icon
التغطية الحية

كيف وصل ضابط في مخابرات النظام إلى أوروبا بفضل الموساد؟

2020.11.30 | 13:42 دمشق

telemmglpict000245458620_trans_nvbqzqnjv4bqhi2scxke9ce4q5_9veg8f2xer2jnjnlg6dwola3gkl0.jpeg
تيليغراف- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

إن المسؤول في قوات النظام الذي حرم من اللجوء في فرنسا بسبب مخاوف تتصل بتورطه بجرائم حرب قد خرج من تلك البلاد بمساعدة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) ليصل إلى النمسا، حيث تلقى مساعدة لبدء حياة جديدة بحسب ما ذكره مصدر قضائي لصحيفة تيليغراف.

فالعميد خالد الحلبي الذي ترأس المخابرات السورية في الرقة ما بين عامي 2009-2013، أصبح متهماً في دعوى قضائية على خلفية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحسب ما كشفه تحقيق أجرته صحيفة تيليغراف.

خلال الفترة التي تولى فيها مهامه في مقر المخابرات بالرقة، تعرض السجناء للقتل والتعذيب والاغتصاب الجنسي بحسب ما ورد في الدعوى التي رفعت ضده في دولة أوروبية ثم تم إرسالها إلى النيابة بباريس. إلا أن الحلبي أنكر بشدة ارتكابه لتلك الاعتداءات.

وبالرغم من المخاوف التي تتصل بانتهاكات حقوق الإنسان ضمن المقر الذي عمل فيه، إلا أن وكالة تجسس فرنسية، والتي تعرف باسم الإدارة العامة للأمن الخارجي، ساعدت ذلك الجنرال على الخروج من سوريا بالسر ثم السفر إلى فرنسا في عام 2014، في الوقت الذي بلغت فيه الحرب التي شنها النظام ضد الثوار مرحلة حاسمة حسبما ذكرت تلك الوكالة.

غير أن هذا الشخص حرم بعد ذلك من اللجوء في فرنسا بسبب مخاوف تتصل بمنصبه الرفيع ضمن النظام السوري ما يعني أنه لابد أنْ تورط بأعمال إجرامية بحسب ما عرفته صحيفة تيليغراف.

وهذا ما دفع وحدة جرائم الحرب في فرنسا إلى إجراء تحقيقات أولية في عام 2017 حول ذلك، ولكن بالرغم من كل ذلك خرج الحلبي بشكل غامض من فرنسا على يد عملاء لدى الاستخبارات الإسرائيلية وانتقل منها إلى النمسا حيث نجح بالحصول على لجوء هناك، بحسب ما ذكره مصدر قضائي إلى جانب ما أورده الإعلام الفرنسي والنمساوي.

هذا وقد زعمت الوكالات التي تورطت بهذه العملية بأنها كان تعتقد بأنه بوسع الحلبي أن يلعب دوراً مهماً في مستقبل سوريا، إذ يقول مصدر قضائي فرنسي رفيع المستوى: "من الواضح أنه صيد ثمين، فنحن نريد أن نسأله عن كل الشهادات التي جمعناها، إلا أن استهدافه على أعلى المستويات أتى محبطاً".

كيف حصل الحلبي على اللجوء عندما رفضته فرنسا؟

ولكن كيف حصل الحلبي على اللجوء عندما رفضته فرنسا، وهل تجب محاكمته أم لا؟ كل ذلك أثار ضجة على المستوى المحلي في النمسا خلال الأسابيع الماضية، بعدما كشف الإعلام عن نزاع واضح في السلطة بين وكالة الاستخبارات المحلية في البلاد، والتي قدمت المساعدة لذلك العميد، ووزارة العدل النمساوية التي تسعى للتحقيق في أمره.

ففي عام 2013، عندما انشق الحلبي، لم يتضح حينها بأن بشار الأسد سيتغلب على الثوار الذين كانوا يقاتلونه بهدف إسقاطه منذ عام 2011، ولم تكن حينها روسيا التي قدمت الدعم الحاسم لذلك الرئيس الذي أصبح في ورطة حينها قد تدخلت في الحرب، بل أتى ذلك بعد عامين من انشقاق الحلبي.

وفي شهر تشرين الأول من العام نفسه، أصبحت الرقة أول مدينة تمثل محافظة كاملة تسقط بيد الثوار، ولهذا هرب الحلبي من المدينة بين جموع اللاجئين الذين توجهوا إلى تركيا.

