يستخدم مع النظام المتمرد في طهران لم يستخدم أبداً مع الديكتاتور المتوحش السوري بشار الأسد، ما يعني انفصال سوريا  بشكل غريب عن السياسة الأميركية الأوسع حيال روسيا وأوكرانيا، حيث لو تم التعامل مع الأسد بالقوة التي استخدمت حيال هذا الملف، لكان بوتين قد شعر بذلك الضغط هو أيضاً.

فرص ضائعة

قليلون في واشنطن من يقولون أو يفعلون شيئاً حيال المخاطر الأخرى التي تأتي من سوريا لتهدد الحلفاء المقربين من الولايات المتحدة. إذ إن الحملة المستمرة التي يقوم بها النظام الإيراني لتحويل سوريا إلى قاعدة عسكرية تابعة للحرس الثوري الإيراني تجبر سلاح الجو الإسرائيلي على شن غارات على مواقع إيرانية في الداخل السوري مرات عديدة في الأسبوع الواحد. فقد تسببت تلك الغارات بحدوث أزمة دولية قبل عام 2011 ولكنها اليوم لم تعد ترد في الأخبار إلا لماماً. ثم إن التقارب الذي حدث مؤخراً بين إسرائيل وتركيا بعد مرور عقد على انقطاع العلاقات لا بد أن يحمل بين ثناياه فرصة للولايات المتحدة حتى تقدم مساعدتها لهاتين الدولتين الحليفتين في مجال تنسيق جهودهما حول مشكلة مشتركة ألا وهي الأسد-إيران، إلا أن إدارة بايدن لا رغبة لديها للقيام بذلك. وبالنسبة للحدود السورية الجنوبية، ألفى الأردن نفسه بمفرده وهو يخوض حرباً عنيفة على الحدود مع نظام الأسد ومسلحي حزب الله الذين يدفعون بكميات هائلة من المخدرات عنوة لتمر بالأردن ومنها إلى الخليج. أما على الحدود السورية الشمالية، فقد دخلت السياسة الأميركية المكوكية التي سعت قبل عام 2021 لإنهاء النزاع الخطير بين تركيا وحزب العمال الكردستاني أو التخفيف من حدته، مرحلة السبات. ولهذا فإن اليد التي مدتها تركيا للأسد مؤخراً أتت بسبب نقمة تركيا على هذا النزاع القائم على الحدود، وفي ذلك دليل على ما يمكن أن يحدث عندما تخلف الولايات المتحدة فراغاً في القيادة، إلا أن تركيا ليست وحدها هي أيضاً، وذلك لأن حلفاء آخرين للولايات المتحدة في كل من أوروبا والعالم العربي عبروا بالسر عن نقمتهم تجاه عدم تحرك الولايات المتحدة ولهذا أخذ كل من هؤلاء الحلفاء يبحث عن حلول خاصة به والتي قد تتوافق أو لا تتوافق مع المصالح الأميركية.

قانون قيصر المعدل

وبالعودة إلى واشنطن، فإن الكونغرس نفد صبره هو أيضاً تجاه سلبية إدارة بايدن حيال سوريا، خاصة مع عدم قيام الإدارة الأميركية بتنفيذ قانون قيصر. كما حذر أعضاء بارزون في الكونغرس الإدارة الأميركية مرات عديدة حتى تكف عن تشجيعها لـ"خط الغاز العربي" الذي من المقرر أن يمر عبر الأراضي السورية وأن يدفع نفقات المرور للأسد نفسه إلى جانب مده بالغاز. لذا يرجح ظهور تدخل من طرف الكونغرس في السياسة الخاصة بسوريا عقب الانتخابات النصفية التي ستجري في تشرين الثاني القادم، فقد سبق أن أعربت أهم لجان الكونغرس عن استعدادها لتمرير قانون قيصر المعدل أي قانون "قيصر 2.0" الذي سيسد الثغرات في العقوبات، وسيحبط اتفاقية خط الغاز، وسيجعل من بعض العقوبات المفروضة على الأسد وحلفائه إلزامية، وقد تقدم مسودات لقوانين تستهدف تجارة الأسد بالمخدرات والكبتاغون وتحرم على الولايات المتحدة الاعتراف بنظام الأسد أو التعامل معه.

في ظل كل هذا، يفضل أن تقوم إدارة بايدن باتخاذ مجموعة من الخطوات ضمن تلك السياسة، وجميعها لن تكلفها أي شيء، وعلى رأسها عودة الولايات المتحدة للعب دور القيادة والحماية إزاء الأخطار التي تمثلها سوريا على المصالح الأميركية والدولية.

