كيف قرأت الأسواق نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التركية؟

2023.05.28 | 05:17 دمشق

آخر تحديث: 28.05.2023 | 05:17 دمشق

كيف قرأت الأسواق نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التركية؟
+A
حجم الخط
-A

وصلت الانتخابات الرئاسية في تركيا إلى الجولة الثانية، وزادت احتمالية إعادة انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان الذي فاز في الجولة الأولى بنسبة 49.5% على مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو الذي حقق نسبة 44.9% في حين حقق مرشح تحالف الأجداد سنان أوغان 5.2% والذي أعلن في ما بعد دعمه لأردوغان بعد انفراط التحالف، والذي انعكس في دعم زعيم حزب النصر أوميت أوزداغ مرشح الطاولة السداسية كليتشدار أوغلو.

من المستحيل فهم هذه النتائج من دون الاعتراف بمدى قومية الناخبين الأتراك، حيث تفوق العامل القومي على العامل الاقتصادي في التأثير على قرار الناخبين، والذي شكل إخفاقاً آخر لشركات استطلاع الرأي والتي فشلت في كل توقعاتها سواء على صعيد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

يعكس هذا التغيير في مزاج الناخب الصراع الطويل الأمد مع الانفصاليين الأكراد في جنوب شرقي البلاد، والتدفقات الهائلة للاجئين من الشرق الأوسط، وعقود من الدعاية التي قادتها وسائل الإعلام الرئيسية وحزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان.

كان للخطاب القومي الذي تبناه الرئيس أردوغان صدى لدى الناخبين أكثر من حملة كليتشدار أوغلو التي ركزت على محاربة الفساد والاقتصاد والمهاجرين، والنتيجة كانت فوز تحاف الجمهور بأغلبية البرلمان مدفوعا بأصوات القوميين.

تكره الأسواق عادة هذه الحالة والتي تتسم في نمو التيار القومي في بيئة الكساد الاقتصادي وقد عبرت مباشرة عن رأيها في النتائج.

قبل الانتخابات صدقت الأسواق توقعات شركات استطلاع الرأي بفوز كليتشدار أوغلو في الانتخابات من الجولة الأولى، وتوقعت عودة السياسة الاقتصادية في البلاد إلى قواعد الاقتصاد الليبرالي، الأمر الذي دفع مؤشر بورصة إسطنبول إلى الارتفاع بحدود 7% وأسهم البنوك والشركات القابضة بحدود 10%، ولكن بعد ظهور النتائج مسحت سوق الأوراق المالية مكاسبها خلال ساعات، تكررت نفس الحالة في أسواق السندات التركية المقومة بالدولار واليورو والتي يتم تداولها في أسواق المال العالمية، والتي خسرت 20% من قيمتها بعد فوز أردوغان بالجولة الأولى، وارتفاع احتمالات فوزه بالجولة الثانية.

يظهر المخطط المرفق كيف تحرك مؤشر بورصة إسطنبول قبل وبعد جولة الانتخابات الرئاسية الأولى:

A picture containing text, screenshot, line, plot

Description automatically generated

مؤشر التخلف عن سداد الديون التركية لأجل خمس سنوات أيضا قدم أداء إيجابياً قبل الانتخابات، وانخفض إلى ما دون 500 نقطة على الرغم من تآكل الاحتياطي النقدي للبلاد مدفوعا باحتمالات فوز مرشح المعارضة ووعوده بجلب 300 مليار دولار كاستثمار أجنبي في اقتصاد البلاد، بعد ظهور النتائج ارتفع المؤشر إلى 700 نقطة مما يهدد البلاد بأزمة في ميزان المدفوعات.

إن الزيادة مؤشر التخلف عن السداد إلى 700 نقطة أساس لا تعني فقط زيادة في معدل الفائدة على القروض الأجنبية. بل يتسبب أيضا في تآكل الاحتياطي النقدي للبلاد، لأنه في بعض القروض الخارجية طويلة الأجل في القطاع المصرفي، يتسبب مؤشر التخلف عن السداد المرتفع في زيادة ضمانات العملة الأجنبية المطلوبة من قبل المقرضين.

‏على سبيل المثال، قد يضطر البنك الذي يمنح سندات اليوروبوند التركية مع استحقاق في عام 2030 إلى زيادة ضمانات العملة الأجنبية إذا وصلت مقايضات التخلف عن السداد إلى مستويات معينة. من أجل أن يضمن إمكانية تجديد الدين في حال عدم القدرة على سداده، ‏لذلك فإن الارتفاع المفرط في مقايضات الائتمان يؤدي أيضًا إلى انخفاض الاحتياطيات الدولية.

