تنتشر في الشرق الأوسط تخمينات حول أهمية حدوث تغير داخل البيت الأبيض، إذ بعد عقد من الاحتجاجات والاضطرابات في عموم المنطقة في أعقاب الربيع العربي، تلك الانتفاضة التي أزاحت بعض الديكتاتوريين الذين استأثروا بالسلطة لمدة طويلة (وبعضهم كانوا حلفاء للولايات المتحدة) ثم أصبحت بلدان عدة فريسة للحرب والأزمات، أمضى الشرق الأوسط السنوات الأربع الماضية وهو يحاول مواجهة ابتعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنهجه وبشكل حاد عن النهج الذي سار عليه سلفه.
والتغير الأكبر حدث مع إيران، وذلك مع انسحاب ترامب من الاتفاقية النووية مع إيران في عام 2015 ثم تصعيده تجاهها عبر ما عرف باسم حملة الضغط القصوى ضد طهران في محاولة لم تنجح حتى اليوم في إرغام النظام الإيراني على تقديم تنازلات. وقد ذكر منافسه من الحزب الديمقراطي جو بايدن بأنه سيحاول إحياء تلك المعاهدة شريطة أن تعود إيران للالتزام بما تعهدت به. (إذ بعد انسحاب ترامب من الاتفاقية، خرقت إيران الكثير من التزاماتها في المجال النووي، وشمل ذلك زيادة إنتاج اليورانيوم المخصب). ولكن حتى في حال نجاح بايدن، ستظهر تساؤلات كبيرة حول مصير أي اتفاقية يتم تجديدها مع إيران، فقد تعلمت طهران ألا تثق بديمومة أي التزام تتعهد به الإدارة الأميركية، بل حتى الحلفاء الأوروبيين اتفقوا على أن أي اتفاق يتم إحياؤه مع إيران يجب أن يكون موسعاً بحيث يشمل قيوداً على أنشطة شائنة أخرى تمارسها إيران، وهذا ما لن توافق عليه قيادة تلك البلاد.
وبالنسبة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يمكن القول بإن بايدن راهن في اختياره موقفاً مختلفاً عن موقف ترامب، حيث دافع عن فكرة العودة لحل الدولتين التي حددت في اتفاقيات أوسلو عام 1993. كما وقف بايدن في وجه التحركات الإسرائيلية أحادية الجانب التي وقعت مؤخراً، ومنها تلك الخطة التي تم تجميدها والتي تقضي بضم مناطق فلسطينية في الضفة الغربية، وقال إنه سيعيد التمويل والعلاقات الدبلوماسية مع الفلسطينيين بعدما قطعها ترامب. ولكن بعد تدخل ترامب ووقوفه مع جانب واحد في هذا الصراع، لم يتضح بعد ما إذا كان بوسع الولايات المتحدة أن تتخذ لنفسها مرة أخرى موقف الوسيط المحايد بالنسبة للسلام الذي طالما ادعت أنها تمثله.
وبالطريقة ذاتها، وفيما يتصل بالسعودية يمكن القول إن وقوع تغيير في الإدارات يمكن أن يحدث تحولاً كبيراً، فترامب وخاصة صهره ومبعوثه جارد كوشنر أقاما علاقات دافئة مع المملكة العربية السعودية وولي عهدها محمد بن سلمان، بالرغم من الفظائع التي مايزال يرتكبها في حرب اليمن التي تقودها السعودية، وكذلك بعد اغتيال الصحفي في جريدة واشنطن بوست جمال خاشقجي على يد عملاء سعوديين في إسطنبول قبل عامين. ولذلك فقد تعهد بايدن بإعادة تقييم العلاقة مع الرياض ومحاسبة كل من ينتهك حقوق الإنسان في مختلف بقاع العالم.
إلا أن دعم أو على الأقل إبداء شيء من التسامح إزاء الانتهاكات التي يرتكبها طاغية لديه علاقات وثيقة مع واشنطن لطالما كان حجر الأساس الذي اعتمدت عليه السياسة الأميركية في الشرق الأوسط طيلة عقود خلال حكم إدارات ديمقراطية وجمهورية على حد سواء، ولهذا السبب لابد وأن تكون المعارضة السورية تراقب الانتخابات عن كثب.
فقد أبدى ترامب قسوة وحزماً أكبر من سلفه باراك أوباما تجاه بشار الأسد، رأس النظام في سوريا، حيث شن المزيد من الغارات وفرض المزيد من العقوبات عليه، إلا أن ذلك لم يؤثر سوى بشكل طفيف على شرعية النظام أو على قدرته على مقاومة ما تبقى من المعارضة. ولكن بالرغم من الصيت الذي اشتهر به ترامب بأنه معاد للمسلمين، إلا أن موقفه الصارم تجاه إيران، التي تعتبر من أهم داعمي الأسد، خلقت له معجبين في العالم العربي، وثمة مخاوف وقلق من أن يقوم بايدن بخلق علاقات دافئة مع إيران مما قد يدعم الأسد أكثر وأكثر. وفي الوقت ذاته، سمح ترامب لتركيا التي تدعم قوات الثوار بأن تتمتع بسيطرة أكبر ضمن سوريا، ما تسبب بظهور حالة يأس وقنوط بين القوات الكردية في الشمال السوري، كونها تحالفت مع الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، غير أن ترامب سارع لسحب الجزء الأكبر من القوات الأميركية من سوريا متخلياً بذلك عن المقاتلين الكرد في رسالة للحلفاء المحليين تظهر بأن الولايات المتحدة قد لا تكون داعماً يعتمد عليه.
المصدر: فورين بوليسي