لم يختفِ كثير من أمراء الحرب بسقوط نظام الأسد، فهؤلاء الذين عرفهم السوريون قادة لميليشيات ارتكبت انتهاكات واسعة، عادوا بعد تحرير سوريا ليظهروا اليوم بصفة رجال أعمال يحاولون تصدّر المشهد الاقتصادي.
وأثار ظهور شخصيات اقتصادية مرتبطة بالنظام البائد أو ذات تاريخ مشبوه موجة استياء شعبي، إذ وجد أمراء الحرب فرصة للعودة بواجهة رجال أعمال. هذا التحقيق يتتبع بالوثائق مسار إحدى أبرز هذه الشخصيات التي برزت في الإعلام مؤخراً.
من بين تلك الوجوه التي بدّلت أقنعتها، يبرز اسم باسل الخراط، الذي عرفه السوريون قائداً عسكرياً في صفوف ميليشيا "الحرس القومي العربي"، قبل أن يتحول لاحقاً إلى واجهة حزبية ثم إلى رجل أعمال يتحدث باسم شركات استثمارية. وثائق صادرة عن مخابرات النظام السابق تكشف مساره الكامل، من ساحات القتال إلى مكاتب الاستثمار.
وكان باسل سعيد الخراط (مواليد 1986) ممثل شركة "لوبارك كونكورد" قد ظهر في عدّة اتفاقيات وعقود وقّعتها وزارة السياحة السورية مع الشركة السعودية "كونكورد" في الآونة الأخيرة، وكان ظهوره الأول في شهر تموز/يوليو الفائت خلال توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة السياحة والشركة المذكورة لإعادة تأهيل وتطوير منشآت سياحية في سوريا، والمرة الثانية التي ظهر فيها خلال توقيع مذكرتي تفاهم بين الشركة ومحافظة درعا في مجالي الزراعة والسياحة في شهر أيلول/سبتمبر الجاري. في حين لم يكن له ظهور أو ذكر خلال توقيع عقد استثمار فندق "البوابات السبع" أو الشيراتون سابقاً، من قبل شركة كونكورد نفسها.
يُشار إلى أن ظهور باسل الخراط في المرة الأولى كان فقط من خلال الصور، أما في المرة الثانية فأدلى بتصريح لوسائل الإعلام بصفته ممثلاً للشركة السعودية في سوريا، يتحدث باسمها عن اتفاقيات ضخمة واستثمارات فخمة تقام في سوريا الجديدة.
ورد اسم باسل الخراط في برقية صادرة عن شعبة المخابرات (الفرع 291) بتاريخ 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وموجهة إلى فرع المنطقة الجنوبية (227) ومضمونها الرد على كتاب موجه أصلاً من فرع المنطقة إلى شعبة المخابرات بالموافقة على المقترح والتوجيه إلى: فرع فلسطين (235) – فرع المعلومات/ وحدة تقييم المعلومات (294)، وفرع الإداري/ شعبة المخابرات (217).
وفي الكتاب المؤلف من 5 صفحات، والذي وجهه فرع المنطقة (227) إلى شعبة المخابرات، ورد اسم باسل الخراط (في الصفحة رقم 3) بصفته قائداً لفصيل مسلح تابع للحرس القومي العربي في حلب، والذي أسسه المدعو أسعد حمود، الملقب "ذو الفقار"، وهو ابن حسين حمود المعروف بـ "حيدر العاملي" مؤسس قوات جبل عامل في لبنان وهو "الإطار القومي المسلح في جنوبي لبنان".
ومضمون الكتاب هو إبلاغ الأجهزة الأمنية بفصل عناصر من كتائب الحرس القومي العربي وتجميد عضوية آخرين بأمر من رئيسه أسعد حسين حمود وذلك بكتاب صادر عن الحرس القومي العربي يحمل رقم (7445) بتاريخ 8 أيلول/ سبتمبر 2016، كما يتضمن الكتاب دراسة أمنية صادرة عن فرع المنطقة لكل شخص مفصول، ونتحفظ عن ذكر الأسماء.