الحل الأول: ضغوطات اقتصادية

بادئ ذي بدء، لا بد من العودة لممارسة ضغط اقتصادي على دمشق، لأن ذلك سيقدم للولايات المتحدة أفضل فرصة لها لتجبر الأسد على إنهاء حربه ضد الشعب السوري، بما أن تلك الحرب تمثل الدافع الأساسي لكل الأخطاء المرتكبة في سوريا. كما ينبغي على الولايات المتحدة أن تطبق خطة شاملة تقطع من خلالها خطوط الإمداد الرئيسية التي ترفد الأسد بالعوائد مثل الاتجار بالكبتاغون، وسرقة مساعدات الأمم المتحدة، وإرغام المغتربين السوريين عبر الابتزاز على دفع رسوم باهظة لتجديد جوازات سفرهم ولتسجيل وثائقهم المهمة. وفيما يتصل بالمساعدات الأممية، ينبغي على إدارة بايدن والكونغرس أن يتعاونا على قطع التمويل الأميركي عن برنامج الغذاء العالمي وغيره من الوكالات التابعة للأمم المتحدة الموجودة في دمشق، إلى أن تبذل كل منها العناية الواجبة بكل شفافية حول المتعاقدين والمتعاقدين الفرعيين معها، إذ ثمة أدلة دامغة حالياً تثبت بأن عقود الأمم المتحدة تذهب بشكل رئيس لشركات واجهة مرتبطة بنظام الأسد.

ليس ثمة أي سبب منطقي يدفع الحكومة لعدم تطبيق قانون قيصر كما يتمنى الكونغرس بكل وضوح، إذ لم يطبق هذا القانون إلا بنسبة ضئيلة منذ أن وصلت إدارة بايدن إلى السلطة، ما أعطى للأسد وحاشيته المافيوية فترة استراحة من الضغوطات الاقتصادية الأميركية دون سبب واضح. ولذلك ينبغي على الإدارة أيضاً أن تتحرك ضد أي إجراء ينطوي على مخالفة للعقوبات خارج سوريا، وأبرز مثال على ذلك خطوط أجنحة الشام التابعة للأسد والخاضعة للعقوبات، والتي ماتزال تحلق لتصل إلى الإمارات والأردن والكويت وأرمينيا وغيرها من الدول على الرغم من العقوبات الأميركية المفروضة عليها، إلا أن الإمارات والأردن والكويت تعرف بأنها تخرق قانون قيصر عبر سماحها لأجنحة الشام بتنفيذ خدماتها الأرضية في مطاراتها، بيد أن هذه الدول تحسب بأن الولايات المتحدة ليست جادة حيال فرض عقوبات عليها، ولهذا قد يتطلب الأمر توجيه خطاب تحذيري لكل تلك الدول من قبل وزارة الخزانة الأميركية حتى تكف عن ذلك.

وهنا أيضاً يجب أن تطرح على الطاولة قضية الشهادة الممنوحة لمطاري دمشق وحلب من قبل المنظمة الدولية للطيران المدني، وذلك لأنه إذا كان الحرس الثوري وحزب الله يستخدمان مطارات الأسد لشن الحروب، فلماذا تمنح تلك المطارات رخصة حتى تقوم الخطوط الجوية التجارية بالهبوط فيهما؟ أي إن مهمة تسليط الضوء على إساءة استخدام هذين المطارين السوريين ستكون مهمة مباشرة إلى حد ما، وبذلك تمتنع شركات التأمين عن تغطية التكاليف التي تترتب على الخطوط الجوية التي تسافر إلى هناك.

بالنسبة للابتزاز الممارس من خلال رسوم جواز السفر الباهظة التي يفرضها نظام الأسد، فإنها ستكون خطوة إبداعية وبناءة أن تؤيد الولايات المتحدة ظهور وكالة جديدة تابعة للأمم المتحدة تقدم وثائق سفر مع تسجيل في السجلات المهمة للمواطنين السوريين وذلك للالتفاف على نظام الأسد إلى حين قيام حكومة أخرى مختلفة في دمشق. كما حان الوقت لإنهاء سياسة المعاملة بالمثل الأميركية الصارمة عند إصدار تأشيرات للسوريين. إذ بما أن الأسد يمنح الأميركيين إقامة في سوريا لمدة 90 يوماً فقط ولمرة واحدة، لذا فقد تبعته سياسة دائرة خدمات الهجرة والتجنيس الأميركية، عبر منحها لحاملي جواز السفر السوري إقامة لا تزيد على 90 يوماً في الولايات المتحدة ولمرة واحدة. ونتيجة لذلك، استطاع الأسد أن يحدد شروط سفر المعارضة السورية إلى الولايات المتحدة، بما أن معظم المعارضين يحملون جوازات سفر سورية فقط. إذ خلال فترتي في منصبي عندما كنت مبعوثاً أميركياً خاصاً إلى سوريا، واجهت صعوبات بشكل دائم وأنا أحاول أن أستضيف رموز المعارضة السورية ومنظمات المجتمع المدني في واشنطن للتشاور معها، وذلك لأن دائرة خدمات الهجرة والتجنيس الأميركية كانت ترفض في معظم الأحيان منح تأشيرة لمن سيزورها من المعارضين أو تقوم بتقييد تلك التأشيرة بلا سبب، على الرغم من وجود مصلحة أميركية جلية في التنسيق عن كثب مع المعارضة والمجتمع المدني السوري قدر الإمكان، أي إن تلك الترتيبات التي تحدث عنها جورج أورويل في كتاباته لا بد من أن تنتهي.

