icon
التغطية الحية

كيف تحول لاجئون سوريون على الحدود الهنغارية إلى جزء من الحملة الانتخابية؟

2022.01.24 | 17:59 دمشق

مهاجرون عالقون على الحدود الصربية-المجرية في ظل ظروف مزرية- المصدر: الإنترنت
مهاجرون عالقون على الحدود الصربية-المجرية في ظل ظروف مزرية- المصدر: إنترنت
واشنطن بوست نقلاً عن أسوشيتد برس - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تحلقت مجموعة من طالبي اللجوء أمام شعلة نار صغيرة تطلق دخاناً داخل بناء مهجور يقع شمالي صربيا، لتكون تلك آخر الثواني التي ينعمون فيها بالدفء قبل أن ينطلقوا في رحلة عبر الثلوج ليصلوا إلى الأسلاك الشائكة حيث تنتظرهم الكاميرات والحساسات على السياج الحدودي المكهرب الذي أقامته هنغاريا.

بعد مرور بضع ساعات على ذلك، عاد المهاجرون بعدما باءت محاولاتهم للعبور إلى هنغاريا حتى يصلوا إلى أوروبا الغربية بالفشل بسبب سياج ارتفاعه ثلاثة أمتار وكذلك بسبب دوريات الشرطة الهنغارية التي اعترضتهم ورافقتهم إلى أن عبروا الحدود باتجاه صربيا.

يحدثنا مختار أحمد، 26 عاماً من حلب، وهو يجلس القرفصاء برفقة 35 طالب لجوء آخرين داخل خيمة مؤقتة أقيمت خارج بلدة ماجدنا الصربية التي لا تبعد أكثر من كيلومترين عن الحدود الهنغارية، فيقول: "سأذهب إلى النمسا وألمانيا وهولندا ولن أبق في هنغاريا، فما هي المشكلة إذن؟"

"لا نريد دولة مهاجرين"

في الوقت الذي شرع فيه طالبو لجوء من سوريا وأفغانستان وغيرهما من الدول بالجزء الأخير من رحلتهم الطويلة المتوجهة إلى الدول الأوروبية الغنية، أصبحت جهودهم الساعية للعبور بشكل غير نظامي إلى الاتحاد الأوروبي عبر هنغاريا، وقيام الأخيرة بإعادتهم إلى صربيا بمجرد أن تمسك بهم، تحولهم إلى جزء من حملة سياسية يأمل من خلالها الزعيم القومي لهنغاريا بالفوز في الانتخابات العامة المقبلة.

فرئيس الوزراء فيكتور أوربان الذي تشير استطلاعات الرأي إلى أنه سيترشح للانتخابات قريباً بعد شغله لمنصبه لمدة تجاوزت العقد من الزمان، وذلك في شهر نيسان القادم، بدأ بإطلاق حملته عبر منصة صارمة معادية للهجرة، ولذلك فهو يسعى لاستغلال الموجة المتوقعة من المهاجرين الذين يحتشدون على الحدود الهنغارية كوسيلة لتحشيد قاعدة الناخبين من المحافظين.

إذ زعم أوربان في ظهور نادر له أمام الصحفيين في كانون الأول الماضي بأنه: "خلال هذا العام فقط أوقفنا واعتقلنا أكثر من 100 ألف شخص. ولو لم يكن السياج الهنغاري موجوداً هناك، لوصل أكثر من 100 ألف من المهاجرين غير الشرعيين إلى النمسا أولاً وبعدها إلى ألمانيا".

وبما أنه أحد المعارضين الصريحين للهجرة في أوروبا، لذا فقد ذكر أوربان أن الهجرة تهدد باستبدال الثقافة المسيحية لهذه القارة كما زعم بأن المهاجرين غير الشرعيين يتحملون مسؤولية جلب العدوى والأمراض معهم مثل متحورات كوفيد-19 إلى بلده.

إذ ذكر في مقابلة أجرتها معه محطة ناطقة باسم الدولة الهنغارية فقال: "لا نريد أن نصبح دولة مهاجرين".

أرقام كاذبة

مع اقتراب انتخابات الثالث من نيسان، أخذ أوربان يصور ضغوطات الهجرة الحالية بأنها أصبحت أعلى مما كانت عليه في عام 2015، عندما وصل الآلاف من اللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي هرباً من الحرب والفقر في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى. وعندها أمر أوربان ببناء حاجز حدودي للبلاد.

إلا أن الأرقام التي نشرها مسؤولون صربيون ووكالات خفر الحدود والسواحل التابعة للاتحاد الأوروبي تشير إلى محاولة أعداد أقل من الأشخاص العبور إلى هنغاريا، وهذا ما يناقض المزاعم التي أطلقها زعيم اليمين في المجر.

إذ يقول نيمانيا ماتيتش وهو كبير المسؤولين لدى مركز استقبال المهاجرين بمدينة سابوتيكا الصربية الواقعة شمالي البلاد حول الموجة الحالية للاجئين على الحدود الهنغارية: "إن العدد أكبر بقليل مما كان عليه قبل عامين مثلاً، إلا أن هذه الأعداد ليست بكبيرة".

ففي الوقت الذي حددت فيه الشرطة الهنغارية أعداد المهاجرين الذين قامت السلطات الهنغارية باعتراضهم بأنه يفوق 122 ألفاً، تظهر المعلومات التي قدمتها وكالة فرونتيكس الأوروبية وجود 60.540 محاولة لعبور الحدود بشكل غير قانوني خلال السنة الماضية وذلك عبر طريق الهجرة الذي يمر بدول البلقان الغربية، والتي تشمل الحدود بين هنغاريا وصربيا.