وفي مطلع عام 2014 وصل إلى فرنسا بمساعدة عملاء فرنسيين ظنوا بأن هذا المسؤول الرفيع سيتحول إلى مصدر مفيد في حال سقوط الأسد، حسبما ذكر المصدر القضائي الفرنسي الرفيع الذي رفض الكشف عن اسمه عندما قال: "حدث ذلك قبل الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس بفترة قصيرة، وكانت الإدارة العامة للأمن الخارجي بحاجة ماسة لأي خيط يوصلها لتنظيم الدولة، الذي كان حسبما بلغهم يخطط بشكل فعال لتنفيذ هجمات". فيما يرى مسؤول رفيع في الاستخبارات العسكرية الفرنسية رفض الكشف عن اسمه أيضاً بأنهم: "لو أتوا به إلى هنا فما من شك بأنهم قاموا بذلك لأنهم اعتبروه مصدراً يمكن الاستعانة به".

غير أن طلب اللجوء الذي تقدم به الحلبي في فرنسا قد قوبل بالرفض في عام 2015، وذلك عندما قام المكتب الفرنسي للاجئين بالاستشهاد بشرط معين ورد في اتفاقية جنيف والذي يتم بموجبه حرمان أي شخص من حق اللجوء في حال وجود أسباب وجيهة تدفع لمراعاة فكرة ارتكابه لجرائم ضد السلام أو جرائم حرب أو ضد الإنسانية أو أي جريمة خطيرة غير سياسية خارج بلد اللجوء.

وحينها لم تكن فكرة ترحيله إلى سوريا واردة لأن سوريا كانت دولة تشهد حرباً.

وفي هذه المرحلة تدخلت الاستخبارات الإسرائيلية والنمساوية لصالح الحلبي.

 

وحول ذلك يضيف المصدر القضائي: "بما أنه انزعج كثيراً لعدم حصوله على لجوء في فرنسا، يبدو أنه أجرى اتصالات مع الموساد ليتواصل بدوره مع مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب في النمسا، ولابد أن يكون الموساد قد راعى فكرة أهمية هذا الرجل وأنه بوسعه أن يلعب دوراً مهماً في المستقبل".

هذا وقد نشرت صحيفة كوريير النمساوية التي تحظى باحترام كبير تحقيقاً خلال هذا الشهر حول عملية تهريب الحلبي إلى النمسا بمساعدة المخابرات الإسرائيلية والنمساوية، حيث دعمت الأخيرة عملية تقديم طلب لجوء للحلبي.

وفي مذكرة مسربة كتب ضابط مخابرات نمساوي مجهول الاسم: "ليس لدى مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب معلومات حول تورط خالد ح في جرائم حرب أو غيرها من الجرائم في سوريا، وليس هنالك ما يشير إلى أن وجود ح في النمسا يمكن أن يعرض الأمن العام للخطر"، وأضاف بأن مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب لم يتوصل إلى أية "أسباب لرفض إجراءات التقديم على طلب لجوء" بالنسبة للحلبي.

وهكذا منح الحلبي حق اللجوء في الثاني من كانون الأول من عام 2015، وقدمت له السلطات النمساوية شقة مساحتها 107 م2 تحتوي على أربع غرف نوم في منطقة أوتاكرينغ بفيينا. وصار بعد ذلك يحصل على أكثر من 50 ألف يورو ضمن المزايا العامة، بالإضافة إلى مبلغ خمسة آلاف يورو كراتب شهري من قبل الموساد بحسب ما ذكرت جهة إعلامية نمساوية.

تدخل هيئة العدالة والمحاسبة الدولية

وفي تلك الأثناء أخذت هيئة العدالة والمحاسبة الدولية وهي منظمة تقوم بجمع الأدلة حول ارتكاب عمليات إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في مناطق النزاع، تنشط في سوريا منذ عام 2012، حيث جمعت عدداً هائلاً من الوثائق حول هذه الأمور.

وبعد التعرف على مكان وجود الحلبي، تقدمت تلك الهيئة بادعاء قانوني للسلطات النمساوية في شهر كانون الثاني من العام 2016، لخصت من خلاله الأدلة التي تمتلكها حول تورط ذلك الشخص في جرائم حرب، وحول ذلك تخبرنا مديرة تلك الهيئة السيدة نيرما جيلاسيك فتقول: "لدينا وثائق ومحاضر تحقيقات، كما لدينا بضعة شهود مطلعين بالإضافة إلى شهادة لأربعين ضحية تعرضت للتعذيب. إذ كان هناك جرائم قتل وتعذيب واغتصاب والعديد من الانتهاكات الجنسية بحق الرجال والنساء، وجرائم ضد قاصرين".

