كيف تنعكس الأزمة الأمريكية التركية على المشهد السوري؟

2018.09.01 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لا شك أن الأزمة المتفجرة بين أمريكا وتركيا ستترك أثارها على العلاقات بين البلدين بالمعنى الثنائي المباشر كما على الملفات، أو القضايا التي كان يتم العمل عليها بشكل مشترك، وفي صلبها وجوهرها القضية السورية.

عندما وصلت العلاقات بين الجانين إلى النقطة الحرجة. فأما أن يتم إصلاحها فوراً أو أنها ستذهب في اتجاه يجعل من الصعوبة بمكان إعادتها إلى طبيعتها حسب تعبير وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو أثناء لقائه مع وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون نهاية إبريل/ نيسان الماضي، حيث تم التوافق على تشكيل أربع لجان لحل الخلافات العالقة التي أوصّلت العلاقات للنقطة الحرجة وهو ما تم التصديق عليه بشكل نهائي مع الوزير الجديد  مايك بومبيو أوائل حزيران الماضى، اللجان التي بالمناسبة واحدة منها فقط تتعلق بالعلاقات الثنائية في أبعادها المختلفة السياسية الاقتصادية العسكرية القضائية، بينما الثلاث الأخرى ذات علاقة مباشرة أو غير مباشرة بسوريا، واحدة منها تتعلق بخارطة طريق خاصة بمدينة منبج، والثانية بمكافحة التنظيمات الإرهابية في سوريا العراق والمنطقة، والأخيرة تتعلق بالتطورات أو المشهد السياسي العام في سوريا.

في السياق السوري ما زالت الخلافات الأمريكية التركية مستمرة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب مع استمرار واشنطن في إرسال الأسلحة للجناح السوري لحزب العمال

من هنا، يبدو السؤال منطقياً وملحاً عن تأثير الأزمة التركية الأمريكية المتفاقمة على تلك اللجان والملفات، علماً أن ثمة رغبة علنية وواضحة أقله من القادة العسكريين والميدانيين على تحييد الملفات العسكرية الأمنية الملحة عن الخلافات السياسية قدر الإمكان، وهذا ما بدا جلياً وملموساً في استمرار تنفيذ خارطة الطريق حول منبج استمرار التعاون في مكافحة الإرهاب رغم التباين الكبير حتى الجدال في السياقين السياسي والإعلامي.

فيما يتعلق بمنبج، فإن تنفيذ خارطة الطريق  يسير رغم الأزمة الاخيرة ولو بشكل بطيء. فالدوريات الأمريكية التركية على حدود المدينة ما زالت مستمرة، ووصل عددها إلى 35 منذ أيام، بينما أكد وزير الدفاع الأمريكي  جيمس ماتيس بنفسه على احترام الاتفاق، والالتزام التام به علماً أنه ما زالت أمامه فسحة زمنية تمتد إلى نهاية العام، والامتحان سيكون بانتقال الدوريات إلى داخل المدينة نفسها، وانسحاب بي كا كا-السورى- منها بشكل جدّي ونهائي، ومن ثم انطلاق عمل المجالس المحلية المدنية والعسكرية التي تم التوافق عليها وباتت جاهزة للانطلاق والعمل لادارة وحماية المدينة بإشراف ثنائي أمريكي- تركي مع الانتباه طبعاً إلى رغبة تركية واضحة في تعميم التجربة وانتقالها إلى منطقة شرق الفرات، وتحديداً في المنطقة الحدودية المشتركة، وهذا سيرتبط حتماً بمدى تحسن العلاقات بين الجانبين، كما بالنقاش حول المشهد السياسي العام في سوريا.

اللجنة الثانية أو نقطة التماس الأخرى بين البلدين؛ تتمثل بالعمل المشترك وتنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب يتم الحديث أساساً عن تنظيمي داعش وبي كاكا، بينما أصرت أنقرة دائماً على التعامل مع قسد كجناح سوري للتنظيم التركي الإرهابي، ورغم أن الخلاف مستمر حول هذه النقطة، إلا أن التعاون ضد التنظيم الأم يسير بشكل جيد وفعال، حتى أن واشنطن ومؤسساتها المعنية قدمت معلومات أمنية مهمة لأنقرة وجهاتها المعنية ساهمت في تحديد مكان و اغتيال-زكى شنكالى- مسؤول رفيع بالتنظيم في منطقة سنجار منتصف آب اغسطس الجارى، وهي العملية التي احتفت وزارة الدفاع التركية بتنفيذها الدقيق، أذاعت فيديو مصوّر لها مع تأكيد مصادرها على المساهمة الأمريكية الفعالة فيها.

نقطة التماس الأخرى بين البلدين تتمثل بالعمل المشترك وتنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب يتم الحديث أساساً عن تنظيمي داعش وبي كاكا

أما في السياق السوري ما زالت الخلافات الأمريكية التركية مستمرة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب مع استمرار واشنطن في إرسال الأسلحة للجناح السوري لحزب العمال، ورغم الحديث عن الانسحاب الأمريكي من سوريا، إلا أن العمل ما زال مستمراً لإقامة قواعد ومطارات عسكرية جديدة، وحتى نشر منظومات للدفاع الجوّي وآخر مضادة للصواريخ في مناطق سيطرة بي كا كا السوري، وهو ما  رفضته واشنطن طوال سنوات في مناطق المعارضة رغم إلحاح تركيا على إدارة أوباما السابقة بعد فترة وجيزة على اندلاع الثورة.