وتولى المدعو باسل الخراط صفة قائد كتيبة "الشهيد أحمد البراهمي" المسلحة في حلب والتي قاتلت الثوار إلى جانب النظام في بدايات تأسيس ما يسمى الحرس القومي العربي في سوريا، قبل أن يتوسع نفوذها ويتحول إلى المسؤول السياسي للحرس القومي العربي وعضو الهيئة التنفيذية، ليصير أخيراً الأمين العام لـ "الحزب القومي العربي السوري" بعد أن تراجعت العمليات القتالية بعد عام 2018، فتحولت الميليشيا المسلحة "الحرس القومي" إلى حزب سياسي يستمر بانتهاكات يقوده اللبناني المدعو "ذو الفقار العاملي" ويده اليمنى في سوريا باسل الخراط.
ميليشيات بتمويل إيراني وبإشراف مخابرات النظام
أسس الحرس القومي العربي على الأراضي السورية في منتصف عام 2013 بعد عامين من انطلاق الثورة السورية، بقصد القتال إلى جانب النظام واستمرّ في ذلك منتصف عام 2019 حينما قررت المخابرات نفسها حلَّه وإيقافه بشكل كامل على الأراضي السورية.
في الوثيقة التي حصل عليها موقع تلفزيون سوريا والصادرة عن إدارة شعبة المخابرات العامة (الفرع 291) بتاريخ 14 أيار/ مايو من عام 2019، وهي كتاب موجه إلى رئيس مكتب الأمن الوطني، توضّح أن تشكيل الحرس القومي العربي جاء عقب المؤتمر الناصري في عام 2012 برعاية من حركة الشعب وجمعية الوحدويين الناصريين في تونس، أما ظهوره في سوريا فكان بعد لقاء مجموعة من اللبنانيين والسوريين يقودهم المدعو أسعد حمود مع رأس النظام المخلوع بشار الأسد في عام 2013، وجاء الطلب صراحةً "القتال إلى جانب الجيش السوري" بالتنسيق مع الجهات الأمنية آنذاك وبمباركة حزب البعث البائد.
وفي مقابلة مع المدعو باسل الخراط نقلتها صحيفة "الوطن" المصرية، أشار إلى أن الحرس القومي العربي تأسس "بشكل سري" في عام 2006 قبل إعلان تشكيله انطلاقاً من حمص في عام 2013. يقول الخراط:
"نحن حركة شباب قومي عربي، منذ عام 2006 بشكل سري، وفى 2013 عقد مؤتمر في حمص برعاية حزب البعث الاشتراكي، وطلب الشباب وقتها من الرئيس بشار الأسد تشكيل جناح عسكري من الشباب العربي".
في حين ورد في الوثيقة الآنفة الذكر، أن الحرس القومي العربي استقطب مجموعات من الشباب السوري والفلسطيني بشكل أساسي، منذ تشكيله على الأراضي السورية في عام 2013، إذ كان المقاتل في هذه الميليشيا يتقاضى مرتباً شهرياً قيمته 35.000 ليرة سورية؛ أي ما يعادل حوالي 195$ آنذاك على اعتبار كانت الدولار الواحد يقارب 150 ليرة سورية.
كما ورد في الوثيقة نفسها، وهي كتاب موجه من فرع المنطقة (227) إلى إدارة شعبة المخابرات العامة (291) تبيّن أن عدد المقاتلين حتى شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2016 وصل إلى 1000 مقاتل على الأراضي السورية. في حين في مقابلته مع صحيفة "الوطن" المصرية في شهر كانون الثاني/ يناير 2017، أوضح المدعو باسل الخراط أن عدد مقاتليهم وصل إلى 1500 عنصر.
