icon
التغطية الحية

كيف ألهَمَ "حي بن يقظان" حكايات ماوكلي وطرزان؟

2021.12.02 | 07:35 دمشق

hy_bn_yqzan-_tlfzywn_swrya.png
محمد أسد الخليل
+A
حجم الخط
-A

كثيرة هي القصص والروايات العالميّة التي وجدت طريقها إلى القلوب على اختلاف الشرائح العمريّة مثل "طرزان" ابن الغابة و"ماوكلي" فتى الأدغال. تلك الشخصيّات الكرتونيّة والسينمائيّة التي تابعها وعشق تفاصيلها الصغار والكبار على حدّ سواء، شخصيّات يجهل الكثير من الشباب العربيّ مصدر إلهام مؤلّفيها؛ فقد ضاع الكثير من تراثنا العربيّ والإسلامي ونُسب زوراً لغيره من الثقافات في معترك صراع الحضارات بين الشرق والغرب.

وبرزت العديد من الأعمال الأدبيّة والرسوم المتحرّكة التي تناولت مثل تلك الشخصيّات الإنسانيّة التي نشأت وترعرعت في مجاهيل الغابات المنقطعة عن كلّ أثر إنسانيّ، والتي تأثّرت بالحياة الحيوانيّة مجسّدة في ذلك مشيها على أربع وتنقّلها بين البشر كالقرود.

على نحو مختلف من هذ التطوّر قدّم لنا الفيلسوف والطبيب العربي ابن طفيل الأندلسي (1100- 1185 للميلاد) شخصيّة بطل عمله الفلسفيّ "حيّ بن يقظان" الخالي من أيّ إرث حضاريّ أو ثقافيّ سابق على وجوده، إلّا أنّه تمكّن من تمييز ذاته عن الوجود الحيوانيّ الطبيعيّ المحيط به وارتقى إلى درجات الوعي والإدراك، من الإدراك الحسّيّ عبر الاتصال بالأشياء والتعاطي معها إلى الإدراك العقليّ إلى تجربة الكشف الصوفيّة والتي تمثّل أعلى درجات الإدراك الإنسانيّ.

رواية "حيّ بن يقظان" هي إحدى أهمّ القصص والأشدّ إثارة في التراث الفكريّ العربيّ الإسلاميّ

رواية "حيّ بن يقظان" هي إحدى أهمّ القصص والأشدّ إثارة في التراث الفكريّ العربيّ الإسلاميّ. كُتبت هذه الرواية في القرن الثاني عشر الميلاديّ في بلاد الأندلس (إسبانيا) بقلم ابن طفيل الاندلسي.

والحكاية عميقة الألغاز وشديدة الإثارة، تحكي قصّة طفل ترعرع ونشأ في جزيرة معزولة وحيداً من دون أيّ اتصال بالحضارة البشريّة، أرضعته ورعته ظبية، اهتدى فيما بعد إلى الإيمان بالله بمفرده، وذلك بالتعويل على جهده الفكريّ وحده، فقد استخدم عقله وحواسّه لفهم آليّات عمل العالم حوله، واستكشاف قوانين الطبيعة، اعتنق أفكاره اعتماداً على المنطق، وتبنّى نظريّات حول أصل الكون وحقيقة الموت، وطوّر علاقة أخلاقيّة مع الحيوانات والنباتات.

في "حيّ بن يقظان" حملت لغة الراوي ملامح إسلاميّة واضحة؛ فقد تأثّرت بلغة القرآن الكريم إلى حدّ كبير، الأمر الذي كان له بالغ الأثر على بنيتها الفكريّة وجماليّاتها اللغويّة.

فيها صبّ ابن طفيل آراءه المتجلّية قي عدم التعارض بين العقل والشريعة أو بين الفلسفة والدين في قالب روائيّ قصصيّ، وتمثّل القصّة العقل الإنسانيّ الذي يغمره نور العلم العلويّ؛ فيصل إلى حقائق الكون والوجود والخالق بالفطرة والتأمّل، وتؤكّد قصّة حيّ بن يقظان على أهمّيّة التجربة الذاتيّة في الخبرة الفكريّة والدينيّة.