اللجنة الثالثة المعنية بالشأن السوري تتعلق بالتطورات أو المشهد السياسي العام، بيد أن عمل اللجنة شبه مجمد لصالح التركيز على اللجان الأخرى الأكثر إلحاحاً وضغطاً، كما لأن البيئة السياسية غير مؤاتية في ظل احتدام وتفجر العلاقات يبن البلدين.

في الجانب السياسي ثمة خلافات وتباينات واسعة بين الجانين منذ إدارة أوباما السابقة، وهي استمرت مع إدارة ترامب الحالية، حيث دعت تركيا مبكراً جداً إلى إقامة منطقة آمنة لحماية المدنيين والثوار، وخلق بقعة بيئة آمنة لهم بعيداً عن بطش النظام وحلفائه، كما للصغط عليه وإجباره للانصياع للحل السياسي وعملية جنيف التى زعمت واشنطن أنها السبيل الوحيد للتغيير، بينما إدارة أوباما رغم تلعثمها وغموضها لم تمانع عملياً بقاء النظام – نبقى رجلهم في دمشق حسب التعبير الحرفى لأوباما فى تبرير مفاوضاته السرية مع الايرانين حول الملف النووى - ولا حتى الاحتلال الروسي الذي تم بضوء أخضر أو برتقالي وعدم ممانعة من الإدارة التي لم تنظر ولم تتعاطى معه بحزم، كما فعلت مع الاحتلال الروسي للقرم ومناطق من شرق أوكرانيا.

في الجانب السياسي ثمة خلافات وتباينات واسعة بين الجانين منذ إدارة أوباما السابقة وهي استمرت مع إدارة ترامب الحالية

واشنطن بحثت عن مصالحها وركزت على المعركة ضد تنظيم داعش التي خدمت  عملياً النظام وحلفائه،  وهى سيطرت بحجة محاربة التنظيم داعش على مناطق شرق الفرات الغنية بالنفط والغاز والثروات الزراعية. وكانت طوال الوقت غامضة مريبة تجاه الحل السياسي، لم تكن حاسمة تجاه وحدة الأراضي السورية، بل على العكس كانت وما زالت  منفتحة على أفكار تقسيمية أو في الحد الأدنى،  على إدامة الواقع الراهن.

على العكس تماماً كانت تركيا ومع تأكدها من عدم جدية واشنطن في القضية السورية أو أخذ مصالحها الحيوية والاستراتيجية بعين الاعتبار، بادرت إلى الدفاع عن نفسها ومصالحها ضد التنظيمات الإرهابية ودائماًرغماً عن واشنطن،  عبر عمليتى "درع الفرات" ثم "غصن الزيتون"، وسياسياً عبر التقارب ومحاولة التفاهم مع روسيا صفتها القوة قائمة الاحتلال في سوريا، التي أتت أصلاً بموافقة ودون ممانعة واشنطن ولتخفيف الضغط عليها سورياً وضعت تركيا العلاقة مع موسكو ضمن منظور واسع للعلاقات الثنائية قائم على المصالح المشتركة في ملفات وقضايا متعددة سياسية اقتصادية وعسكرية.

بناء على ما سبق، وفي ضوء الواقع المتأزّم، والذي سينال حتماً من حقيقة التحالف بين الجانبين الأمريكي والتركي، خاصة مع الاختلاف، وحتى التناقض في ملفات سياسية وإقليمية أخرى سيتم الاكتفاء بالعمل  فى المدى المنظور على صيانة وضمان مع هو موجود ومتفق عليه، مثل خارطة طريق منبج ومكافحة الإرهاب ضمن القواعد أو المحددات المتفق عليها، بينما ستستمر الخلافات في الجوانب الأخرى، وفي ظل القطيعة أو الجمود في السياق السياسي، سيعمل العسكر والقادة الميدانيون على صيانة وحفظ العلاقة في حدّها الأدنى لإبقائها على قيد الحياة من جهة، ولإبقاء الأمل في حل الخلافات وتحسين وتطوير العلاقات فيما بعد،وهو ما يعنى من جهة أخرى مواصلة تركيا العمل مع روسيا من أجل الحل السياسى والانفتاح على قوى غربية أخرى أخرى مثل فرنسا المانيا لتعويض الغياب الأمريكى، مع الاقتناع طبعاً أن من الصعوبة بمكان التوصل الى حل سياسى عادل مستدام ، وفق آلية جنيف أو أي آلية أخرى، فى غياب واشنطن ودون رضاها كونها كانت وما زالت وعلى عكس ما يعتقد كثيرون اللاعب الأبرز سورياً و تحتل مباشرة نسبة  معتبرة ولا يستهان بها من الأراض السورية .