كيف ستتعامل تركيا مع تواجدها العسكري في سوريا؟

2018.10.23 | 00:10 دمشق

+A
حجم الخط
-A

في نهاية العام ٢٠١٥، وبداية العام ٢٠١٦، كانت تركيا في وضعية تراجع في سوريا، وبدا أنّها تخسر أوراقها أمام محور روسيا وإيران من جهة، والولايات المتّحدة والميليشيات الكردية من جهة أخرى، وعلى وشك أن تخرج من اللعبة السورية تماماً

بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في يوليو ٢٠١٦، أطلقت القوات التركية -مع قوات الجيش السوري الحر- أوّل حملة عسكرية لها داخل الأراضي السورية ضمن ما يعرف باسم عملية "درع الفرات". كان لأنقرة مسوّغاتها التي تدعم تحرّكها على الأرض كمحاربة الميليشيات الإرهابية وعلى رأسها "داعش" و"حزب العمّال الكردستاني"، ونجحت من خلال هذه العملية في أن تقطع الطريق على مشروع الميليشيات الكردية الانفصالية وأن تضع لها موطئ قدم داخل سوريا.

بعد هذه التطورات، أصبحت تركيا عنصراً فاعلاً في اللعبة السياسية الدائرة في سوريا من خلال مسار أستانا الثلاثي مع روسيا وإيران. وبناءً على الاتفاقات التي نجمت عن هذا المسار، قامت أنقرة أيضاً بنشر المزيد من قواتها داخل الأراضي السورية لاسيما في إدلب. وفي بداية العام ٢٠١٨، أطلقت القوات المسلحة التركية عملية عسكرية جديدة في الداخل السوري تحت مسمى "غصن الزيتون" ضد الميليشيات الكردية في عفرين،

لتركيا مصلحة كذلك في منع الأسد من سحق ما تبقى من المعارضة، وتهيئة بيئة آمنة ومستقرة لعودة اللاجئين والنازحين لاسيما أولئك المتواجدين في الداخل التركي بالإضافة إلى حجز مكان على طاولة المفاوضات من الناحية السياسية

سمحت بتنظيم المنطقة من تواجد عناصر الميليشيات الكردية التي كانت تشكّل تهديداً أمنياً على الداخل التركي، وسمحت كذلك في عودة جزء لا بأس به من النازحين واللاجئين إلى مدينتهم.

وفقاً للجانب التركي، تتضمن أهداف التواجد العسكري في سوريا، التأكيد على عدم السماح للميليشيات الكردية بإقامة دولية تحت اسم استقلال ذاتي، وقطع الطريق كذلك على اقتطاع الشمال السوري ومنع تهديد الداخل التركي من خلال الهجمات العابرة للحدود. ولا شك أنّ لتركيا مصلحة كذلك في منع الأسد من سحق ما تبقى من العارضة، وتهيئة بيئة آمنة ومستقرة لعودة اللاجئين والنازحين لاسيما أولئك المتواجدين في الداخل التركي بالإضافة إلى حجز مكان على طاولة المفاوضات من الناحية السياسية.

لكن في موازاة كل مرحلة من هذه المراحل التي ذكرناها آنفاً، كان نظام الأسد يحاول إعادة توطيد قوته في أجزاء أخرى من سوريا وذلك بمساعدة من روسيا وإيران. وفي الوقت الذي كانت فيه سيطرة الأسد تتوسّع على الأرض، كان الضغط يزداد على تركيا فيما يتعلق بمصير قواتها المسلحة داخل الأراضي السورية. لطالما تذرّعت كل من روسيا وإيران بأنّ قواتهما موجودة في سوريا بطلب من "الحكومة الشرعية" في البلاد على حدّ قولهما. لم يُخفِ نظام الأسد معارضته لوجود القوات التركية،

أعلن الرئيس التركي أيضا في بداية شهر أكتوبر الحالي بأنّ القوات التركية ستبقى في سوريا إلى حين إجراء الشعب السوري انتخاباتٍ عامة

وصرّح في أكثر من مناسبة بأنّه يعتبر القوات التركية قوات احتلال. وفي المقابل، أسمعت موسكو وطهران عدّة مرات أنقرة بأنّ الأسد سيسيطر في نهاية المطاف على كامل سوريا، وبأنّ القوات المتواجدة بشكل "غير شرعي" كما يصفونها، يجب عليها أن تخرج. 

مع احتدام الصراع على مصير إدلب خلال الأشهر القليلة الماضية، عاد الحديث مجدداً عن ضرورة خروج القوات التركية، ثم ما لبث أن انتهى الأمر بتعزيز أنقرة لقواتها المتواجدة هناك، وباتفاق سوتشي مع روسيا. لكن سرعان ما أعلن الرئيس التركي أيضا في بداية شهر أكتوبر الحالي بأنّ القوات التركية ستبقى في سوريا إلى حين إجراء الشعب السوري انتخاباتٍ عامة. إن كان سياق التصريح مفهوماً كما شرحنا من قبل، الا أنّ مضمونه يعدّ غريباً بعض الشيء وذلك لأنّ الجانب التركي قد ربط نفسه الآن بالتزام مسبق. فإذا لم يكن هناك طرف ما قد أجبره على إعلان موعد للانسحاب، فإنه سيكون قد ألزم نفسه دون أن يكون هناك حاجة لذلك. وإن كانت عليه ضغوطات روسية، فسيتوقع الجانب الروسي منه الوفاء بالتزامه حين يستجدّ مصيرها.

ربما حاول الجانب التركي من خلال هذا التصريح إرسال رسالة إلى المعنيين -على رأسهم روسيا- بأنّه غير باقي في سوريا إلى الأبد وأن ليس لديه أطماع فيها، وأنّه حالما يتم انتخاب قيادة شرعية جديدة للسوريين سيكون بإمكان القوات التركية الانسحاب. لكن هناك احتمال آخر في المقابل، وهو أن يكون الجانب التركي قد توقّع -بناءً على تقييمه السياسي- بأن لا يكون هناك انتخابات عامة في سوريا في وقت قريب، وبالتالي فإن لدى أنقرة الوقت الكافي لتحقيق أهدافها الأمنية والسياسية من تواجدها العسكري قبل أن تقوم بالانسحاب لاحقاً بعد الانتخابات العامة المنتظرة.