كوكب سوريا الكئيب المعتم

2022.04.21 | 06:17 دمشق

آخر تحديث: 21.04.2022 | 06:17 دمشق

dmshq_11.jpg
+A
حجم الخط
-A

بالنظر إلى واقع الكهرباء، حيث صار التقنين قبل سنين طويلة سياسة معتمدة في كل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، سيكتشف السوريون، وعلى وجه الخصوص سكان الساحل، أن (مجمع الرمال الذهبية) الذي يعرفونه، سيهبط هذه المرة على أرضهم المعتمة، كمركبة فضائية مضاءة ليل نهار، قادمة من كوكب متطور، ومختلف، لم يعرفوا بوجوده منذ ردحٍ من الزمن!

يشعر المتابع وهو يقرأ تعليقات المؤيدين الغاضبة من قرار الشركة العامة لكهرباء طرطوس تزويد هذه المؤسسة السياحية بالطاقة الكهربائية دون قطع*، اعتباراً من بداية شهر أيار وحتى نهاية شهر أيلول، بأن مشكلتهم قد بدأت من لحظة صدوره!

لكن عودة بسيطة إلى سلاسل القرارات الحكومية، الصادرة طوال السنوات السابقة، تظهر واقعَ حال مُختلفاً، قوامه التراكم المدروس لأفعال تنزع من هؤلاء وغيرهم، كل ما يمتلكونه من مقومات الحضارة والمدنية في العصر الحديث، الذي كان عنوان تطوره منذ قرنين هو اكتشاف التيار الكهربائي!

وفق هذا، سيسأل أحد ما؛ وما الضير في أن يقضي سكان المنطقة ليلهم على ضوء الفوانيس والشموع، بينما تضيء الأنوار الكهربائية ليالي المسؤولين والشبيحة و"السياح" في هذا الصيف؟

ألم تمر عليهم صيوف حارة وشتاءات باردة، وهم على مثل هذه الحال؟ هل المشكلة بأن النظام الذي يتحكم بحيواتهم قد قرر أن يصارحهم بما كان يفعله تحت علمهم وصمتهم؟

هل كانوا يظنون بأن رجالاته ومسؤوليه وضباط أمنه وجيشه، يعانون مثلهم من الأزمات ذاتها، أي من غياب الكهرباء والماء والبنزين والمازوت وغير هذه المواد؟!

ساذجة هي التعليقات التي تحدث بها بعض المعترضين، عن أن القرار هو كناية عن عودة الفوارق الطبقية إلى المجتمع، وتكاد تكون مضحكة، إذ يعلم السوريون ومنذ بداية حكم البعث، الذي توج بالكارثة الأسدية المستمرة منذ 52 سنة أن بلدهم تعاني من انقسام حقيقي، لا يشكل الاقتصاد والصراع الطبقي سوى وجه من وجوهه،  يقوم بين فئتين، الأولى وهي جماعة النظام، وتضم كل أفراده المشار إليهم أعلاه، مضافاً إليهم، كل المتحالفين معهم، الذين يتشاركون المصالح، وآليات النهب والسلب، لأموال الدولة ومؤسساتها، ولمقدرات السوريين. والفئة الثانية هي كل من لم يدخل في هذا السياق! وبينما تعدّ الأولى نفسها حامية للوطن ولسيادته، وأنها هي من تمنح الثانية الأمن والغذاء والصحة والتعليم وكل مقدرات الحياة، فإن من واجب هذه الأخيرة أن تدفع بأبنائها لكي يدافعوا عن "الوطن" في وجه المؤامرات والحرب الكونية! وفي واقع كارثي عاشته وتعيشه الأسر التي ضحت بمعيليها من الشباب والرجال، في سبيل بقاء النظام والأسد على رأسه، ما الذي ستشكله مفردات الحياة اليومية في هذه "الرواية"؟

يشعر الضحايا بأن على النظام القيام بحماية أمنهم الاجتماعي، بعد أن باتوا مكشوفين من دون سند، بالإضافة إلى ضرورة أن تتوفر لديهم مقومات الحياة من ماء وغذاء وكهرباء وغير ذلك!

لكن ما يشعر به أفراد النخبة يبدو مختلفاً، فمستشارة الرئاسة لونا الشبل قالت وبشكل صريح على شاشة التلفزيون الرسمي أن لا منية لأحد على النظام، وزجرت المشتكين من خذلانه

لكن ما يشعر به أفراد النخبة يبدو مختلفاً، فمستشارة الرئاسة لونا الشبل قالت وبشكل صريح على شاشة التلفزيون الرسمي أن لا منية لأحد على النظام، وزجرت المشتكين من خذلانه، قائلة لهم بأنهم لم يكونوا يدافعون عنه بل عن أنفسهم!

أما بخصوص التفاصيل اليومية "التافهة"، فإن أقل التصريحات فجوراً كان لوم أسعد وردة معاون وزير الصناعة، في مقابلة إذاعية، أصحاب الدخل المحدود على تمسكهم بالسيارة، الذي "يكلفهم ويكلف الحكومة أعباء كثيرة"! مختتماً "مأثرته" بسؤالهم، لماذا لا يستخدمون النقل العام في تنقلاتهم بدلاً من السيارة؟

أما أشدها فجوراً فهو تعميم أصدره محافظ اللاذقية عامر إسماعيل هلال وجّهه إلى رؤساء الوحدات الإدارية في المدن والبلدات والبلديات، يقضي بمنع تركيب المولدات الكهربائية بقصد بيع الكهرباء بالأمبيرات! الأمر الذي يجرد السكان من إمكانية الحصول على أي حل بديل لسياسة التقنين!

على كل من يعيش تحت سلطة نظام الأسد، تقبل واقع حاله؛ أن يشعل الشموع والفوانيس لكي يقضي لياليه، وأن يتدفأ على أخشاب الأشجار المقطوعة، وعلى روث الحيوانات، وأن يستخدم الحمير والبغال في تنقلاته، وأن يدبر أحواله بالطرق المتاحة له، وبالمتوفر بين يديه، ودون هذا، فإن أي شكوى أو اعتراض، يمكن أن يحاسب عليه، قانونياً، وفق مراسيم يصدرها رأس النظام، كان آخرها قبل أيام، ذاك الذي يشدد العقوبات على الجرائم الإلكترونية، مثل: نشر أخبار كاذبة على الشبكة من شأنها النيل من هيبة الدولة أو المساس بالوحدة الوطنية، وكذلك النيل من مكانة الدولة المالية، من خلال نشر محتوى رقمي على الشبكة، بقصد إحداث التدني، أو عدم الاستقرار، أو زعزعة الثقة في أوراق النقد الوطنية، أو أسعار صرفها المحددة في النشرات الرسمية!

مع ضرورة أن يلاحظ من يتجرؤون على ارتكاب مثل هذه الجرائم، أن دخول السجن لم يعد يترافق مع التعذيب، وفق مكرمة عبر عنها مرسوم آخر!

 

*عادت وزارة الكهرباء ونفت القرار رغم تداول صورة عنه.