أطلق المدعو أسعد حسين عبود (1985) على نفسه لقب "الحاج ذو الفقار العاملي" نسبةً إلى جبل عامل الذي ينحدر منه، وكانت ميليشياته تعمل بالتنسيق مع إدارة المخابرات العامة (291) عند تأسيس "الحرس القومي العربي" وتتلقى الإمداد بالأسلحة من اللواء 42 في الفرقة الرابعة. كما جرى التنسيق بينهم وبين أمن الدولة والمخابرات الجوية لاحقاً فيما يتعلق بالمتابعة الأمنية والتسليح وتوزيع العناصر.
ويشار إلى أن اللواء 42 في الفرقة الرابعة تولى عمليات توزيع الأسلحة على هذه الميليشيات بشكل كامل، وذلك من خلال إيران وحزب الله، إلى جانب إطعام المقاتلين في محور زبدين ومقاتلي كتيبة المهام الخاصة (كتيبة حيدر العاملي)، في حين يتولى الحرس القومي نفسه إطعام بقية عناصره بتمويل من إيران بشكل مباشر.
وعلى الرغم من الصبغة "القومية" واللا مذهبية التي تحدث مطولاً عنها "الحاج ذو الفقار" في مقابلة له مع جريدة "القدس العربي" في شهر آب/ أغسطس عام 2021، إلا أنه لم يتوانَ في ذكر علاقته الجيدة بإيران نافياً في الوقت نفسه ارتباطهم بالحرس الثوري الإيراني.
يقول أسعد حمود "تربطنا علاقات قوية مع الجمهورية الإسلامية (...) أنا مسلم عربي من المذهب الشيعي الاثني عشري، ولا أنكر تأثري ببعض الخطاب العاملي التاريخي الشيعي".
وفي الصور المنتشرة على الإنترنت لميليشيات الحرس القومي خلال قتالهم في سوريا، دليل على كونهم مجموعة من المرتزقة الممولة إيرانياً وذات الاستقطاب الواسع والعابر للحدود، وهو ما أكده الوارد في وثيقة حصل عليها موقع تلفزيون سوريا وهي كتاب موجه من شعبة المخابرات إلى رئيس مكتب الأمن الوطني في عام 2019، تؤكد الارتباط المباشر بين ميليشيا الحرس القومي وكلّ من إيران وحزب الله.
التوزع والاستقطاب وانتهاكات بالجملة
عملت ميليشيات الحرس القومي العربي في سوريا تحت مسمى عام "كتائب جمال عبد الناصر" وهي موزعة إلى 4 كتائب تحمل المسميات الآتية: كتيبة الشهيد أحمد البراهمي في حلب – كتيبة الشهيد وديع حداد في المنطقة الجنوبية من دمشق ودرعا والقنيطرة – كتيبة الشهيد حيدر العاملي في الغوطة الغربية – كتيبة الشهيد جول جمال في الغوطة الشرقية.
وفي وثيقة ثالثة حصل عليها موقع تلفزيون سوريا وهي ملف صادر عن "منسقية الأمن والتواصل في الحرس القومي العربي" ومرفقة بكتاب موجه إلى رئيس شعبة المخابرات اللواء محمد محلا، تبيّن المناطق التي قاتلت فيها كتائب الحرس القومي بشكل مفصل.
فيما يشمل السلاح الذي قاتلوا به الثوار في المناطق المذكورة، أسلحة خفيفة ومتوسطة مثل: الروسية، بومب أكشن، BKC، سلاح متوسط 12.5، قنابل، كلاشنكوف، قواذف B7 – B10، صواريخ كورنيت/ أجهزة رصد وتتبُّع وتصوير، آليات.
والجدير بالذكر، أنه تم تشكيل مجموعة من طلاب الجامعة تحت مسمى (فريق الدعم التقني والمساندة) وتتضمن القائمة التي حصل عليها موقع تلفزيون سوريا 30 طالباً جامعياً بينهم فتيات، ونتحفظ عن نشرها. كما تم تشكيل فوج كشاف تحت مسمى (الفوج العاشر)، وفرقة كورال للأداء الفني الملتزم تحمل اسم "فرقة قاوم" تضم 22 شاباً وشابة.
