icon
التغطية الحية

كيف تعرقل التوترات في شمال حلب مناخ الاستثمار وإعادة الإعمار؟

2025.10.12 | 10:53 دمشق

حي الشيخ مقصود في حلب (فيس بوك)
حي الشيخ مقصود في حلب (فيس بوك)
حلب - خاص
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- التوترات الأمنية في حلب، خاصة في مناطق الأشرفية والشيخ مقصود، تعرقل جهود التعافي الاقتصادي وتثني المستثمرين عن العودة بسبب مخاوف من اندلاع اشتباكات أو قصف.
- الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر يؤكد أن الاستقرار السياسي والأمني ضروري لجذب الاستثمارات، حيث تخلق التوترات بيئة غير مستقرة تعيق اتخاذ قرارات استثمارية طويلة الأمد.
- التوترات تؤثر سلباً على عودة النازحين، حيث تدفعهم إلى العدول عن العودة إلى حلب بسبب فقدان الثقة في الاستقرار، مما يؤثر على القرارات الاجتماعية والاقتصادية.

تواجه حلب عقبة جديدة أمام جهود التعافي الاقتصادي بسبب بقاء أحياء مثل الأشرفية والشيخ مقصود وما جاورها من تجمعات صناعية تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهو ما يثير مخاوف رجال الأعمال والسكان من اندلاع قصف أو اشتباكات في أي لحظة، ما يعرقل مشاريع الإعمار ويثني المستثمرين عن العودة إلى المدينة، حتى إن أعداداً من النازحين في دول الجوار عدلوا عن فكرة العودة في الوقت الحالي بعدما سمعوا بالتطورات الميدانية الأخيرة في المدينة التي سادت فيها وما تزال حالة من التوتر الأمني والعسكري.

مناخ استثماري هش

يتفق عدد من أصحاب الورش الصناعية والمستثمرين المحليين على أن حالة التوتر الأمني والعسكري في عدد من الأحياء تؤثر سلباً على المناخ الاستثماري في حلب، وأكد عدد منهم، ممن التقاهم موقع تلفزيون سوريا، أن أي تهديد متكرر للأمن يرفع كلفة التشغيل ويزيد من مخاطر خسارة رؤوس الأموال، وأشاروا إلى أن وقوع قذائف هاون أو اشتباكات متفرقة في المناطق السكنية وبقاء حالة التوتر، يضع المدنيين في دائرة الخطر ويجعل من الصعب على الورش والمعامل الصغيرة مواصلة عملها بسوية منتظمة.

يرى الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر في تصريح لموقع تلفزيون سوريا أن الاستقرار السياسي والأمني والعسكري هو المدخل الرئيسي لأي انتعاش اقتصادي في سوريا، مشيراً إلى أن الحكومة السورية تبذل جهوداً واضحة لتحقيق هذا الهدف، غير أن استمرار بعض القوى، وعلى رأسها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في افتعال توترات ميدانية – خصوصاً في حلب – يعيد رسم المشهد بطريقة تعرقل أي تقدم حقيقي في مسار الاستقرار وجذب الاستثمارات.

ويمتد الضرر الاقتصادي الذي تسببت به التوترات الأمنية والعسكرية الأخيرة على أحياء الشيخ مقصود والأشرفية وحي بني زيد المجاور، كثير من ورش الخياطة المنتشرة في حي الأشرفية توقفت عن العمل بسبب غياب العمالة على خلفية الوضع الأمني المتردي، وكذلك ارتفاع أسعار المحروقات وتوقف دخول لوازم صناعة الألبسة الجاهزة وارتفاع أسعارها أيضاَ على خلفية تحكم التجار بتوريدها واحتكارهم لعمليات توزيعها على الورش.

جاذبية السوق

وأوضح السيد عمر أن فرص الاستثمار لا تتشكل فقط من توافر الموارد أو الحاجة إلى المشاريع، بل تعتمد أولاً على وجود مناخ مستقر سياسياً وأمنياً واجتماعياً، وهو ما تبحث عنه أي شركة أو جهة اقتصادية قبل دخول أي سوق جديدة. وأضاف أن التوترات التي تثيرها "قسد" في حلب تخلق بيئة مضطربة تصعّب اتخاذ قرارات استثمارية طويلة الأمد أو إطلاق مشاريع تنموية ذات جدوى.

