icon
التغطية الحية

كيف ردت روسيا والصين على قانون قيصر؟

2020.10.16 | 13:49 دمشق

syria_damascus_currency.jpg
ميدل إيست إنستيتيوت- ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

استقطبت عقوبات قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين في سوريا -الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب فتحول إلى قانون في شهر كانون الأول الماضي ثم دخل حيز التنفيذ في 17 حزيران من هذا العام- المجتمع الدولي، حيث دعمت معظم الدول الأوروبية فكرة الاستعانة بقانون قيصر لفرض عقوبات هدفها معاقبة بشار الأسد على جرائم الحرب، إلا أن روسيا والصين انتقدتا هذا القانون بشدة، حيث استنكرت وزارة الخارجية الروسية قانون قيصر الذي يستهدف السوريين العاديين حسب وصفها، كما يزيد من تدهور العملة السورية ويتسبب بارتفاع أسعار السلع الأساسية. أما المندوب الدائم للصين لدى الأمم المتحدة جانغ يون فقد حذر بشكل مماثل من أن فرض المزيد من العقوبات على دمشق خلال فترة تفشي جائحة كوفيد-19 لا بد أن يفاقم من الوضع السيئ للأزمة الإنسانية في سوريا.

وقد أثرت معارضة روسيا والصين لقانون قيصر على سلوكهما في الأمم المتحدة، إذ ترى كلتا الدولتين في تلك العقوبات تقويضاً للسيادة السورية. وفي الثامن من تموز منعت كلتا الدولتين وصول المساعدات وتسليمها إلى سوريا عبر تركيا، إذ تزعم كل منهما بأن حكومة النظام يجب أن تكون الموزع الحصري للمساعدات الإنسانية. وبالرغم من أن روسيا والصين تمثلان جبهة موحدة تجاه أحادية القطبية الأميركية، إلا أنه لم يتضح بعد ما إذا ستقوم أي دولة منهما بتقديم ما يكفي من الاستثمارات لعملية إعادة الإعمار لمقاومة تأثير العقوبات على سوريا.

 

رد روسيا على عقوبات قانون قيصر المفروضة على سوريا

بعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، ردت المنابر الإعلامية الروسية بالتعبير عن تضامنها مع الأسد وإدانة السياسة الأميركية تجاه سوريا. ففي مقالة نشرت بتاريخ 18 حزيران لدى صحيفة كوميرسانت في موسكو غير السفير الروسي السابق إلى الجزائر ألكساندر أكسينينوك -الذي عبر فيما مضى عن استيائه من الأسد- موقفه عندما ذكر بأن قانون قيصر هو "امتحان لقدرة روسيا على مواصلة تعويم النظام السوري"، أما دانييلا كريلوف وهي باحثة لدى مركز الدراسات الشرقية فقد عبرت عن مشاعر مماثلة في صحيفة إيزفيستيا، حيث رأت بأن الهدف من عقوبات قيصر هو حرف العملية الدستورية في سوريا عن مسارها وإقامة "دولة سورية جديدة" تحت حكم الأسد.

وأكدت روسيا من جديد التزامها بالاستثمار في عملية إعادة الإعمار التي يقودها الأسد، حيث عبر نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف عن ذلك صراحة في الحادي والعشرين من شهر تموز وكذلك وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في زيارته المفاجئة لدمشق في السابع من أيلول. إذ قبل أيام من توقيع ترامب على قانون قيصر في 21 كانون الأول، اتخذت روسيا خطوات سعت من خلالها إلى تأمين عقود لإعادة الإعمار مع حكومة النظام، والتي ستصبح سارية المفعول بمجرد أن تضع الحرب في سوريا أوزارها.

وفي السادس عشر من كانون الأول، وافق مجلس الشعب على تلك الصفقات التي عقدت مع شركتين روسيتين لتقوما باستخراج النفط من ثلاثة حقول كبيرة، ويرى إيغور ماتفيف الرئيس السابق للقسم التجاري والاقتصادي في السفارة الروسية بدمشق بأن روسيا قد تساهم بمبلغ 500 مليون دولار لإعادة تطوير مرفأ طرطوس ولبناء مصنع للأسمدة في حمص بقيمة 200 مليون دولار.

وبالرغم من المفاوضات التي تتصل بعملية إعادة الإعمار، إلا أن خطر فرض عقوبات ثانوية منع الشركات الروسية من الإعلان عن تلك الاستثمارات الكبيرة منذ شهر حزيران. بيد أن الحذر الروسي أثار سخط المسؤولين في سوريا الذين توقعوا تدفق الاستثمارات الروسية لترفد اقتصاد سوريا التي مزقتها الحرب. إلا أن بعض الخبراء المهمين وعلى رأسهم المدير العام للمجلس الروسي للشؤون الدولية أندري كورتونوف شجعوا سوريا على تمويل نفسها بنفسها لإنعاش اقتصادها.