وكان أول مقرّ للميليشيا في بداية تأسيسها في منطقة المليحة، ثم افتتحت مقرات سرية أخرى وهي شقق سكنية يلحق بها مستودعات أسلحة ومكاتب أمنية وإعلامية في مناطق الدخانية والمليحة وجرمانا ومخيم اليرموك والسيدة زينب. وهو ما يشير إلى النهج نفسه الذي اتبعته بقية الميليشيات الإيرانية في سوريا بتأسيس مقارها ومكاتبها في المناطق السكنية وبين الأهالي للتخفي، من دون الأخذ بعين الاعتبار الضرر الذي سيلحق بأهالي هذه المناطق من جراء استهداف مقار هذه الميليشيات، كما حصل لاحقاً باستهداف المقرات الإيرانية بالغارات الإسرائيلية.
عناصر "مطلوبون" وحزبيون ومرتزقة
نشأت ميليشيا الحرس القومي العربي بوصفها مجموعة مقاتلة عابرة للحدود، وهو ما يفسر استقطاب عدد كبير من المقاتلين من مختلف الجنسيات ولا سيما الفلسطينية والمصرية والعراقية واللبنانية والتونسية، وكانت الوجهة الأولى وفق ما تحدث به المدعو "ذو الفقار العاملي" في مقابلته مع جريدة "القدس العربي" هي فلسطين إذ نشأت الفكرة من أجل قطاع غزة تحديداً، قبل أن تتحول الوجهة وفق تصريحات المدعو باسل خراط في مقابلته مع صحيفة "الوطن" المصرية إلى القتال ضد أبناء الثورة في معارك درعا وريف دمشق والغوطة وداريا وحلب.
وقد وصل عدد قتلى الحرس القومي العربي حتى عام 2017 إلى 52 قتيلاً، بينهم قتلى من جنسيات مصرية وفلسطينية وتونسية وغيرها. في حين وصل عدد الجرحى كما ورد في الكتاب الذي حصل عليه موقع تلفزيون سوريا والموجه من "منسقية الأمن والتواصل" إلى إدارة شعبة المخابرات، إلى 400 جريح حتى عام 2018.
وفي وثيقة أخرى حصل عليها موقع تلفزيون سوريا وهي كتاب موجه من فرع المنطقة (227) بتاريخ تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 إلى إدارة شعبة المخابرات، تبيّن أن عدداً من عناصر ميليشيا الحرس القومي العربي كانوا أصلاً من المطلوبين بتهم جنائية أو من الملاحقين للأفرع الأمنية، مع الإشارة إلى كون بعضهم من المنتسبين إلى حزب البعث البائد (عضو عامل – نصير).
وورد في الوثيقة نفسها، أن العناصر تمّ فصلهم أو تجميد عضويتهم مع إعلام الأجهزة الأمنية بعد التعامل معهم أو استقبالهم في مجموعات رديفة أخرى.
وخلال سنوات الثورة السورية، التحق عدد كبير من الملاحقين أمنياً أو قضائياً بميليشيات مقاتلة إلى جانب النظام البائد، مثل ميليشيا الدفاع الوطني وميليشيا فاطميون، ولواء أبو الفضل العباس، وكتائب البعث، والحرس القومي العربي، وغيرها؛ ظناً منهم بأن ذلك سيمنحهم "صك براءة" وتحميهم من الملاحقة والمحاسبة، وهو ما منحهم "عفواً مؤقتاً" انتهى بانتهاء مدة استعمالهم من قبل النظام، إذ بعد توقف العمليات العسكرية، جرت ملاحقتهم وإحالتهم إلى القضاء، حتى أن بعضهم أحيل إلى محكمة الإرهاب أو اعتقل في الأفرع الأمنية بشكل مباشر.