وأشار الباحث إلى أن الشركات عند دراسة أي بيئة استثمارية، لا تنظر فقط إلى حجم الموارد أو الحاجات التنموية، بل تأخذ بعين الاعتبار عوامل أساسية مثل الاستقرار السياسي، والأمن، ووضوح الإطار القانوني، وفاعلية المؤسسات في حماية الاستثمارات وضمان حقوق المستثمرين، وتُقاس هذه العوامل من خلال مؤشرات دولية معروفة مثل مؤشر مخاطر الاستثمار ومؤشر الاستقرار السياسي وتقرير بيئة الأعمال الصادر عن البنك الدولي، والتي تنعكس نتائجها مباشرة على قرارات الشركات الكبرى، إذ تتجنب تلك الأسواق التي تفتقر إلى الاستقرار والضمانات الواضحة.

 

ولفت السيد عمر إلى أنه لا يمكن الحديث بجدية عن إعادة إعمار أو انتعاش اقتصادي أو حتى بداية تعافٍ تدريجي، في ظل استمرار التوترات العسكرية والسياسية المفتعلة في مناطق مثل حلب، لافتاً إلى أن هذه الأحداث ليست مجرد اضطرابات أمنية عابرة، بل تعمّق مناخ عدم الاستقرار وتقنع المستثمرين، أفراداً ومؤسسات، بأن الوقت لم يحن بعد لضخ رؤوس الأموال أو العودة إلى السوق السورية.

وبين أن الأثر السلبي لـ"قسد" يتجاوز الجانب الأمني إلى أبعاد سياسية واقتصادية أوسع، إذ تسهم هذه الممارسات في تعقيد فرص التوصل إلى تسوية وطنية شاملة تُعيد تفعيل مؤسسات الدولة وترسّخ الوحدة الوطنية، وبحسب السيد عمر، الطريق إلى التعافي الاقتصادي في سوريا يمر عبر بوابة الاستقرار الشامل، الذي يفتح المجال أمام عودة رأس المال وتفعيل الإنتاج وبناء الثقة، مشيراً إلى أن ما تقوم به "قسد" في حلب وغيرها لا يعرقل هذا المسار فحسب، بل يعمّق الأزمة ويدفع بالفرص الاقتصادية إلى مزيد من التراجع.

التوتر يؤخر عودة النازحين

لا تقتصر آثار التوتر الأمني والعسكري في حلب على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمتد إلى الجانب الإنساني والاجتماعي، فبحسب ما رصده موقع تلفزيون سوريا، فإن الاضطرابات الأخيرة في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية دفعت كثيرين من النازحين إلى العدول عن فكرة العودة إلى المدينة، لا سيما أولئك المقيمين في دول الجوار أو في أوروبا، الذين كانوا يخططون للعودة مع تحسن الأوضاع خلال الأشهر الماضية.

يقول أبو أحمد (نازح من حلب يعيش في مدينة اعزاز شمال حلب) لموقع تلفزيون سوريا: "كنت أتابع أخبار المدينة يومياً، وكنت أنوي العودة مع دخول فصل الشتاء، لكن عندما سمعت عن الاشتباكات والقصف رجعت عن قراري، لا أريد أن أعرض أولادي للخطر من جديد، كنت وعائلتي قد تجاوزنا مسألة الوضع المتردي للخدمات كمياه الشرب والكهرباء وغيرها، لكن لا يمكننا التأقلم مع وضع أمني هش، في أي لحظة ممكن أن تندلع معركة".

ويرى عدد من سكان حلب أن التجدد المستمر للتوترات الأمنية والعسكرية على أطراف الشيخ مقصود والأشرفية واستهداف الطرق الحيوية يفقد الناس الثقة بأي وعود بالاستقرار، ويجعلهم يعيشون حالة ترقب وخوف دائمة، ما ينعكس مباشرة على قرار العودة أو البقاء في مناطق النزوح، وربما التريث قبل افتتاح مشاريع حتى وإن كانت صغيرة (محال تجارية وأفران وورش خياطة) لأن الأوضاع غير مستقرة ويخشون من ضياع أموالهم.