كيف أصبح رامي مخلوف "مستر 5%"

2020.05.22 | 00:01 دمشق

download.jpg
+A
حجم الخط
-A

لفهم ما يجري بين رامي مخلوف وبشار الأسد لابد من العودة لتاريخ العلاقة بين عائلتي مخلوف والأسد، وبالرغم من وجاهة مقولة البعض بأن خروج الخلاف بينهما إلى العلن له أسباب اقتصادية بالدرجة الأولى بالإضافة لعقلية النظام في إزاحة بعض رموزه من الواجهة واستبدالهم بآخرين لم يتم استهلاكهم بعد، إلا أن تاريخ العائلتين يخبر بأسباب أعمق للخلاف وصراع خفي دائم، أظهره للعلن وفاة أنيسة مخلوف، التي كانت الحامية لعائلتها والداعمة الرئيسية لرامي.

البداية..

تبدأ القصة في عام 1958 حين تقدم ضابط بالجيش السوري، حافظ الأسد، لخطبة أنيسة مخلوف، هذا الطلب واجه رفضاً في بداية الأمر من عائلة العروس فهي سليلة عائلة كبيرة وذات سطوة في الساحل السوري، بينما الضابط يأتي من عائلة فقيرة لا مكانة اجتماعية لها ولا ذكر.

ولكن السبب المباشر لموافقة الأهل على هذه الزيجة غير واضح فباتريك سيل، الكاتب البريطاني الذي سجل سيرة حافظ الأسد في كتابه "الأسد والصراع على الشرق الأوسط"، اكتفى في كتابه بالقول "وتمكن الرئيس حافظ الأسد من الزواج من السيدة أنيسة في دمشق، وأقاما في بيت الزوجية على أطراف منطقة المزة الفقيرة، وقد قدر لها أن تكون زوجة وأما مخلصة وأوثق كاتمة لأسرار الأسد" دون توضيح لكيفية إتمام هذا الزواج رغم تنويهه بالفرق الشاسع بين العائلتين، في حين رجحت مصادر إعلامية أن حافظ تزوجها رغم رفض أهلها، مما دفع بوالدها لتقديم شكوى وتم سجن الأسد لفترة بسبب ذلك

كانت عائلة مخلوف من العوائل الإقطاعية الكبيرة في ريف اللاذقية بعكس عائلة الأسد، وعرفت عائلة مخلوف بانتمائها للحزب السوري القومي الاجتماعي، بينما كان الأسد بعثياً، وبحسب موقع The Center for Global Policy الذي استعرض العلاقة التاريخية بين العائلتين لا سيما ارتباط آل مخلوف بالقومي السوري، تم سجن محمد مخلوف وشقيقته أنيسة في عام 1955 لفترة قصيرة، وإعدام بديع مخلوف بتهمة الاشتراك في اغتيال الضابط عدنان المالكي.

انعكست الآية

بعد وصول حافظ الأسد للسلطة في سوريا باتت الآية معكوسة، وبدأ فصل جديد من العلاقة بين العائلتين، وأضحى فقير الأمس مجهول النسب على رأس النظام وصار واجباً على عائلة مخلوف التزلف والتقرب ممن استهانت به وعيرته قبل سنوات، وفي الوقت الذي قام به الأسد بتسليم أفراد من عائلته مناصب في الجيش والأمن واشتغال بعضهم الآخر في التهريب، قام الأسد بتقريب محمد مخلوف شقيق زوجته وهكذا تنقل الرجل بين المناصب، بدأ كمدير عام مؤسسة التبغ ومن ثم مدير عام المصرف العقاري، واستطاع جمع ثروة هائلة وبناء شبكته الخاصة التي سيرثها ابنه رامي. 

ومع وفاة حافظ وتولي بشار الأسد السلطة وكان لوالدته أنيسة الدور الكبير في تزكية رامي، الذي يقال أنه المفضل لديها، ومستفيداً من عمته وشبكة والده بدأ مشوار رامي مع دعم لا محدود من بشار، وبدأت أذرعه بالتوغل في الاقتصاد السوري، بحيث استطاع في سنوات معدودة أن يتحول إلى اللاعب الرئيسي والوحيد تقريباً، وتضخمت ثروته بشكل متسارع، وقالت صحيفة "فايننشال تايمز" في نيسان 2011 أن رامي يسيطر على 60 بالمائة من الاقتصاد السوري.

انتقل رامي بالخلاف للحالة القصوى، يظهر فيه التنافس القديم بين العائلتين ونظرة عائلة مخلوف لعائلة الأسد

طريق رامي لصنع ثروته تم شقه عبر الفساد المستشري في مفاصل النظام السوري، بحيث لم يكن يسمح لمشروع استثماري أن يتم في سوريا دون دفع عمولة أو الشراكة في أغلب الأحيان، عدا عن مشاريع وأعمال سلبها من أصحابها، وفي محاولة منه لتحسين صورته فرض على دوائر النظام الإعلامية استخدام لقب "رجل الأعمال" و "المهندس"، بينما أسمته نيويورك تايمز بـ "صراف الأسد" أو "السيد 5%" كناية عن فساد الاثنين.