وتوضح الوثيقة الآنفة الذكر، أن (س. ق. ع) والمقاتل في صفوف الحرس القومي، مطلوب لصالح فرع فلسطين (235) بتعميم صادر عام 2016.
أما المقاتل (م. ت. ج) فهو مطلوب لصالح فرع التحقيق العسكري (248) بتعميم لعام 2016، أما (خ. ع. ز) تولد 1966 فقد كان منتسباً إلى حزب البعث العراقي قبل أن ينتسب إلى حزب البعث السوري البائد، وبقي تحت المراقبة الأمنية حتى بعد انضمامه إلى ميليشيا الحرس القومي؛ إذ ورد بخصوصه "إعلام الفرع 261 في كل مرة يغادر أو يدخل القطر".
كما ضمت ميليشيا الحرس القومي منتمين سابقاً إلى حركة الجهاد الإسلامي والحرس الثوري الفلسطيني، فالمدعو (خ. أ. د) وهو فلسطيني سوري كان منتسباً إلى حركة الجهاد الإسلامي قبل انضمامه إلى الحرس القومي خلال سنوات الثورة السورية، كما أنه كان مطلوباً لفرع فلسطين (235) منذ عام 2000، وهو ما ورد في الوثيقة نفسها.
مخابرات النظام تنفي ميليشيا الحرس القومي
بعد انتهاء العمليات العسكرية في الغوطة وريف دمشق والمنطقة الجنوبية والشرقية من دمشق، وبعد تهجير أبناء المناطق الثائرة ضد نظام الأسد بوساطة روسية باتجاه الشمال السوري، وتحويل هذه المناطق إلى أنقاض وركام، قررت إدارة المخابرات العامة وبعد "استمزاج رأي مكتب الأمن في الفرقة الرابعة"، حلّ ميليشيا الحرس القومي العربي في سوريا وإنهاء وجودها بشكل كامل.
وجاء هذا القرار في كتاب صادر اللواء المكلف بتسيير شعبة المخابرات وموجه إلى الأفرع: 235 – 217 – شعبة المخابرات، وبترويسة توضح أنه موجه إلى "رئيس مكتب الأمن الوطني" بشكل مباشر، وبتاريخ 14 أيار/ مايو من عام 2019.
وفي الأسباب الواردة ضمن الوثيقة نفسها والموجهة إلى مكتب الأمن الوطني، تبيّن أن هناك سببين لحلّ هذه الميليشيا، فالأول هو ارتكابها تجاوزات وردت بالتفصيل في هذه الوثيقة ضمن 8 اتهامات، ونوجزها بالآتي:
• إدخال سلاح أميركي ومسدسات (كلوك تركي) من دون موافقة نظامية
• تزوير مهمات عسكرية ومهرها بـ (خاتم) تم إدخاله من لبنان من أجل تزوير الوثائق والمهمات العسكرية
• سرقة أسلحة قتلى الميليشيا نفسها من قبل بعض العناصر
• سرقة المرتبات الشهرية بإدراج أسماء وهمية ضمن قوائم المقاتلين
• بيع مهمات عسكرية ومهمات سيارات وآليات تتنقل بين المحافظات
• فرض إتاوات على تجار حلب من خلال العناصر على الحواجز الأمنية التابعة للحرس القومي
• تهريب فحم في الساحل السوري، وسرقة آثار من تدمر، وتهريب حشيش ومواد مخدرة
• التواصل مع عناصر "أكناف بيت المقدس" التي قاتلت ضد النظام السوري، وبيعهم السلاح وتهريب العناصر المطلوبين للنظام من مخيم اليرموك إلى حلب ثم تركيا.
أما السبب الثاني فهو توقف العمليات العسكرية، بعد عام 2018، وبالتالي عدم حاجة النظام إلى مرتزقة يقاتلون في صفوفهم، ولا سيما أن كثرة الميليشيات التي قاتلت إلى جانبه وارتكبت انتهاكات صارت في السنوات الأخيرة قبل سقوطه تشكل عبئاً عليه.