وأعلنت هيئة العدالة والمحاسبة الدولية بأن أدلتها توضح مسؤولية الحلبي عن تصرفات تمت على يد من كانوا تحت إمرته.

ومن بين الوثائق التي اطلعت عليها صحيفة تيليغراف تلك الوثيقة التي بدت لنا كمحضر اجتماع للجنة الأمنية بمحافظة الرقة في 10 أيار 2011، والتي تم بموجبها تعيين الحلبي كرئيس لجهاز المخابرات العامة في الرقة.

وفي مذكرة أخرى موقعة من قبل الحلبي، ثمة تفاصيل حول اعتقال ابن أحد الأشخاص المشتبه بأمر تورطه بعملية تهريب سلاح، وإلى جانب إثبات منصب الحلبي وأنه كان على رأس عمله في الفرع 335، تبين أيضاً بأنه قام باعتقال مواطنين مدنيين أبرياء، إذ تبين تلك الوثيقة بأن الحلبي كان يرفع تقاريره حسب تسلسل القيادة إلى رئيس مديرية المخابرات العامة في دمشق بحسب ما أوردته هيئة العدالة والمحاسبة الدولية، ما يعني أن تلك الممارسات الإجرامية التي تمت تحت إمرته كانت عملية ممنهجة ولم تأت نتيجة سوء تصرف من قبل تابعين مارقين وأوغاد.

الفرع 335

فقد ذكر معاذ وهو لاجئ سوري أجرت معه قناة إنفو الفرنسية مقابلة في عام 2019 بأنه تعرض للتعذيب في الفرع 335، حيث قال: "ناداني حارس ثم ربطني إلى لوح خشبي، وبعدها رفع قدمي في الهواء وأخذ يضربني عليهما بقوة بالغة".

كما تعرف معاذ على شخصية الحلبي وذكر بأنه كان يترأس الفرع 335، إذ قال: "كان الشخص الذي يترأس هذا الفرع من المخابرات يعرف باسم خالد الحلبي، وكان هذا الاسم يثير الذعر بيننا جميعاً".

ولقد كانت غرفة الاستجواب في الفرع 335 تقع إلى جانب مكتب الحلبي، بحسب ما ورد في تلك الشهادة، إذ قالت السيدة جيلاسيك: "حدثنا شهود عن صرخات المعتقلين التي كانت تسمع في كل أنحاء المبنى المؤلف من ثلاثة طوابق".

إلا أن الحلبي أنكر تلك الادعاءات في العام الماضي حيث قال لمحطة إنفو التلفزيونية الفرنسية: "كلا، هذا ليس صحيحاً أبداً، وهذه الاتهامات باطلة، إذ لا يوجد هنالك دليل، أروني الدليل إن كان لديكم، فأنا ما آذيت أحداً طيلة حياتي".

غير أنه رفض التعليق على الموضوع عندما تواصلت صحيفة تيليغراف معه.

وقد ذكرت هيئة العدالة والمحاسبة الدولية بأن المجلد الذي قدمته يستحق إجراء مزيد من التحقيقات، ولكن بعد لقاء تلك المنظمة بمسؤولين في وزارة العدل النمساوية في كانون الثاني من عام 2916، لم يتم إلقاء القبض على الحلبي ولا حتى استجوابه.

حذف من قائمة قانون قيصر

وفي عام 2017، تم إدراج اسم خالد محسن الحلبي من فرع الأمن رقم 335 ضمن المسودة الأولى للقانون الذي يستهدف مسؤولين لدى النظام بعقوبات أميركية والذي تحول فيما بعد لقانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، إلا أن اسم هذا الشخص حذف من القانون النهائي.

وعلى أمل متابعة التحقيقات، أصدرت فرنسا طلبات لليوروبول حتى يتم تحديد مكان الحلبي.

وفي تشرين الثاني من عام 2018، اقتحمت الشرطة النمساوية أخيراً شقة الحلبي لكنه لم يكن موجوداً فيها، كما تعرض منزله للتفتيش بطريقة بدت لصحيفة كوريير وكأنها مرتبة ومسرحية. ومنذ ذلك الحين لم يعرف له مكان.

