كيف يمكن لسياسة اللاعنف أن تجدي نفعاً في السويداء؟

2024.11.29 | 06:46 دمشق

آخر تحديث: 29.11.2024 | 06:46 دمشق

55555555555555
+A
حجم الخط
-A

سأقارب مفهوم اللاعنف، مستخلصةً جميع التعريفات التي تناولته. وهنا أستطيع أن أقول: هو مسار لمقاربة أي نزاع كان (سياسياً، اجتماعياً، اقتصادياً، إلخ...)، أو مدرسة لإدارة أي صراع مهما كان نوعه.
إذاً، هو طريقة مغايرة للتعامل مع السلطات المستبدة، إذا كان مجموع الشعب يعيش نزاعاً مع هذه السلطة وأدواتها. وفي مرات أخرى، هو طريقة مجدية في ظل نزاعاتٍ أهلية، وقد يكون مقاومة طويلة الأمد، حين تكون النزاعات معقدة ولها خصوصية معينة.
ويرى أصحاب مدرسة اللاعنف أنه من الضروري أن يتحول هذا المفهوم إلى مفهوم مستدام أو تقليد جديد، هدفه التعاطي المختلف، والذي يمكن أن يوفر أفقاً للممكنات، وبنفس الوقت قد يظهر إمكانات، أو حساسية مختلفة للتعاطي مع أوضاع صعبة ضمن وقت معين، وتحويل هذا المفهوم إلى سياقات تحتمل دائماً التجديد والابتكار والمقاربة.

بسبب البنية النفسية العنفية، استسهلنا الذهاب إلى العنف من كلا الطرفين، مع التأكيد على أن الطبيعة العنفية للنظام هي التي كانت أشد وضوحاً ومتعمدة.

في الوضع السوري عموماً، يبدو هذا الطرح مستجداً. وقد يلعب الثقل التاريخي للعنف دوراً كبيراً في عملية سوء الفهم أو التقدم عبرهُ. فقد يتساءل كثير منا حول جدوى هذه المدرسة اللاعنفية وسط بيئة احتضنت العنف باستمرار وأنتجتهُ وأججتهُ. هذا من حيث الوضع التاريخي، الذي لعب الدور الأخطر، حسب علم النفس العام، في سيكولوجيا الجماهير التي تتصرف بردود فعل ونزق وأحياناً تصل إلى حالة الموتورية. وجغرافياً، قد تلعب الجغرافيا دوراً معوقاً في ظروف الحرب السورية، المتأزمة إلى حد غير مسبوق، اقتصادياً وديمغرافياً، عدا عن إشكاليات المشهد السوري، الذي تتصارع فيه قوى أساسية أو قوى فرعية على مناطق النفوذ.

وعندما نتكلم عن تجربة السويداء في هذا المجال، قد نحصل على نموذج سوري يطابق إلى حد كبير في الجغرافيا والتاريخ سوريا عموماً.

وفي السويداء، نستطيع أن نتخذ نموذجاً مارسه الصحفي رواد بلان. في حديث مطول حول هذه التجربة، أجاب:
لا بد من الإشارة أننا مجتمع عنيف، من التربية الأسرية، حتى نصل إلى التربية المدرسية، والخروج نحو المجتمع.
وبدأت تجربتي عبر نشر ثقافة اللاعنف، معتمداً العروض السينمائية التي توثق تجارباً لاعنفية نجحت في أفريقيا وفي أميركا اللاتينية وأوروبا، وعبر الفنون، وتم عرض تجربة غاندي وصربيا.
في سوريا، بسبب البنية النفسية العنفية، استسهلنا الذهاب إلى العنف من كلا الطرفين، مع التأكيد على أن الطبيعة العنفية للنظام هي التي كانت أشد وضوحاً ومتعمدة.