في حين برر قائد الحرس القومي أسعد حمود في مقابلة له في عام 2021، أي بعد عامين من قرار حلّ الحرس القومي العربي، بأن السبب وراء ذلك هو "انتفاء الحاجة لوجودهم"، وهو ما حوّل الميليشيا من العمل العسكري إلى العمل السياسي، وهو ما ظهر لاحقاً في مقابلة مع باسل الخراط على قناة العالم الإيرانية في عام 2023 بصفته "أميناً عاماً" لِما أطلقوا عليه "الحزب القومي العربي السوري".
وهو ما انتهجته معظم المجموعات التابعة لإيران في سوريا خلال السنوات الأخيرة قبل سقوط النظام، إذ تحولت من العمل العسكري إلى التحزّب السياسي أو العمل الإعلامي أو الإغاثي أو الانخراط في المجال الثقافي والتغلغل الاجتماعي في سوريا؛ كسياسية ناعمة وطريقة للإبقاء على وجودها ونشاطها حتى للنفس الأخير.
وفي صورة حصل عليها موقع تلفزيون سوريا من مصادر خاصة، تبين أن ميليشيا الحرس القومي العربي مارست انتهاكات وجرائم حرب حقيقية ضد الثوار ولا سيما في مخيم اليرموك وحلب ودرعا، إذ تظهر الصورة مقاتلاً من هذه الميليشيا كما يثبت الشعار الموضوع على ساعده، وهو يذبح أحد عناصر الجيش الحر في مخيم اليرموك خلال المعارك التي دارت هناك.
"انتهازي" ومليونير في السجن
في نسخة حصل عليها موقع تلفزيون سوريا من كتاب موجه إلى رئيس الفرع 322 بتاريخ شهر تشرين الأول/أكتوبر 2023 وبعد أن صار الحرس القومي حزباً يرأسه المدعو باسل خراط، تبيّن أن مراسلات بين الأفرع الأمنية في حلب حول سرقات قام بها الخراط لمساعدات الزلزال الذي ضرب شمالي سوريا وهي مساعدات قدمتها الأحزاب اللبنانية ومنظمات المجتمع المدني كما ورد في الوثيقة الآنفة الذكر.
ويُذكر أن الخراط أقام مطبخاً لإطعام متضرري الزلزال في حي الكلاسة بالشراكة مع (م. م. ي)، وبدلاً من توزيع المساعدات الإغاثية التي تتضمن خيماً وموادا غذائية، باع الاثنان الجزء الأكبر من هذه المساعدات في أسواق حلب وبيعت كميات كبير من الزيت في حي بستان القصر عن طريق شخص آخر يدعى (ن. ج).
كما كان هناك تعامل بينهم وبين قسد وفق ما ذكر في الوثيقة نفسها، إذ باعوا لقسد 500 خيمة بسعر 300$ للخيمة الواحدة آنذاك. وأوكل إلى المساعد (م. ع) من الفرع 322 ملاحقة بقية المعلومات بما فيها معرفة نشاط الحزب ودور الخراط فيه.
وظهر الخراط فعلاً في تقرير لقناة العالم الإيرانية بتاريخ 10 شباط/فبراير 2023 بعنوان "الحزب القومي العربي السوري يشيد بمساعدة إيران لمنكوبي الزلزال" وتحدّث عن دور الأحزاب في مناشداتها لرفع العقوبات عن النظام بما فيها عقوبات قيصر واصفاً إياها بـ "خنق الإنسانية والأخلاق".
وفي وثيقة ثانية حصل عليها موقع تلفزيون سوريا وهي رد على كتاب الفرع 325 رقم /13012/ بتاريخ حزيران/ يونيو 2023، تبيّن أن مخابرات النظام صنّفت الخراط الذي تعامل معهم وقاتل إلى جانب، بأنّه: ثرثار، انتهازي، يحب التقرب من المسؤولين في الدولة.
