كيف تشكل إثيوبيا خطراً  إضافياً على الأمن القومي العربي؟

2021.11.05 | 05:29 دمشق

كيف تشكل إثيوبيا خطراً  إضافياً على الأمن القومي العربي؟
+A
حجم الخط
-A

إن تداعيات الربيع العربي على الدول العربية، والتدخلات الإقليمية وعدم وجود مشروع أو خطة دولية واضحة للحل في اليمن، ليبيا، سوريا، العراق، والخلافات حول النفط والغاز في المياه الدافئة أو في تلك الدول، شكّلت تضخماً في المشكلات التي تواجه الدول العربية، عمّقها تنافس الدول الإقليمية ودور الدول الفاعلة الرئيسة في الصراع الدائر في تلك الدول العربية.

أدى كل ذلك إلى رسم خريطة جديدة للأخطار والتهديدات التي تتربص بحدود المنطقة العربية، والانتقال صوب مواجهة خطر جديد يلوح في الأفق. وبعيداً عن قضايا العنف المباشر عبر التسليح، فإن حجم التهديد الحقيقي لإثيوبيا على الدول العربية يحمل ثلاثة أخطار على الوضع العربي، إحداهما يتعلق بالحصص المائية، والثانية بالمخاوف العربية من انتقال ما يُعرف بعدوى تطلعات الجماعات المغايرة وغير المنسجمة مع النظام السياسي العام للدولة التي يعيشون فيها، وهي بذلك، أي الأنظمة العربية، ستدفع ثمن استهتارها وقمعها لقرابة نصف قرنٍ لقضايا القوميات والشعوب المتمايزة عن الأكثرية، وتمازج الخطرين معاً ليشكلا خطراً ثالثاً حول المصالح الحيوية للدول العربية بالقرب من إثيوبيا.

مصر متخوفة من حصتها السنوية من مياه النيل، وتعيش السودان إضافة إلى مآسيها ووضعها العام السيئ، تخوفاً من تداعيات ملء سد النهضة

ويشكل ما توجهت إليه إثيوبيا عبر بنائها لسد النهضة على مجرى النيل الأزرق من حرمان شركائها وجيرانها /السودان –مصر/ من مياه النيل بالرغم من فشلها في عملية الامتلاء الثانية، مؤشراً لتصبح في خانة التهديد والخطر الأول، وستشكل تهديداً مستقبلياً ضخماً ما لم يوضع لها حلول جذرية، وما تستتبعه من تداعيات سياسية وأمنية حول حصص كل من تلك الدول من مياه النيل.

فمصر متخوفة من حصتها السنوية من مياه النيل، وتعيش السودان إضافة إلى مآسيها ووضعها العام السيئ، تخوفاً من تداعيات ملء سد النهضة على منشآته المائية في النيل الأزرق، وتتفقان في عدّم اقتناعهما بالمبررات التي ساقتها إثيوبيا لبناء السد على أنها لتوليد الطاقة فحسب. كما ويشكل الموقع الجغرافي للسد مشكلة لكلا الدولتين العربيتين، حيث يبعد عن الحدود السودانية قرابة الــ20 كيلومتراً، ويسيطر على النيل الأزرق، ويتوقع أن يولد طاقة كهربائية تصل إلى أكثر من "6000 ميغاواط"، بسعة تخزينية إجمالية "74 مليار متر مكعب" لمياه السد. وهو بذلك يشكل خطراً على الأمن المائي للدولتين وتالياً تهديداً مباشراً للأمن القومي الاستراتيجي لمصر والسودان، وتداعي الخطر على مجمل المنطقة العربية.

هذه الأخطار التاريخية الناشئة تكبر باطّراد، وجعلت كل دولة عربية تتلهى بتقييم المخاطر الوجودية بالنسبة لها قبل أيّ شيءٍ آخر، وتغيير أولوياتها في ترتيب مصادر القلق والتهديدات المباشرة وغير المباشرة، وجعلت من الدول العربية في حالة ضعف للدفاع عن مصر والسودان، سواء سياسياً أو حتّى عسكرياً فيما لو فكرتا في شّن حربٍ على إثيوبيا.