وبحسب ما يراه ماتفيف فإن هذه العملية قد تحتاج لأن يقوم مسؤولون في حكومة الأسد إلى التعاون بشكل أكبر مع أصحاب مشاريع خاصة وأن يسعوا لخلق بيئة صديقة لسوريا داخل المجتمع الدولي. وفي الوقت الذي يواصل فيه الأسد مقاومته لفكرة القيام بإصلاحات اقتصادية، من غير المرجح أن يتحدى الاتحاد الأوروبي ما تفضله الولايات المتحدة وخياراتها تجاه سوريا في المستقبل القريب، إلا أن المسؤولين الروس يتمنون لقانون قيصر أن يضعف بمرور الوقت عبر الإعفاءات من العقوبات وتخفيف القيود الأميركية المفروضة على المساعدات الإنسانية التي تصل إلى دمشق.

 

 

رد الصين على عقوبات قانون قيصر المفروضة على سوريا

أتت التغطية الصحفية الصينية لقانون قيصر مشابهة للنبرة المعادية لأميركا في المنابر الإخبارية الروسية. ففي مقابلة أجريت في 25 حزيران ذكر وانغ يين وهو أستاذ زميل لدى معهد الشرق الأوسط في جامعة نورثويسترن بشيان بأن قانون قيصر قدم "عذراً للعقوبات المفروضة على الشركات الروسية والإيرانية". وفي مقالة صدرت في 11 تموز/يوليو بصحيفة الشعب اليومية اتهمت الولايات المتحدة بتسييس الأزمة الإنسانية في سوريا واعتبرت العقوبات الأميركية المخالفة للقانون بأنها قمعت الحكومة والشعب السوري بطريقة طائشة. أما المنابر الإعلامية الصينية التابعة للدولة فقد أكدت هي أيضاً على التزام بكين بمقاومة العقوبات الأميركية التي فرضت من قبل طرف واحد على سوريا. وقد شجعت هذه المشاعر الصين على ترؤس تحالف يضم 26 دولة ضد سياسة العقوبات الأميركية في الأمم المتحدة وذلك في الخامس من شهر تشرين الأول/أكتوبر من هذا العام.

ويرى مسؤولون في حكومة الأسد بأن إدانة الصين بشكل صارخ لقانون قيصر دليل على رغبة بكين واستعدادها للاستثمار في عملية إعادة الإعمار التي يقودها الأسد. فقد أكد الأسد في الثاني والعشرين من شهر كانون الأول الماضي على الأرباح المحتملة التي قد تجنيها الاستثمارات الصينية في سوريا، وأعلن أن حكومته تتعامل مع مسؤولين صينيين وتسعى لإيجاد وسيلة للتهرب من العقوبات الأميركية. كما يأمل المسؤولون في سوريا أن تستثمر الصين في بناء ميناء على ساحل البحر المتوسط في سوريا، ليكون حصناً لها ضد الضغوطات الأميركية التي تهدد العلاقة بين إسرائيل والصين.

وبالرغم من التفاؤل العارم في سوريا، إلا أن المسؤولين الصينيين لم يتحدثوا بشكل مباشر عن استثمارات طويلة الأمد في عملية إعادة الإعمار، فقد صورت الصين ما قدمته من مساعدات طبية على أنه شكل من أشكال مقاومة قانون قيصر، لكنها قوبلت بانتقادات في مطلع شهر نيسان/أبريل عندما قدمت صندوقين صغيرين لمعدات الوقاية بهدف مكافحة كوفيد-19 إلى سوريا. ثم إن الصين لم تسر على خطى روسيا التي وقعت عقود إعادة إعمار أولية في مجال النفط الموجود في سوريا، بالرغم من أن هذا القطاع ظل مفتوحاً للاستثمارات الخارجية على وجه الخصوص.

وبسبب غموض الموقف الصيني تجاه الاستثمار في عملية إعادة الإعمار، بدأ خبراء في روسيا والإمارات بالتشكيك برغبة بكين بالاستثمار في سوريا، إذ ذكر فلاديمير بارتينيف وهو أكاديمي في الجامعة الحكومية بموسكو خلال شهر آذار الماضي بأن كلاً من الصين وروسيا وإيران مجتمعين لم يكن بوسعها إلا أن تساهم بمبلغ 30 مليار دولار لمساعدة سوريا على مدار عقد كامل. وبالطريقة ذاتها يرى إيغور ماتفيف بأن "العقوبات الجديدة ستؤجل تورط الصين في جهود إعادة الإعمار"، في حين أن مركز سياسة الإمارات وهو مركز أبحاث رائد مقره في أبوظبي وصف الصين بالخاسرة في قانون قيصر، وزعم بأن تقليص بكين لاستثماراتها في فنزويلا قد يمثل سابقة في تعاملها مع العقوبات المفروضة على سوريا.

وبالرغم من أن روسيا والصين دافعتا بشكل مستمر عن الأسد ضد الازدراء والخزي الذي تعرض له على الساحة الدولية منذ بدء الحرب في سوريا، إلا أن قانون قيصر عقّد مخططات البلدين للاستثمار في عملية إعادة الإعمار بسوريا، وبالرغم من الانتقادات الشديدة التي وجهتها كل دولة منهما لسياسة العقوبات الأميركية، من المرجح أن تتبع كل من روسيا والصين سياسة التدرج في الاستثمار بسوريا إذ تتمنى كل منهما أن تتسبب عملية وقف تصعيد الأعمال العدائية إلى التخفيف من حدة عقوبات قانون قيصر خلال الأشهر والسنين القادمة.

المصدر: ميدل إيست إنستيتيوت