وتورد الوثيقة نفسها بأن الخراط لم يستطع أن يضع اسمه ضمن قائمة مؤسسي الحزب القومي العربي السوري، لكونه لم يستطع تحصيل ورقة "لا حكم عليه" إذ كان مطلوباً ببلاغات بحث ومتخلفاً عن الخدمة الإلزامية.
تقصى موقع تلفزيون سوريا حقيقة سجن الخراط وتبيّن أنه سجن في شهر حزيران/ يونيو من عام 2023، بتهم: النصب والتزوير وانتحال الصفة، وبقي في سجنه معززاً على عكس بقية السجناء، إذ استطاع تأمين حالة من الرفاهية لنفسه داخل سجن حلب المركزي من خلال الأموال التي كان قد سرقها.
مصدر خاص لموقع تلفزيون سوريا، أوضح أن الخراط يستغلّ قصة سجنه بتهمة النصب والتزوير محولاً إياها إلى قضية اعتقال سياسي أمام الآخرين بعد سقوط النظام، وذلك حتى يظهر بمظهر البطل ويجد لنفسه مكاناً في الدولة الجديدة.
باسل الخراط و"إعادة التموضع"
في عودته للظهور بصفة ممثل عن الشركة السعودية، محاولة جديدة للتصدُّر مع السعودية التي كان قد انتقدها سابقاً في تصريحات نشرت على موقع إخباري موريتاني.
وهو ما يثير تساؤلات حول علاقته بشركة "لوبارك كونكورد" ورئيس مجلس إدارتها فايز الغضيب، وحول وصوله إلى شركة تعرف نفسها بأنها سلسلة سعودية من الفنادق والمنتجعات، تديرها شركة مساهمة مقفلة تأسست عام 2015.
وفي معلومات حصل عليها موقع تلفزيون سوريا من مصدر خاص، تبين أن هناك عرضاً لشراء فنادق في منطقة السيدة زينب كانت تمتلكها ميليشيات إيرانية سابقاً، وهو ما يطرح أسئلة لا يمكننا الجزم فيها حول كيفية شرائها ومصدر التمويل الذي حصل عليه الخراط، وإذا ما كان ذلك تسلل خفي للميليشيات الإيرانية مجدداً لاستعادة أملاكها أو إعادة إثبات وجودها في سوريا ولكن بغطاء جديد أو من خلال شراكات عربية جديدة وواجهات اقتصادية "نظيفة" ومن دون شبهات؟ وما دور الخراط في كل ذلك؟
استثمارات ضخمة للشركة السعودية في سوريا
أعلنت شركة لوبارك كونكورد السعودية عن توقيع عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم خلال الأشهر الأخيرة في سوريا، وكان من بينها مذكرة تفاهم لتطوير المنشآت التابعة للاتحاد العام لنقابات العمال وذلك خلال منتدى الاستثمار السوري السعودي وبحضور الرئيس الشرع ورئيس مجلس إدارتها السيد فايز طلاع العنزي.
وتبعتها مذكرة تفاهم بين الشركة ووزارة السياحة في مجالات الاستثمار وإدارة المشاريع الاستثمارية والسياحية، بحضور وزير السياحة وممثل الشركة -كما وصفتها المصادر الإعلامية- المدعو باسل خراط.
كما وقعت الشركة مذكرتي تفاهم بين الشركة ومحافظة درعا في مجالي السياحة والزراعة، تهدف إلى وضع اللبنة الأساسية لتطوير العمل السياحي في مدينة بصرى الشام وفندقها.
وكانت آخر التفاهمات الموقعة هي إعادة تأهيل وتطوير فندق شيراتون دمشق ليصير اسمه "البوابات السبع" وذلك ضمن مجموعة من الاستثمارات عبر عقود مباشرة أو مذكرات تفاهم، تصل قيمتها إلى نحو 1.5 مليار دولار، وذلك وفقاً لتصريحات وزير السياحة مازن الصالحاني.










