icon
التغطية الحية

كيف خلقت سياسة ترامب مستنقعاً في سوريا لإغراق الأسد وحلفائه؟

2020.07.02 | 18:03 دمشق

gettyimages-1085036540.jpg
فورن بوليسي - ترجمة وتحرير ربى خادم الجامع
+A
حجم الخط
-A

قالت صحيفة "فورن بوليسي" إن نظام الأسد يتداعى تحت وطأة سياسة ترامب في سوريا، تماماً كما خططت وزارة الخارجية الأميركية بأن تخلق مستنقعاً يغرق فيه الروس في سوريا، بحسب وصف جيمس جيفري.

وبعد مرور عامين على "احتفالات النصر" المزعومة، يواجه نظام بشار الأسد اضطرابات متجددة، إذ ثمة حالة تمرد محدودة تختمر في محافظة درعا، مهد ثورة عام 2011، وهنالك احتجاجات عنيفة في طريقها للظهور ضمن محافظة السويداء المجاورة لدرعا. أما اقتصاد البلاد فقد أصبح في طريقه نحو الهاوية.

إذن، ما الذي تغير خلال مدة قصيرة لا تتجاوز سنتين؟ وكيف تحول انتصار الأسد إلى كارثة؟ الجواب هو عبر سياسة إدارة ترامب تجاه سوريا، إذ إن ممارسة ضغوطات بهدوء لكنها لا تعرف الهوادة قد حولت انتصار النظام إلى هباء منثور، وما يجب على الإدارة الأميركية الآن أن تفعله هو أن تقوم بإقناع روسيا بالكف عن دعم نظام الأسد، ما يعني بقاء هذه الاستراتيجية في حالة جمود.

وعندما ذكر المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، في الثاني عشر من شهر أيار/مايو الماضي بأن مهمته تتلخص بتحويل سوريا إلى مستنقع يغرق فيه الروس، مرت هذه العبارة مرور الكرام. إذ تبين بأن ما قاله جيفري لم يكن الهدف منه هو مجرد التعبير عن إحساس عام بمناهضة خطط روسيا في سوريا، بل إنه بكلامه هذا عنون سلسلة الإجراءات التي تم وضعها لمنع عودة التطبيع مع نظام الأسد، أي للتحريض على تجدد الأزمة، وبذلك ستتحول سوريا من رصيد إلى عبء بالنسبة لموسكو وطهران.

وتتلخص الطريقة الأساسية لتحقيق هذين الهدفين في خنق اقتصاد النظام، فالأسد بحاجة للمال بشكل عاجل ليقوم بعملية إعادة الإعمار، إذ قدرت الأمم المتحدة كلفة إعادة إعمار سوريا بمبلغ 250 مليار دولار تقريباً، أي ما يفوق إجمالي الناتج القومي لسوريا قبل الحرب بأربعة أضعاف. ثم إن حلفاء النظام الأساسيين لم يعد لديهم المال ليقدموه له، فإيران تترنح الآن تحت وطأة العقوبات القصوى التي فرضتها عليها الولايات المتحدة، وكذلك من جائحة فيروس كورونا، وكلفة التزاماتها الاستعمارية في اليمن وأفغانستان والعراق وسوريا ولبنان وغزة، إلى جانب خسارتها للرجل الذي كان يدير كل تلك الالتزامات وهو اللواء قاسم سليماني الذي قتل في غارة نفذتها طائرة أميركية من دون طيار مطلع هذا العام. أما روسيا فتواجه أزمة تدهور أسعار النفط والغاز، بالإضافة للعقوبات.

ثم إن الحاجة الماسة لإعادة الإعمار مع عدم توفر التمويل خلق نوعاً من التكتل ضد نظام الأسد لطالما عملت الولايات المتحدة بدأب على تشكيله. إذ قامت الولايات المتحدة أولاً بتشكيل جبهة موحدة مع الاتحاد الأوروبي أخذت تطالب بعدم تقديم التمويل لعمليات إعادة الإعمار في سوريا طالما ظل النظام يرفض القيام "بعملية انتقال سياسي شاملة وحقيقية وغير إقصائية بالتفاوض مع الأطراف السورية في النزاع وذلك بناء على قرار مجلس الأمن رقم 2254"، أي أن الولايات المتحدة ظلت تقول بإنه طالما ظل الأسد يرفض فكرة التفاوض على رحيله، فهذا يعني أن نظامه لن يتلقى أية أموال.