السيطرة على الحزب السوري القومي

في جملة انشغاله بتأسيس إمبراطوريته المالية، لم يهمل مخلوف ولاء عائلته القديم للحزب القومي السوري، وكانت الفرصة عام 2005 حين تم السماح للحزب بالعمل العلني في سوريا عبر انضمامه للجبهة الوطنية التقدمية، ووجه رامي نشاطه إلى المنطقة الساحلية، لا سيما اللاذقية حيث أغدق الأموال على فرع الحزب فيها. 

وفي عام 2012 أصدر النظام قانون تعدد الأحزاب، ومنع بموجبه نشاط الأحزاب التي تتبع لقيادات خارج سوريا، وهكذا تم تقسيم القومي السوري ما بين لبنان، وسوريا، بزعامة عصام محايري، واستحوذ رامي على الفرع السوري.

ومع انطلاق الثورة قام رامي بانشاء جمعية البستان وميليشيا تابعة لها، حيث اعتمد على تجنيد المجتمع العلوي الفقير في ريف اللاذقية، مع إغرائهم برواتب فاقت الميليشيات الأخرى، التي انشأها النظام، كما وجه نشاط جمعية البستان لدفع الرواتب لعوائل القتلى والمصابين من العلويين.

المواجهة

توفيت أنيسة مخلوف عام 2016 ومع وفاتها بدأت الحرب الخفية اتجاه مخلوف، وجاءت عبر إشارات قوية ابتداءاً من آب 2019 حيث تم تنحيته عن جمعية البستان لصالح جمعيات أسماء الأخرس زوجة بشار، وتم حل ميلشيا الجمعية التي شاركت في قمع الثورة، وفي 12 تشرين الأول 2019 صدر قرار بحل الفرع السوري للحزب السوري القومي الاجتماعي، التابع لرامي، ويقول مركز السياسة العالمية أنه رصد ظهور صورة قديمة في مواقع التواصل الاجتماعي تجمع مؤسس الحزب القومي أنطون سعادة مع أشخاص من عائلة مخلوف في قرية بستان الباشا بريف اللاذقية.

فاجأ رامي الجميع بإصداره الفيديو الأول في 24 نيسان الماضي، ليخرج على الناس بصورة جديدة غير تلك التي كان يتم الترويج لها، ويكتمل المشهد مع المقاطع اللاحقة التي بثها رامي، لكنه من جهة أخرى بعث برسالة مباشرة إلى أبناء الطائفة العلوية، الذين لطالما ذكرهم بأنه ضامنهم الاقتصادي على الأقل عبر المساعدات والإعانات التي يوزعها، حيث نشر رامي بوست مكتوب، تلا الفيديو الثاني، عبارة عن أدعية ويقول "مركز السياسة العالمية" في بحثه أن هذا الدعاء مأخوذ من كتاب "البلد الأمين والدرع الحصين" للشيخ تقي الدين ابراهيم بن علي العاملي، وهو من كتب الأدعية والأوراد والأذكار المهمة عند الشيعة والعلويين.

المال وأشياء أخرى

انتقل رامي بالخلاف للحالة القصوى، يظهر فيه التنافس القديم بين العائلتين ونظرة عائلة مخلوف لعائلة الأسد، فهو يخاطب بشار ويأمره ويتكلم كما لو أنه المتحكم بمصير النظام والناس، فرامي، بحسبه، هو من يقدم المساعدات والإعانات لا النظام، وهو من يتحكم بسعر الليرة، أشار لذلك بوضوح في المقطع الأخير.

يرى البعض في خلاف مخلوف الأسد مجرد دليل على تصدع داخل النظام ويذهب البعض إلى أكثر من ذلك باحثين عن اليد الروسية والإيرانية، وهما موجودتان طبعاً في كل تفاصيل الخلاف، ولكن من الواضح أن ما نراه، اليوم، هو ارتداد إلى طبيعة الرجلين الأولى، إلى التنافس العائلي والغل الطبقي القديم المتجدد. 

لاشك أنه المال، هو أس هذا الخلاف بين مخلوف والأسد، فعبر التاريخ لا يمكن أن يتواجد في أي دولة تنافس بين أصحاب المال ونظام الحكم، لأن هذا التنافس محكوم بالمواجهة الحتمية، التي إما تنتهي بإزاحة أحدهم للآخر أو القبول بالانصياع، فكيف اذا ما اجتمع كل ذلك مع أحقاد دفينة.