كيف تدمر الأنظمة السلطوية فكرة المواطنة؟

2021.04.22 | 06:52 دمشق

kilo.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم أستطع منع نفسي من البكاء على رحيل الصديق ميشيل كيلو، فقد كان من أوائل المعارضين الذين التقيتهم في دمشق ثم عملنا معا في لجان إحياء المجتمع المدني، وبعد الثورة تقاطع عملنا في أكثر من مؤسسة ومبادرة.

لقد تواصلت معه في اللحظات الأخيرة عندما كان في المشفى في باريس في محاولة منه الصمود في وجه هذا الفيروس القاتل وكان يكتب لي في أمور سوريا، كنت أسأله عن صحته وكان يجيب بالسؤال عن تطورات الأوضاع.

المهم كان ميشيل من أوائل من رفع لواء التركيز على فكرة المواطنة وواجب الدولة في مسؤوليتها في احترام حقوق إنسان مواطنيها.

لكن نظام الأسد أفلح في تطبيق سياسة العقاب الجماعي فتلك ميزة تنفرد بها السلطات الشمولية، معاقبة الجميع كي يرتدع الجميع، لم يكن ميشيل يوما في حياته انتقامياً أو ثأرياً رغم تعرضه للاعتقال أكثر من مرة، لقد كانت ولا زالت رغبته في أن سوريا تستحق مستقبلاً أفضل، وأن سياسة السلطة الشمولية لن تقودها إلى هذا المستقبل، بل إنها ستتجه بها إلى مزيدٍ من الانعزال والانحدار.

بمثل هذه المعاقبة تحوّل السلطة الشمولية علاقتك بوطنك من فكرة الدفع بالأفكار إلى صراعٍ شخصي، لقد تحول صراعنا ضد الأسد إلى أشبه بالصراع الشخصي، مع الإيمان أن من حق كل السوريين على اختلاف أرائهم المشاركة والتعبير من أجل التغيير وأن الإيمان بالوطن يعني الإيمان بوطنٍ يفتح ذراعيه للجميع كي يساهم فيه الجميع ويحلموا به وطناً لكل السوريين.

لكن تحويل الخلاف السياسي إلى صراع شخصي وعقاب عائلي، يحول المعنى النبيل من أجل التغيير إلى حقدٍ وانتقام، وربما هذا يفسر لماذا يتحول الصراع اليوم بين المعارضين السوريين في الخارج والنظام السوري إلى علاقة تقوم على الانتقام المتبادل أكثر من كونها خلافاً سياسياً، وذلك يعود بشكل رئيسي إلى سياسات العقاب والانتقام التي تستهدف الردع والعقاب.

تلك هي بداية التدمير الشخصي لمعنى الوطن داخل نفوس السوريين عبر تحطيم فكرة الوطن لديهم، وزرع الخوف والتشكيك وثقافة الثأر والانتقام. وتتابع هذه السياسة بشكلٍ طبيعي إلى تدمير فكرة المواطنية وتحطيمها داخل نفوس السوريين وفي طموحاتهم ورغباتهم وآمالهم.