ثانياً، سعت الولايات المتحدة لقطع أي طريق يعتبر مخرجاً محتملاً للهروب من الوضع الاقتصادي الخانق أمام النظام، وذلك عبر ما يعرف بعقوبات قانون قيصر التي فرضت على النظام ودخلت حيز التنفيذ في 17 من حزيران/يونيو، وبموجبها ستتم معاقبة أي طرف ثالث لقيامه بأي تعامل تجاري مع الأسد في سوريا، وبما أن الصين والإمارات أعربتا عن استعدادهما للدخول في عمليات إعادة الإعمار في سوريا في ظل حكم الأسد، فهذا يعني أن الإمارات على الأرجح ستعيد دراسة هذه الفكرة بعد فرض قانون قيصر (وثمة توقعات بأن ردة فعل الصين ستكون أصعب).

ثالثاً: إن الولايات المتحدة تعمل على منع حدوث أي انتصار عسكري نهائي للنظام، إذ بالرغم من الحديث عن الحرب التي وضعت أوزارها، إلا أن الأسد وحلفاءه لا يسيطرون سوى على 60% تقريباً من مساحة سوريا، وذلك لأن 15% من أراضيها أصبحت بيد الأتراك وحلفائهم من "الإسلاميين السنة"، الذين أصبحوا منذ مدة قريبة يتعاملون بالليرة التركية في مناطقهم، بدلاً من التعامل بالليرة السورية التي فقدت قيمتها. وهنالك أيضاً 25% من الأراضي السورية تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع الولايات المتحدة. كما أن الولايات المتحدة دعمت تركيا في مواجهتها للحملة العسكرية التي شنها النظام بدعم من روسيا في شهر آذار/مارس الماضي. وبخلاف التغريدة التي نشرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتي أعلن فيها عن الانسحاب الأميركي من سوريا في تشرين الأول/أكتوبر 2019، ماتزال القوات الأميركية ترابط في المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد.

ثم إن الهدف المباشر لسياسة إدارة ترامب تجاه سوريا، والتي تبين أنها صدرت وأديرت من مكتب وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، هو ضمان قبول النظام بوقف إطلاق نار غير مشروط يعم كل أنحاء البلاد، وهذا بدوره سيؤدي إلى تجميد خطوط القتال وبدء المفاوضات حول المستقبل السياسي لسوريا. وتأمل الولايات المتحدة أن يعقب ذلك إجراء انتخابات حرة ورحيل الأسد، إلا أن واشنطن تحتفظ بقدرتها على تصعيد الضغوطات الاقتصادية أو تخفيفها، بقدر التعاون الذي يبديه الأسد وروسيا.

وفي ظل غياب هذا التعاون، لابد أن يستمر الوضع الراهن الذي تخنقه الضغوطات المفروضة على سوريا، ويشمل ذلك نقصاً متزايداً في المواد الأساسية مما يخلق معاناة لدى الشعب السوري، وانهيار العملة السورية (التي أصبحت تعادل اليوم 3000 ليرة مقابل الدولار الواحد في السوق السوداء بعدما وصلت قيمتها إلى 50 ليرة مقابل الدولار الواحد قبل الحرب). ويتضمن ذلك أيضاً الهجمات المسلحة كتلك التي شهدتها درعا على مدار العام المنصرم، وتزايد الشقاق والنزاع ضمن أرفع المستويات داخل النظام، وذلك لأن الأسد سعى خلال الفترة الأخيرة لتحصيل الأموال من أفراد عائلته، وبينهم ابن خاله الملياردير رامي مخلوف.

وبالنسبة للفقراء من السوريين، ستكون عواقب كل ذلك وخيمة بالنسبة لهم، فقد غرد الصحفي داني مكي المقرب من النظام يوم 7 من حزيران/يونيو وقال: "لقد وصل الوضع الاقتصادي في سوريا إلى نقطة الانهيار، فهنالك نقص بالأدوية، وأصبح الجوع سمة عامة، كما بلغ الفقر أسوأ مستوى يمكن أن يصل إليه، لدرجة أن الناس بدؤوا ببيع أعضائهم ليعيلوا أنفسهم".