وخلال عقد من الصراع، بقيت الأطراف على مواقفها الحادة ودخلت المسألة السورية في حالة استعصاء. حاولت من خلال مبادرتي طرح اتجاه لا عنفي، وبعد سنوات شاقة من العمل المتنوع وعلى صُعد متعددة اجتماعية وفنية، استطعنا في المحافظة أن نحقق تقريب وجهات النظر بين الكتل والتيارات، وبدأ بعضهم يتقبل عملية التنازل من أجل حلول منتجة لحالةٍ على الأقل تختص بتسيير المعاملات الوظيفية والمعاشية. لكن ما يعوق توسيع سياسة اللاعنف وتعميقها هو ضعف التمويل الذي يمنع الوصول إلى المناطق البعيدة أو دعم مبادرات صغيرة يمكن أن تسهم في تخفيف وطأة الاحتدام والحدية.

وتفتقر سياسة اللاعنف إلى إعلامٍ داعمٍ، ولا يمكن إيجاد أي مؤسسة إعلامية مهتمة بذلك، ولا يوجد أي تمويل لقيام مؤسسة إعلامية معنية بذلك. فالاعتماد بكليتهِ في هذا المجال على وسائل التواصل الاجتماعي واللقاءات الفيزيائية المحدودة، لأنها لم تتجاوز نطاق مركز محافظة السويداء.

ولكن نعتقد أن أبرز نجاحات سياسة اللاعنف هو فتح أبواب للتفاوض وقبول منتج هذه الثقافة عبر العروض الفنية والحوارات. وبنينا بعض التوافقات التي أعتبرها بدايات مبشرة رغم قلتها.
وعندما كانت العروض تتكلم عن إدارة القرارات من قبل الأفراد وإدارة المشاريع الفردية، ازداد تقبل الناس لطروحات المدرسة اللاعنفية. أشير هنا إلى أن الصراع المستمر ودموية الأحداث أسهما في ميل الناس نسبياً إلى تقبل أساليب لاعنفية في مقاربة الوضع المتأزم. ورغم أن كثيراً له هذه الطبيعة العنفية، فإنه يحاول كبت هذه الطبيعة من أجل الصالح العام.

قد تأتي الأيام القادمة بظروف مناسبة لتقبل مفهوم اللاعنف، لأن القناعة لدى الجميع أصبحت: إما أن يوجد الوطن ودولة المواطنة بالحوار والتوافق، أو تذهب سوريا أقساماً وأجزاءً لاحتلالات متعددة، مغادرةً للتاريخ والجغرافيا.

وحول مستقبل سياسة اللاعنف في محافظة السويداء كنموذج سوري، أجاب الصحفي بلان، ما معناه:
أنه لا مناص من سياسة اللاعنف، خاصة أن الجميع قد أدرك أن العنف يستجر العنف، وتبقى الأمور هكذا على الدوام، وأن اللاعنف يحقق حلولاً لقضايا مستعصية ومكتسبات. وأشار إلى أن سياسة اللاعنف قد يُنتجها الحراك إذا تخلص من حالة التشنج تجاه التيارات الأخرى المتعددة، وهو مطالب بأن يُحددَ أهدافهُ كي يُصبح قادراً على أن يمثل حراكاً وطنياً.

وبالنسبة لسياسة اللاعنف عملياً، فهي في إرهاصاتها الأولى ولم تُقدم على إقامة مشاريع ومؤسسات موازية بسبب المعوقات المذكورة على مختلف الصعد.
وأضيف هنا أن المجتمع في السويداء، كباقي المناطق السورية، عنيف تجاه النساء، وعنيف تجاه اختلافات الرأي، وما زالت فلسفة اللاعنف تنظيراً شفهياً.

وعند سؤالهِ عن توظيفات مالية لمشاريع محلية، أجاب: أنه لا يتصور ذلك، لكنها طُرحت كأفكار لمشاريع ولم تُنفذ. وبالمقابل، هناك مشاريع نجحت مثل مبادرات التشجير وإزالة القمامة من الشوارع وغيرها من نشاطات.

وفي النهاية، قد تأتي الأيام القادمة بظروف مناسبة لتقبل مفهوم اللاعنف، لأن القناعة لدى الجميع أصبحت: إما أن يوجد الوطن ودولة المواطنة بالحوار والتوافق، أو تذهب سوريا أقساماً وأجزاءً لاحتلالات متعددة، مغادرةً للتاريخ والجغرافيا.