ابن يقظان وطرزان

تركت حكاية حي بن يقظان آثارها على كثير من الجامعات والمفكّرين، وترجمت إلى اللاتينيّة واللغات الأوروبّيّة الحديثة، وقد قدّر كثير من النقّاد هذا الجهد القصصيّ لابن طفيل؛ فعدّوا روايته أفضل قصّة عرفتها العصور الوسطى جميعاً.

وشكّلت الرواية مصدر إلهام لدى العشرات من القصّاصين الغربيّين؛ فنجد تشابهاً كبيراً بين فكرتها الأساسيّة وبين رواية "كتاب الأدغال" للروائيّ الإنكليزيّ رديارد كبلنج التي كتبها في نهاية القرن التاسع عشر، حيث ترعى ماوكلي أسرة من الذئاب في قلب الغابة، وبين رواية "طرزان" للكاتب الأميركيّ إدجار رايس بوروس (1912) إذ يرعى قرد ضخم من نوع مانجاني الطفل طرزان.

ابن يقظان وروبنسون كروزو

إلّا أنّ العمل الأبرز الذي استقى الكثير من بنيته وأفكاره من قصّة ابن طفيل هو رواية "روبنسون كروز" للكاتب الإنكليزيّ دانييل ديفو، وبالنظر إلى حياة كلّ من ابن طفيل وديفو نجد أنّ بينهما ما يزيد على خمسة قرون، ولكنّ كليهما عاش في إسبانيا مدّة من الزمن، لذلك كان تأثّر ديفو بابن طفيل أمراً طبيعيّاً.

 

روبنسون وابن يقظان

 

وبالعودة إلى شخصيّتيّ حيّ بن يقظان وروبنسون كروز نجد أنّ كليهما قد استطاع التأقلم في هذه الجزيرة مستخدماً ما تقدّمه الطبيعة، وبالرغم من أنّ كلّاً من ابن يقظان وكروزو قد أدركا أنّ إعمال العقل هو وسيلة النجاة فإنّ غايتهما كانت مختلفة؛ لقد أعمل حيّ عقله حتّى ينجو بروحه ويصل إلى معرفة الله الواحد، وزهد في الطعام وتفرّغ للعزلة بينما أعمل روبنسون عقله للنجاة بجسده، فعمل على بناء كوخ ثمّ طاولة من حطام السفينة الغارقة ثمّ عمل في الزراعة، وهنا يتجلّى الفرق بين الحضارة العربيّة وغيرها من الحضارات.

وليس بعيداً عن هذه الفكرة أيضاً ما ذهب إليه فيلم "Cast Away" الرائع الذي مثّل بطولته النجم العالمي توم هانكز (تشاك نولان) عامل الطرود الذي تهوي به الطائرة فوق أحد البحار ليُجبر على العيش لسنوات في جزيرة غير مأهولة بالسكان.

 

 

وكان كتاب "الفيلسوف الذي علّم نفسه" الذي نُشر في أوروبّا عام 1617 هو الترجمة اللاتينيّة التي أعدّها إدوارد بوكوك للقصّة العربيّة "حيّ بن يقظان" ولقد أثارت اهتماماً واسعاً بين أهل العلم والفلاسفة؛ فقد أكّدت بأنّ العقل وحده يقود إلى الخالق، وقد أحدثت ضجّة في الوسط العلميّ حينها؛ ما جعل الكثير من المفكّرين والفلاسفة في الغرب يتهافتون عليها للدراسة والبحث.

 

المصادر والمراجع

1ـ "حيّ بن يقظان" لابن طُفيل.
2ـ موقع ويكيبيديا/الموسوعة الحرّة.
3ـ موقع طيوب بحث بعنوان " الأسطورة في الأدب العربيّ" إعداد سليمة حمد الخفيفيّ.
4ـ موقع ترك برس "قصّة حيّ بن يقظان وأثرها في التنوير الأدبيّ"
5ـ موقع ساسه مقال بعنوان "حيّ بن يقظان" لـ إسلام محمّد.