الحل الثاني: الضغط على روسيا وإيران

ثانياً، يجب ربط سوريا بالسياسات الأميركية الأوسع حول روسيا وإيران، فالهدف من قانون قيصر فرض عقوبات على التدخل الروسي والإيراني في سوريا، إلا أن الولايات المتحدة لم تستخدم تلك السلطة. ولذلك ينبغي على الولايات المتحدة أن تضع عمليات الرد التي اقترحها الجنرال كوريلا ضد الحرس الثوري ضمن سياستها الأوسع القائمة على ممارسة الضغط على الإيرانيين حتى يسحبوا جنودهم ووكلاءهم المقاتلين من التراب السوري، لذا من غير المنطقي تخفيف العقوبات الأميركية عن إيران بشكل كبير عبر إحياء الاتفاق النووي في الوقت الذي مايزال فيه الحرس الثوري يحاول قتل الجنود الأميركيين في سوريا والعراق.

وفيما يتصل بروسيا، يتعين على الإدارة الأميركية أن تفرض عقوباتها على كل شركة روسية وعلى قطعات الجيش الروسي الموجودة في سوريا حالياً أو تلك التي سبق أن نشطت في سوريا. كما يجب على الولايات المتحدة أن تمنع روسيا من انتزاع تنازلات عبر التهديد المستمر بالتصويت ضد تمرير المساعدات الأممية عبر الحدود إلى سوريا باستخدام حق النقض. فقد حان الوقت منذ أمد بعيد حتى تقوم الولايات المتحدة وحلفاؤها بالخروج ببديل عن المساعدات الأممية يمكن تطبيقه لإطعام ما يربو عن أربعة ملايين نسمة يعيشون في شمال غربي سوريا.

الحل الثالث: المحاسبة

ثالثاً، ينبغي على الولايات المتحدة أن تشارك وعلى الفور في تلك المساعي التي تبذلها المحاكم الأوروبية لمحاسبة نظام الأسد على جرائم الحرب التي ارتكبها وغيرها من الفظائع. إذ يجب على الولايات المتحدة أن تدعم تشكيل محكمة دولية خاصة بسوريا في لاهاي، كما سبق لإدارات أميركية أخرى أن فعلت مع المحكمة الجنائية الدولية بالنسبة لما حدث بيوغوسلافيا والمحكمة الخاصة بلبنان التي حققت في قضية اغتيال رفيق الحريري. وهنا يتعين على إدارة بايدن أن تصدر تعليماتها لوزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالية حتى يوليا قضايا المواطنين الأميركيين المغيبين في سجون الأسد أولوية خاصة.

لا يتعين على الدبلوماسية الأميركية حيال سوريا أن تستنسخ ما مورس عبثاً على يد وزراء خارجيتها ابتداء بكلينتون مروراً بكيري فتيليرسون عندما بذلوا طاقات هائلة وأمضوا ساعات طويلة وهم يتناقشون مع سيرغي لافروف دون أن يحرزوا أي شيء، بل إن ما تحتاجه الدبلوماسية الأميركية حيال سوريا هو أن تتوسع بشكل أكبر عما هي عليه اليوم. كما لا يجب على إدارة بايدن أن تفعل أشياء تكلفها كثيراً، إنما بوسعها بل يجب عليها أن تقوم بأشياء تكلفتها بسيطة أو لا تكلف شيئاً على الإطلاق. وذلك لأن سوريا لن تقف جامدة في الوقت الذي تشيح فيه القوة الأميركية العظمى بنظرها عنها. كما أن الشعب السوري بات على شفير الانفجار من جديد، نظراً لأن الحياة في كل أرجاء سوريا تقريباً أصبحت لا تطاق. وهذا الانفجار عندما يحدث يمكن أن يظهر بأشكال عديدة، فهل ستكون الولايات المتحدة وأوروبا على استعداد للتعرض للمخاطر أو الفرص التي يمكن أن تترتب على ذلك؟ إذن، من الأفضل أن نوقظ تلك السياسة من سباتها اليوم على أن ننتظر لتغرقنا تلك الكارثة فيما بعد.  

المصدر: هوفر إنستيتيوشن