‏إن السبيل إلى خفض علاوة المخاطر هو تنفيذ سياسة نقدية ومالية سليمة بالإضافة إلى إدارة اقتصادية موثوقة ومستقلة وذات كفاءة.

يظهر المخطط المرفق كيف تحرك مؤشر التخلف عن سداد الديون التركية لأجل خمس سنوات قبل وبعد جولة الانتخابات الرئاسية الأولى:

A picture containing text, screenshot, font, diagram

Description automatically generated

استمر صرف الليرة التركية في الهبوط مقابل الدولار الأميركي في الأسعار الرسمية ووصلت إلى قرب 20 ليرة للدولار الواحد، في حين تحسن سعر صرفها في السوق الموازية إلى حدود 21.5 للدولار الواحد، مقارنة بـ 22.6 ليرة للدولار الواحد قبل جولة الانتخابات الأولى بعد مجموعة من ضوابط رأس المال الإضافية التي طبقها البنك المركزي التركي بهدف الدفاع عن سعر صرف الليرة تمثلت في تقييد سحب النقود باستخدام بطاقات الائتمان وتقييد منح القروض التجارية إلى الحد الأقصى.

بفعل الإجراءات السابقة انخفض الفرق بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف في السوق الموازية إلى حدود 7% مقارنة بـ 12% في الفترة التي سبقت جولة الانتخابات الرئاسية الأولى.

يذكر أنها المرة الأولى منذ عام 1989 حيث تبنت تركيا نظام سعر الصرف المرن، التي يظهر فيها سوق صرف مواز.

يوضح المخطط المرفق أدناه الفرق بين أسعار الصرف الرسمية وغير الرسمية لليرة التركية مقابل الدولار الأميركي في الفترة ما قبل وما بعد جدولة الانتخابات الرئاسية الأولى:

A picture containing screenshot, text, plot, line

Description automatically generated

 

بالإضافة إلى ضوابط رأس المال السابقة رفعت البنوك التركية الفائدة على ودائع الليرة المحمية ليصل متوسط الودائع إلى 35% في حين وصل متوسط الفائدة على القروض إلى 45% بهدف تقليل عرض الليرة التركية والدفاع عن سعر صرفها، الأمر الذي يشكل انحرافاً عن النموذج الاقتصادي الذي تبناه الرئيس أردوغان القائم على تعزيز الصادرات والسياحة من خلال الائتمان الرخيص ويشكل نوعاً من الفوضى وعدم الاستقرار في السياسة النقدية.

يوضح المخطط المرفق الفرق بين سعر الفائدة المطبق من قبل المركزي التركي والفائدة على ودائع الليرة المحمية:

A picture containing text, screenshot, line, plot

Description automatically generated

 

النقطة الأبرز التي ظهرت خلال الفترة الفاصلة في جولتي الانتخابات كانت بيانات الاحتياطي النقدي للمركزي التركي، حيث أظهرت البيانات انخفاض صافي الاحتياطي إلى 2.2 مليار دولار فقط، في حين صافي الاحتياطات بعد طرح المقايضات وصل إلى 75 مليار دولار بالسالب وانخفاض احتياطي الذهب بحدود 19 مليار دولار مما يؤشر إلى أن البلاد مقبلة على أزمة عملة، يذكر أن وكالة بلومبيرغ قدرت إجمالي تدخلات المصرف المركزي في أسواق الصرف لدعم الليرة التركية بحدود 177 مليار دولار منذ سبتمبر 2021

يوضح المخطط المرفق إجمالي وصافي الاحتياطي النقدي للبنك المركزي التركي:

A picture containing text, plot, screenshot, line

Description automatically generated

هكذا بدت صورة الاقتصاد الكلي قبل جولة الانتخابات الثانية، في حين أشار الرئيس أردوغان إلى الاستمرار بسياسته الاقتصادية، بينما أشارت المعارضة إلى أن سعر صرف الليرة سيصل إلى 30 ليرة مقابل الدولار الواحد بالإضافة إلى مواجهة تركيا أكبر أزمة مالية واقتصادية في تاريخها في حال فوز أردوغان من دون تقديم خريطة طريق عملية للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية.

تمضي تركيا إلى جولة الانتخابات الثانية في الثامن والعشرين من الشهر الحالي، وسيبدأ المرشحون السباق من الصفر من دون أي صوت من الجولة السابقة، في حين أن الاقتصاد لا يبدأ من الصفر، ولاشك أن الفائز في الجولة الثانية سيحمل معه التركة الاقتصادية كاملة بإيجابياتها وسلبياتها.