لذا من المحتمل أن يقوم المتحدثون الرسميون باسم النظام والمدافعون عنه خلال الفترة القادمة بالتركيز على الوضع الإنساني المتعثر في مناطق النظام، إلى جانب مناشداتهم التي تهدف إلى تخفيف القيود المفروضة على البلاد. بيد أنه من الصعب أن نثق بمصداقية اكتشاف النظام المتأخر لمخاوفه وقلقه إزاء الوضع الإنساني الذي يعاني منه شعبه. إذ خلال تغطيتي للأحداث التي تجري في سوريا منذ السنوات الأولى للحرب الأهلية شاهدت الاستهداف المتعمد للبنية التحتية المدنية، وقد شمل ذلك المشافي، وذلك على يد القوات الجوية التابعة لنظام الأسد في حلب، خلال صيف عام 2012. وتعتبر هذه العمليات التي تكررت في عموم أنحاء البلاد السبب الأساسي في مقتل أعداد مهولة من المدنيين خلال الحرب السورية، الذين لم يسمعوا عن إنسانية النظام التي اكتشفها في نفسه مؤخراً.

ثم إن الاستراتيجية الأميركية لم تنجح بعد في تحقيق هدفها الأسمى ألا وهو تغيير حسابات النظام، أما النتيجة المباشرة لتلك الاستراتيجية فقد تمثلت بالشقاق الذي ظهر بين العناصر المختلفة التي تؤيد النظام، ويشمل ذلك موجة الانتقادات التي ظهرت في الشارع الروسي تجاه الأسد، والشجار الذي نشب بين الأسد ورامي مخلوف، وازدياد التوتر بين العناصر المناصرة لروسيا وتلك التي تناصر إيران بين قوات أمن النظام في محافظة درعا التي مزقتها تلك الخلافات. إلا أن استراتيجية مثل هذه لا تحتاج لنتائج فورية، وذلك لأن الكلفة المباشرة التي تتجشمها الولايات المتحدة من جراء فرض حصار اقتصادي على سوريا التي يحكمها الأسد، كتلك الحملة التي تمثلت بفرض أقصى الضغوطات على إيران، تعتبر منخفضة، بل غير موجودة أصلاً.

وبالنسبة لمن يتساءل حول شكل مستقبل استعراض القوة والنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط لابد له أن يراقب وعن كثب الشكل الحالي الذي تتخذه السياسة الأميركية تجاه سوريا، وذلك لأن العنصر الأساسي فيها يتمثل بتفعيل سلاح القوة الاقتصادية التي يتمتع بها الغرب. ثم إن المعسكر المحيط بالأسد متمرس بالحروب السياسية والحروب بالوكالة، ولا يعرف قلبه الرحمة عندما يتعلق الأمر بالسعي لتحقيق أهدافه، كما استغل هذا المعسكر جهود القوى الإقليمية المتحالفة مع الغرب لطرد ديكتاتورية الأسد، إلا أن نقطة ضعف هذا المعسكر تتمثل بضعف موارده الاقتصادية، وقد تم استغلال نقطة الضعف هذه الآن، دون أن تتكلف الولايات المتحدة سوى كلفة بسيطة، دون الحاجة للتعهد بالتزامات عسكرية هائلة يحاول كل من الرئيس وعامة الأميركيين تفاديها، والهدف من كل ذلك هو تحويل سوريا إلى مستنقع يغرق الديكتاتور وحلفاءه.

وبالرغم من أن قسماً كبيراً من الحرب انتهى في سوريا، إلا أن الولايات المتحدة ضمنت أن تظل المشكلات الضمنية فيها دون حل، والنتيجة حالة الجمود التي كللت النزاع الذي تم تجميده، مع استمرار حالة الفقر، وتقسيم البلاد بشكل عشوائي بين سلطات الأمر الواقع، كل ذلك يقف في وجه انتصار الأسد وحلفائه. وهذا سيظل الواقع العملي لمستقبل البلاد إلى أن يصبح الأسد وحلفاؤه مستعدين للتفاوض بناء على الشروط التي يبدي من يعارضوهم فيها استعدادهم لقبولها.