كيف غيّر الحجاب أكبر حزب معارض في تركيا؟

2022.10.15 | 05:19 دمشق

كيف غيّر الحجاب أكبر حزب معارض في تركيا؟
+A
حجم الخط
-A

في الثامن والعشرين من شباط/ فبراير عام 1997 شهدت تركيا انقلاباً ناعماً أو ما يعرف بانقلاب ما بعد الحداثة، أطاح برئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان الذي يعتبر الأستاذ الأول للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأقرّ قوانين وقواعد تحفظ "علمانية" الدولة، وضيّق على المحجبات ومدارس الإمام-خطيب في عموم تركيا.

كان من رسم خطوط الانقلاب يراهن على أن المحافظين لن تقوم لهم قائمة بعد تلك القوانين الرادعة، وسط مباركة من حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة الآن، إضافة لوزيرة الداخلية آنذاك ميرال أكشنار التي تقود الآن حزب الجيد المعارض.

لم يكن أحد ممن دعم الانقلاب وقراراته يتكهن بالمستقبل، وبمعنى آخر، لم يضعوا في حسبانهم أنهم بعد عقدين من الزمن فقط سيضطرون لطلب "كفّارة" عن خطيئة الأمس، أو ما يسمونه بالمسامحة والتصافي (Helalleşme) من ضحايا قرارات انقلاب 28 شباط.

البحث عن كفّارة لخطيئة الأمس

منذ عامين بات زعيم حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك قبل نحو 100 عام، يعكف على طلب السماح من المحجبات اللواتي حُرمن من حق التعليم والعمل بسبب "خرقة بطول متر على رؤوسهن" كما عبّر كليتشدار أوغلو نفسه سابقاً.

بل أكثر من ذلك، يحاول الحزب الذي يلقب بقلعة الجمهوريين والكماليين، جذب محجبات إلى عضويته وصفوفه، في سابقة كانت محض خيال أو مجالاً للتندر، لكن ما الذي تغير؟

صعد حزب العدالة والتنمية اليميني المحافظ منذ تأسيسه في 2001، ونجح في كسب المعارك الانتخابية واحدة تلو الأخرى حتى بات أطول حزب سياسي يحكم منفرداً على مدى عقدين، والأهم من ذلك أنه وضع بصماته الخاصة في قضايا اجتماعية رحّبت بها الشريحة المحافظة، فباتت المحجبات يتعلمن في الجامعات ويعملن في القطاعات العامة والخاصة، بل ويخدمن في مؤسسات الشرطة والجيش دون أي عائق.

استطاع حزب العدالة والتنمية كسر جميع الحواجز التي كانت جبلاً منيعاً في الماضي القريب، وباتت الشريحة المحافظة تشعر بمستوى عالٍ من الأمان لا تخشى فيه من شيء سوى أن يتغير هذا الحزب فترجع المعارضة لتحكم بشرعها القديم وتحظر وتمنع المحجبات من حقوقهن.

لا يمكن القول إن حزب العدالة والتنمية لم يستفد من هذه الظاهرة، لا سيما مع نجاحاته الكبيرة في السنوات الأول من حكمه على الصعيد الاقتصادي على وجه الخصوص، وهو ما منحه مناعة كانت تضمن له الفوز الساحق بالأغلبية حتى يشكل حكوماته منفرداً، ويعدل مواد دستورية، بل ويقلب نظام الحكم برمته من برلماني إلى رئاسي.

لكن لكل جواد كبوة، وربما تجري الرياح بما لم تشته السفن، فالوضع الاقتصادي القوي لم يعد كما كان، وكثيرون من ناخبي حزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان باتوا يضيقون ذرعاً بالأزمات الاقتصادية التي أثقلت كاهلهم وأفرغت جيوبهم.

في تلك الأثناء بالتحديد، بدأت المعارضة التركية المتمثلة بحزب الشعب الجمهوري وحليفه حزب الجيد تفكر خارج سياق النص المقدس الذي ترسمه أدبياتهم، ورأوا أن شريحة لا بأس من داعمي أردوغان انصرفوا عنه، لا سيما عقب مغادرة منظر السياسة الخارجية السابق أحمد داود أوغلو، ورجل الاقتصاد القوي علي بابا جان لحزب العدالة والتنمية.

