كيف تنظر إسرائيل إلى معركة إدلب؟

2018.09.15 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

"من الصواب التركيز على حدثين يرتبط أحدهما بالآخر، ففي المدى الزمني القريب إسرائيل تتطلع إلى المعركة المرتقبة في إدلب، وفي المستوى المبدئي يجب العمل باسم الهدف الاستراتيجي الأعلى، لمنع تثبيت وجود إيران في سوريا وفي لبنان. "إسرائيل تنظر من بعيد إلى ما يجري في إدلب، وهي تنتهج سياسة ثابتة قائمة على عدم التدخل في سوريا حتى في ضوء وقوع مذبحة جماعية للمدنيين هناك بحسب تحذيرات دولية. "قد تكون هذه السياسة صحيحة بمقاييس الواقعية السياسية، ولكن من المهم القول إنها تلقي على إسرائيل مسؤولية أخلاقية".

هكذا كان رأي الجنرال احتياط عاموس يدلين-يديعوت أحرونوت الخميس في 6 من أيلول- الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية.

إن حكومته لا تتدخل بالمعركة ولكن تنظر إليها من زاوية ما تعتبره الهدف الأساس لها المتمثل بمنع التموضع، أو التمركز الإيراني في سوريا، الأمر لا يتعلق طبعاً بوجود الميليشيات الطائفية المملة والمشغلة إيرانياً.

و الرئيس الحالي لمعهد الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب والذي يوصف بأنه أحد العقول الاستراتيجية البارزة في الدول العبرية متحدثاً أو بالأحرى معبراً عن نظرة إسرائيل إلى معركة إدلب، كما عن النظرة العامة إلى المشهد في سوريا.

في السياق نفسه تحدث وزيران إسرائيليان بارزان عن نفس الموضوع  هما وزير الدفاع  أفيغدور ليبرمان-الجمعة 7 أيلول- الذي اعتبر أن أي تفاهمات  سياسية قد تنتج عن المعركة لا تلزم إسرائيل، التي ستدافع عن مصالحها، كما فعلت وتفعل دائماً. ووزير شؤون القدس زئيف الكين الذي قال إن حكومته لا تتدخل بالمعركة ولكن تنظر إليها من زاوية ما تعتبره الهدف الأساس لها المتمثل بمنع التموضع، أو التمركز الإيراني في سوريا، الأمر لا يتعلق طبعاً بوجود الميليشيات الطائفية المملة والمشغلة إيرانياً، ولا حتى بإعادة ترميم قواعد ومعسكرات جيش النظام الذي لا تعترض عليه، وإنما يتعلق بمنع إقامة مطارات موانىء، ونشر منظومات صاروخية بعيدة المدى، أو منظومات متقدمة مضادة للطيران.

في الحقيقة فإن كلام يدلين كاف وحده لفهم واستنتاج النظرة الإسرائيلية إلى معركة إدلب التي لا تختلف بالعموم عن النظرة إلى تطورات المشهد في سوريا بشكل عام والمستندة إلى ثلاث نقاط أساسية: العلاقة مع الاحتلال الروسي، بصفته رب البيت أو صاحب القرار حسب التعبير الإعلامي الإسرائيلي الدارج، العلاقة مع النظام والتي تمر من خلال الروس والتفاهمات معه، العلاقة مع التمركز ليس الوجود الإيراني بحد ذاته، الذي لم تعترض ولا تعترض عليه تل أبيب، ولكن يمكن إضافة نقطتين غير مباشرتين محاولة إسرائيل للانخراط في الحرب  العالمية على الإرهاب، الإشارة إلى البعد الأخلاقي في معركة إدلب كما في الجرائم التي يرتكبها النظام وحلفاؤه في سوريا.

لم يكن غريباً بالنسبة للمتابعين الباحثين بالشأن الإسرائيلي إشارة يدلين إلى المسألة الأخلاقية، وهي تستغل جرائم النظام وحلفائه لتبييض صفحتها، للفت الانتباه عما ارتكبته وما زالت ترتكبه من جرائم بحق الشعبين الفلسطيني والسوري رغم أن الاحتلال نفسه مجرم، وتتناقض مع القوانين والمواثيق الدولية نفسها التي ينتهكها النظام بمنهجية وتعمد.

رغم التحذيرات من نية النظام استخدام السلاح الكيماوي في معركة إدلب المحتملة ، إلا أن تل أبيب لا تبدو مهتمة كثيراً بهذا المعطى،  مع أنها كانت شريكة ووسيطة فى اتفاق الكيماوي سيء الصيت فى العام 2013 والتفسير يتمثل بيقينها أن النظام تخلص فعلاً من معظم ترسانته ، وأن ما تبقى لديه يستخدمه فقط ضد شبعه كما أن قرار الاستخدام و القرارات  المهمة الأخرى، لا تتم دون موافقة أو أوامر روسية،  ما يجعل تل أبيب مطمئنة على خلفية الحوار والتنسيق والتفاهم الراسخ مع روسيا منذ احتلالها لسوريا فى العام 2015 .