ويتذكر جيران الحلبي في ذلك الحي السكني الهادئ حيث كان يعيش بأنه شخص هادئ ومؤدب لكنه يدخن كثيراً.

إذ تقول جارته جينيفر زيكا البالغة من العمر 28 عاماً والتي قامت الشرطة باستجوابها في عام 2018 حول الحلبي: "لم يكن يدخن في الشقة مطلقاً، بل فقط خارج البيت عند مدخل الدرج. إذ كان مكانه المفضل هو تلك العتبة مقابل الأدراج، إذ كان يمضي ساعات أحياناً وهو جالس هناك".

إلا أن جيرانه استغربوا اختفاءه المفاجئ، إذ تقول سيدة في السادسة والأربعين من عمرها اسمها لوسيا: "لم يعد موجوداً في أحد الأيام هكذا ببساطة".

فضيحة سياسية في النمسا

بيد أن قضية الحلبي تسببت بفضيحة سياسية كبرى منذ انتشارها في الصحافة النمساوية خلال هذا الشهر، حيث وصف عدد من النواب في البرلمان الحلبي بأنه مجرم حرب وذلك في قضية برلمانية تحريرية تم تقديمها لوزارة الداخلية في السابع من شهر تشرين الأول، حيث تساءل هؤلاء النواب في القضية التي رفعوها ووقعت باسم كريستيان هافينيكار من حزب الحرية اليميني المتطرف: "هل أصبح من مهام مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب في النمسا إحضار مجرمي الحرب إلى النمسا لصالح دول أخرى وتهريبهم ليتقدموا هنا بطلب لجوء؟".

وفي نشرة صحفية كتب حزب الحرية من اليمين المتطرف: "ينبغي على وزير الداخلية أن يقدم توضيحاً كاملاً حول فضيحة اللجوء التي تسبب بها مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب والتي تدور حول جنرال سوري مارس عمليات تعذيب".

فيما أوردت صحيفة كوريير بأن النيابة تحقق مع شخصيات من المكتب الفيدرالي للهجرة واللجوء المسؤول عن طلبات اللجوء وكذلك من مكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب حول انتهاك السلطة، ومن بين تلك الشخصيات رئيس تلك الهيئة ومدير سابق لمكافحة التجسس.

فقد ورد في بيان للنيابة: "إن الشكوك التي تدور حول مسؤولين في المكتب الفيدرالي للهجرة واللجوء ومكتب حماية الدستور ومكافحة الإرهاب الذين يتم التحقيق معهم حالياً، نجمت عن قرار رفض اللجوء من قبل السلطات الفرنسية  وعن مسار عملية تقديم طلب اللجوء في النمسا. وبالرغم من أن ح ذكر في أول مقابلة له بأنه سبق وأن قدم طلب لجوء في فرنسا، وبأنه وصل إلى رتبة عميد في الاستخبارات العسكرية السورية، إلا أن المكتب الفيدرالي للهجرة واللجوء لم يقم بالتشاور مع فرنسا".

في حين رفضت وزارة الداخلية النمساوية التعليق على هذا الموضوع متذرعة بالتحقيقات الجارية في الوقت الراهن.

أما هربرت كيكل وهو وزير الداخلية النمساوية السابق، وشخصية رفيعة من حزب الحرية التابع لليمين المتطرف فقد ذكر لصحيفة تيليغراف بأنه اطلع على القضية عندما كان وزيراً، لكنه قال: "لم يصلني أي شيء غير ما ورد في التقارير التي ينشرها الإعلام حالياً".

ويعتقد بأن الحلبي مايزال موجوداً في أوروبا.

إذ يقول المصدر القضائي الفرنسي: "بحسب مصادر، إنه يواصل السفر بين النمسا وسلوفاكيا، وأحياناً سويسرا حيث عرض عليه ضابط سوري سابق أن يقوم بحمايته".

وهكذا تم رفع دعوى بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إحدى تلك الدول، بحسب ما أكده مصدر قانوني رفض أن يحدد تلك الدولة حتى لا يضر ذلك بسير القضية.

وحول ذلك تعلق السيدة نيرما جيلاسيك مديرة هيئة العدالة والمحاسبة الدولية فتقول: "أعلنت السلطات النمساوية مؤخراً أنها تعرف مكانه. ثم إنه أرفع مسؤول رتبة ضمن النظام السوري يمكن أن نعثر عليه ضمن منطقة شينغن"، ليصبح بذلك أرفع شخصية سورية ضمن متناول العدالة الدولية.

المصدر: تيليغراف