أدرك كليتشدار أوغلو أن صورة حزبه النمطية في أذهان الناخبين المحافظين أنهكت الحزب وضيعت عليه كثيرا، وستضيع عليه الانتخابات المقبلة في 2023 لو بقيت المحجبات أو المتدينون عموماً يتعاملون معه على أنه حزب يقمع مظاهر الدين الإسلامي ويحرّم على الفتيات المحجبات ما هو حلال على غيرهم.

حرية ارتداء الحجاب بين الدستور والقانون

بالطبع نجاح حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات المحلية بآذار/مارس 2019 وفوزه في بلدتي إسطنبول وأنقرة اللتين يختصران تركيا بتنوعهما وخريطتهما الانتخابية المهمة، أعطى للحزب دفعة نحو الأمام أوجبت عليه أن يسابق الزمن لحصد مزيد من الأصوات من شريحة تضمن له الفوز بالتأكيد.

وهو ما دفع كليتشدار أوغلو لوضع خطوة نحو الأمام، ويطرح على البرلمان عن طريق حزبه الشعب الجمهوري، قانوناً يضمن حرية ارتداء الحجاب مطلع تشرين الأول/أكتوبر الحالي، وهو يخص بالدرجة الأولى العاملات في المؤسسات والمنظمات العامة.

كان مقترحاً صائباً لا شك من حزب "ناضل" طوال مسيرته السابقة في عداء هذه المظاهر، وقال البعض إن كليتشدار أوغلو وضع الكرة في ملعب أردوغان، لكنه أي أردوغان لاعب كرة محترف، فردّ عليه بأن حرية ارتداء الحجاب يجب إدراجها كمادة في الدستور وليس كقانون فحسب "يمكن تغييره لاحقاً"، وهي دعوة مكررة للمعارضة للمشاركة في أعمال التعديلات الدستورية التي يعمل عليها حزب العدالة والتنمية مع حليفه حزب الحركة القومية.

بغض النظر عن النقاش الذي أثير حول دعوة كليتشدار أوغلو، والأخذ والرد بينه وبين خصومه، لكن طرحه هذا الأمر على البرلمان كمشروع قانون، هو خطوة في الاتجاه الصحيح على صعيد تدعيم أطروحة "المسامحة" التي نادى بها قبل عامين تقريباً.

أما عن موقف الأتراك أنفسهم، فهناك قاعدة لا تزال تخيم على المشهد السياسي؛ وهي وجود شريحة "صلبة" داعمة للعدالة والتنمية لا تتغير أو لا يمكن التأثير عليها بمثل هذه الدعوات والمقترحات، لكن هناك شريحة "مترددة" كانت تصوت للعدالة والتنمية نعم لكنها الآن تشكو من أزمات ربما تكون سبباً إما في التصويت لحزب آخر، أو عدم التصويت أصلاً.

وقد أظهرت عدة استطلاعات رأي في الآونة الأخيرة، ارتفاع نسبة المترددين العازفين عن التصويت لأي حزب، وهي كتلة موجودة في كل انتخابات لكنها لم تكن بهذا الحجم، وكل الأحزاب السياسية تحشد لاسترضائها وجذبها.

الحجاب يغيّر نهج الشعب الجمهوري

من المرجح أن يواصل الشعب الجمهوري سياسة المسامحة، وهو ما دفعه لإشراك أحزاب السعادة، المستقبل، والديمقراطية والتقدم (وجميعها أحزاب محافظة) في التكتل الذي يعرف بالطاولة السداسية، وهو مشهد كسر نمطية التحالفات التي يمكن أن يقودها الشعب الجمهوري.

ومع ذلك، فإن أردوغان صاحب المفاجآت دائماً ما يكشف عن أوراق من تحت قبعته، حسب تعبير الأتراك، ولن يكتفي بمراقبة ما يصنعه الشعب الجمهوري، لا سيما أنه حزب "إصلاحي" حسبما يعبر ياسين أقطاي مستشار رئيس الحزب، بمعنى أنه يحاسب نفسه من حين لآخر ويعدل نهجه بناء على تلك الحسابات، وبالمناسبة هذه ظاهرة باتت موجودة في الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة.

أخيراً، يبقى الجدل القائم حول الحجاب والهوية الدينية عامة؛ "مثمراً" طالما أنه نجح في تغيير حزب كان ينظر للحجاب على أنه خرقة بطول متر، ليس انتصاراً للأدبيات الدينية بقدر ما هو ترسيخ لشريحة موجودة في المجتمعة باتت تمثل الغالبية اليوم، وباتت تفرض كلمتها على جميع الفاعلين في المشهد السياسي.