وبما أن معظم المهاجرين يقومون بتكرار محاولة العبور مرات عديدة، لذا فإن أعداد المهاجرين أقل من العدد المذكور بكثير.

فقد أفادت المفوضية الصربية للاجئين والهجرة بوجود 4276 مهاجراً في مراكز الاستقبال بصربيا، إلى جانب وجود ألف من المهاجرين الذين ينامون في العراء.

كما نوهت فرونتيكس إلى أن غالبية عمليات العبور التي تتم عبر دول البلقان الغربية "يمكن تعقبها لنتبين بأن الأشخاص الذين قاموا بها مكثوا لبعض الوقت في المنطقة، وحاولوا مرات عديدة للوصول إلى الدولة التي يريدونها في الاتحاد الأوروبي".

محاولات متكررة.. كلها فاشلة

لاذ حكمت سيرات، 20 عاماً، من ولاية نانغارهار بأفغانستان بمبنى مهجور منعزل بالقرب من مدينة هورغوس على الحدود الصربية خلال هذا الشهر، بعدما أسهمت موجة البرد بهبوط درجات الحرارة هناك لتصل إلى -10 درجات.

ويحكي لنا حكمت أنه بقي في صربيا لمدة 15 شهراً، ولم يعُدْ يعدُّ المرات التي حاول من خلالها العبور إلى هنغاريا فقامت الشرطة بإعادته إلى صربيا، حيث يقول: "حاولت كثيراً، 100 مرة، بل أكثر من 100 مرة، وفي كل مرة تقوم الشرطة بإلقاء القبض علي وترحيلي إلى صربيا".

تعرف هذه العملية التي تقوم من خلالها الشرطة بحرمان المهاجرين من حق التقديم على طلب لجوء مع إعادتهم من حيث أتوا عبر حدود الدولة الوطنية باسم عملية الصد، التي وصفتها أعلى محكمة بأوروبا بأنها عملية غير قانونية، ومخالفة لمعاهدات واتفاقيات اللجوء الدولية.

فقد ذكر نيمانيا ماتيتش المسؤول عن مركز الاستقبال أن قيام المهاجرين بعشرات المحاولات للعبور أمر "طبيعي"، ويضيف: "في بعض الأحيان يحاول أحدهم مرة فيصل لأنه محظوظ، وفي بعض الأحيان يحاولون أكثر من 50 مرة ويواصلون المحاولة مرة إثر مرة".

انتهاكات تختلف باختلاف الأشخاص!

تحدث كثير من المهاجرين عن انتهاكات تعرضوا لها من قبل الشرطة عقب مغادرتهم الأراضي الصربية إلى هنغاريا، أو إلى كرواتيا أو رومانيا، وتشمل تلك الانتهاكات تحطيم هواتفهم النقالة أو سرقتها، وإجبارهم على الجلوس أو الركوع فوق الثلج لساعات مع تلقيهم للضربات. إلا أنه من الصعب التحقق من تلك المزاعم بشكل مستقل.

غير أن الشرطة الرومانية لم ترد على الأسئلة التي وجهتها لها أسوشيتد برس بهذا الخصوص، ولكن مقر الشرطة الوطنية الهنغارية كتب في رسالة إلكترونية بأنه: "يرفض بشدة تلك المزاعم التي لا أساس لها" والتي تدور حول تعرض المهاجرين لانتهاكات.

إلا أن نيمانيا ماتيتش ذكر أن هنالك 150 حالة مسجلة لكسور في الأطراف لدى مركز سابوتيكا لاستقبال المهاجرين وذلك في عام 2019.

وقد علق نيمانيا ماتيتش على ذلك بقوله: "في بعض الأحيان يكسرون هواتفهم، أعني الشرطة، وفي بعض الأحيان يأخذون أموالهم، وأحياناً يكسرون أرجلهم، أي إن التجربة تختلف باختلاف الأشخاص".

يذكر أن أوربان طلب من الاتحاد الأوروبي تعويض هنغاريا على الأقل عن نصف التكاليف التي دفعتها لبناء سياج حدودي والحفاظ عليه وحراسته، والذي كلف حسب زعمه 1.9 مليار دولار أميركي وذلك على مدار السنوات الست الماضية.

وبما أنه بقي على خلاف دائم مع الدول الأعضاء الأكثر ليبرالية في الاتحاد الأوروبي، لوح أوربان أيضاً "بفتح ممر يمكن للمهاجرين السير من خلاله ليصلوا إلى النمسا وألمانيا والسويد وإلى أي دولة تحتاج إليهم".

على الرغم من المخاطر، يخبرنا فارس الإبراهيم، وهو مهاجر مغربي موجود في مركز سابوتيكا لاستقبال المهاجرين يعتزم السفر إلى إسبانيا، بأنه لا يمكن لشيء أن يردعه  بعدما تعرض للصد 27 مرة على يد الشرطة الهنغارية، إذ يقول: "سأواصل المحاولة دون أن أستسلم الآن.. سأواصل المحاولة حتى أنجح، إذ إنها مغامرة، حيث نعبر ونمضي فيمسكون بنا، ثم نعود أدراجنا، وبعدها نمضي مجدداً، أي إن الأمر أصبح لعبة بالنسبة لنا".

 المصدر: واشنطن بوست نقلاً عن أسوشيتد برس