في السياق المبدئي كما الاستراتيجي فإن النظرة الإسرائيلية إلى المشهد في سوريا تنطلق أساساً من التفاهمات مع القوة القائمة بالاحتلال رب البيت الروسي كما يقال إسرائلياً، ومن هنا فإن تل أبيب ترى أن معركة إدلب هو قرار روسي يتعلق بالمصالح الروسية، أو التوترات في العلاقة مع أمريكا والغرب أو العجز عن التعبير عن الإنجازات العسكرية في السياق السياسي. من هنا فإن تل أبيب لا تعترض أو لا تتدخل حسب تعبير يدلين والكين في الشؤون الداخلية في سوريا، ولا تتجادل مع رب البيت إذا فتح معركة هنا أو هناك مع التركيز على الهدف الاستراتيجي المتعلق بمنع تثبيت التواجد - التموضع الإيراني ببعده الاستراتيجى في سوريا.

بتفصيل أكثر إذا أرادت موسكو فتح المعركة فى إدلب أو لا، وإذا انخرطت فيها إيران وميليشياتها أو لا، فإن هذا لا يهم تل أبيب التي ستستمر في منع ما تصفه بالتموضع الاستراتيجي الإيرانى بضوء أخضر وتفاهم تام مع موسكو يتضمن حريتها المطلقة في تنفيذ الغارات والهجمات وحتى الاغتيالات تحت سمع بصر أجهزتها وإداراتها، وحتى التنسيق المباشر معها كما حصل في غارات مايو أيار ضد المواقع الإيرانية وحتى في إسقاط طائرة سوخوى النظام فى يوليو/ تموز الماضي.

لا بد من التأكيد دائماً على أن إسرائيل تستغل أصلاً الاحتلال الإيراني، ليس فقط للتغطية عن احتلالها لفلسطين أو تبرير تسويغ احتلالها للجولان،

العلاقة مع نظام بشار باتت مرتبطة أو جزءا من العلاقة العامة مع الاحتلال الروسي، إذا ما أعاد النظام احتلال إدلب أو حتى إعادة احتلال سوريا مرة أخرى، فإن هذا لا يهم تل أبيب طالما أنه يلتزم الاتفاقات والمعاهدات السابقة.

إنما لنسج علاقات مع دول عربية إسلامية على قاعدة أن الخطر، على أمن استقرار المنطقة يأتي فقط من الاحتلال والسياسات الإيرانية مع تجاهل الاحتلال الإسرائيلي وممارساته في فلسطين والمنطقة.

العلاقة مع نظام بشار باتت مرتبطة أو جزءا من العلاقة العامة مع الاحتلال الروسي، إذا ما أعاد النظام احتلال إدلب أو حتى إعادة احتلال سوريا مرة أخرى، فإن هذا لا يهم تل أبيب طالما أنه يلتزم الاتفاقات والمعاهدات السابقة، كما قال ليبرمان - طالما أن السياسات العامة والخطوط العريضة تتفاهم عليها تل أبيب مباشرة مع موسكو، علماً أن الموقف الإسرائيلي الرسمي والمعلن هو الموافقة، وعدم الممانعة في تعويم النظام وعودته للعمل كحارس أمن لإسرائيل .

عندما تحدث ليبرمان عن تفاهمات سياسية تالية لمعركة إدلب كان يتحدث عن احتمالات افتراضات بينما كانت الغطرسة طاغية على كلامه لأولوية أمن ومصالح إسرائيل، إعطاء نفسها حرية القيام بما تراه مناسباً لتحقيق ذلك بعيداً عن أي قيد، الأهم أنه أصر على معاهدة فك الاشتباك فى العام 1974، كأساس للتعاطي مع النظام مع رغبته طبعاً في تعميمها أو جعلها القاعدة للتعاطي والنظر إلى ما تصفه بالتموضع الإيراني فى سوريا.

فى الأخير وباختصار لا تبدو إسرائيل مهتمة أو منشغلة كثيراً بمعركة إدلب، تعتبرها شأن داخلي سوري أو روسي ربما ، لا يعنيها سوى التحسب من استغلال طهران المعركة لتكريس تموضعها بالمعنى الاستراتيجي فى منطقة إدلب أو حتى فى مناطق أخرى من سوريا والإقليم، مع استغلال التطورات والمستجدات لتكريس شرعيتها فى المنطقة وتقديم نفسها كلاعب في الحرب على الإرهاب، قبل ذلك وبعده لفت الانتباه عن احتلالها لفلسطين، لصالح التركيز على الخطر الإيراني وجرائم النظام وحلفائه فى سوريا .