بالمقابل، فإن تركيز مصر والسودان والرهان على الأزمات الداخلية لإثيوبيا رُبما سترتد عكسياً عليهم؛ فأي خلل في الوضع الأمني الإثيوبي وكنتيجة للتأثيرات الأمنية على الحدود المشتركة بين الطرفين، ستكون أراضي السودان ملجأ لعشرات أو مئات آلاف الفارين من الحرب الداخلية، والسودان نفسها لا تزال تعاني من الأزمات الاقتصادية والإنسانية عدا الاضطرابات السياسية والأمنية الحالية، وهي نفسها بحاجة إلى دعم وتمويل ومساندة لإنجاح عملية الانتقال الديمقراطي للسلطة، وهو ما سيزيد من تعقيد الوضع السوداني داخلياً. كما أنه ليس من مصلحة مصر، وهي الساعية للحلول السلمية مع إثيوبيا حول سد النهضة، الرهان على الصراع الداخلي الإثيوبي، لأنه لن يجدي نفعاً أو يثني إثيوبيا من ملء السد، وتالياً المزيد من المخاطر والتأثير على الأمن القومي المصري أيضاً

ويشكل الوضع الداخلي في إثيوبيا الخطر الثاني وتهديداً للمنطقة العربية، فتمسك  جبهة "التيغراي" بمطلب الحكم الذاتي رُبما يدفع أطرافا وأقاليم أخرى على اتخاذ المسار نفسه، وليس بالمستبعد أن يصل إلى مصر والسودان والصومال من حيث انعكاس تداعيات نتائج الصراع الداخلي بين المركز وجبهة "تحرير التيغراي" على الدول العربية المجاورة وما بعدها، ومع زيادة حدّية المواقف وإصرار طرفي الصراع الداخلي في إثيوبيا تقييم الموقف من زاويته الخاصة، فإن "قدرات إقليم التيغراي تمكنه من القيام بعلميات عسكرية نوعية، فضلا عن امتلاك صواريخ طويلة المدى، يُمكن لها أنّ تشكل محفزاً ومؤججاً للصراع الداخلي، وإمكانية حصولهم على حكم ذاتي أو الانفصال عن إثيوبيا ومخاوف من امتداد نتائج التمرد الداخلي إلى دول الجوار، وهو ما يشكل تهديداً آخر لمصالح الدول العربية المركبة، والتي لم تتنازل أنظمة الحكم في تلك الجمهوريات للبت في قضايا القوميات وحقوقهم منذ نشوء تلك الدول وحتّى الوقت الراهن.

أما الخطر الثالث فيتمثل عبر الأضرار التي ستلحق المصالح الاقتصادية والاستثمارات لبعض الدول العربية في القرن الأفريقي في حال تأجيج الخلافات بين مصر والسودان مع إثيوبيا من جهة، وتطور الصراع الداخلي من جهة ثانية، خاصة وأن زعزعة الاستقرار في القرن الأفريقي (جيبوتي، الصومال، إريتريا، إثيوبيا)، يشكل اليوم جزءاً أساسياً من مشهد التهديدات الأمنية والخطر على المصالح الاقتصادية للدول العربية، وليس أدل من إثيوبيا وأكثرها تجلياً لهذه التهديدات، فهي صاحبة الأزمات الداخلية المتصاعدة وتأثيرها على باقي دول القرن الأفريقي ودول الجوار، والتهديدات الخارجية على الأمن القومي الاستراتيجي العربي، سواء المائي أو الغذائي أو الاستقرار. وتعرض تالياً السلم والأمن الإقليمي للخطر وما يشكله من تهديد مباشر على بيئات الأمن المحلية والإقليمية.

وضمن السياق ذاته، فإن تشكيل الوضع الداخلي لإثيوبيا خطراً على وحدة بعض الدول العربية، ومصالحها الاقتصادية في القرن الأفريقي، يدفع باتجاه القول إن الجمهوريات العربية لم تتخذ خطوة واحدة في سبيل تمتين جبهتها الداخلية، وكل عملها خلال قرن كامل لم يتجاوز عمليات الاستبداد والقهر وإلغاء الآخر، وتكاد تخلو جمهورية عربية من صراعٍ عرقي إثني مع الشعوب والأقوام التي تسببت الاتفاقيات الدولية بدمجها في جغرافية سياسية واحدة دون مراعاة أيّ خصوصية للقوميات وتاريخها وجغرافياتها، وهي بذلك تحمل رسالة واحدة: مئة عامٍ من ضياع عمر الأجيال هدرت سدى دون أي حل لمعظم المشكلات المجتمعية السياسية.

ولعلنا نطرح المقاربة الغريبة التالية: بعد استقلال جنوب السودان، وحصول النيل الأزرق وجنوب كردفان في السودان على الحكم الذاتي، واستمرار المشكلات والتوترات الشعبية بين القوميات في تونس والجزائر والمغرب مع أنظمتها، ووفقاً للمخاطر التي تحيق بالأمة العربية، وآخرها المستجدات في إثيوبيا، هل ما زال الكُرد هم سبب الشقاق والشقاء والتفتت الذي تعيشه الدول والأمة العربية؟