icon
التغطية الحية

كورونا يفاقم أزمة الخبز والغلاء في حلب وميليشيات النظام تستفيد

2020.04.07 | 11:57 دمشق

91793593_2647918518765065_2484549752222384128_n.jpg
إحدى أفران الخبز في مدينة حلب (إنترنت)
تلفزيون سوريا - خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

يواجه السوريون في مختلف المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام أزمة معيشة غير مسبوقة في ظل الإجراءات التي اتخذتها حكومة النظام خلال تصديها المفترض لفيروس كورونا المستجد، والتي انعكست سلباً على منظومة واسعة من الخدمات الأساسية المنهارة والمدمرة أصلاً بسبب الفساد، وبفعل الحرب التي خاضها النظام ضد الشعب السوري منذ بداية العام 2011 حتى الآن، وباتت مشاهد وقوف السوريين في طوابير طويلة للحصول على الخدمات والسلع مشاهد يومية بعد أن أصبحت نادرة الوجود وبأسعار مرتفعة جداً في السوق السوداء التي استثمرت فيها ميليشيات النظام بشكل أكبر في ظل الأزمة.

يبدو المشهد في حلب أكثر سوداوية بسبب تعطل عمل مختلف قطاعات الإنتاج الخاصة في الورش والمعامل والمناطق الصناعية الصغيرة والمتوسطة، والذي قابله زيادة كبيرة في أسعار مختلف أنواع السلع والمواد الغذائية والتي بدأ تجار مقربون من ميليشيات النظام والفروع الأمنية في احتكارها والتحكم بتسويقها في ظل أزمة المعيشة الحالية والتي تصاعدت مع ندرة وجود بعض الخدمات العامة، كالكهرباء والمياه والاتصالات والنقل والغاز والخبز.

بدا فساد وفشل مؤسسات النظام في حلب بشكل أوضح مؤخراً، ففرعُ البعث ومجلسا المحافظة والمدينة وغرف التجارة والصناعة والزراعة تروّج لمجموعة من الإجراءات والوعود التي من المفترض بها أن تقلل من معاناة الحلبيين، الإجراءات والمبادرات المفترضة بدت مخادعة ولأغراض دعائية، وباتت معاناة الحلبيين أكبر مع ازدياد المخاوف من انتشار الوباء في حلب بعد أن سجلت زيادة رسمية في أعداد الإصابات والوفيات بالفيروس، بالإضافة إلى تداول معلومات عن وجود إصابات بين المي ليشيات الإيرانية في معسكراتها وثكناتها العسكرية المنتشرة بكثرة داخل المدينة وفي الريف والضواحي.

طوابير الخبز

استعان مجلس محافظة حلب مؤخراً بمزيد من العناصر العسكرية والأمنية لضبط طوابير الخبز أمام الأفران ومراكز التوزيع، وأقال المحافظ، حسين دياب، مدير المخابز بحلب، محمد الأسعد، وعين بدلاً عنه، جهاد السمان، وفشلت المحافظة في تنفيذ وعودها المتعلقة بتوفير مادة الخبز ومنع تهريبها لصالح السوق السوداء وتخفيف الازدحام أمام الأفران.

للحصول على "ربطة خبز" واحدة يحتاج الشخص في حلب للوقوف لأكثر من 4 ساعات في الطابور، لذا تضطر العائلات الكبيرة إلى إرسال عددٍ أكبر من أفرادها للوقوف في الطابور أمام الفرن أو في انتظار شاحنة بيع الخبز للحصول على كمية أكبر، تكررت مشاهد ملاحقة عشرات الأشخاص لشاحنات بيع الخبز في أحياء حلب، الوصول المتأخر إلى الطابور يعني حتماً الحرمان من الخبز بسبب نفاد الكمية، وسيضطر الناس لشرائه من السوق السوداء "الأفران السياحية" والباعة الجوالين وبأسعار مضاعفة إن وجد.

مصادر محلية في حلب قالت لموقع "تلفزيون سوريا": "الإجراءات التي أعلن عنها نظام الأسد لتوفير مادة الخبز لم تطبق وهي مجرد إجراءات ووعود شكلية، وبرغم إعلان مجلس المحافظة أواخر آذار/مارس الماضي، عن زيادة مخصصات أفران حلب من الطحين بكمية 30 طناً لتغطية العجز في 107 أفران، فإن الوضع ما يزال كما هو حتى الآن، والأفران تقدم كميات محدودة من الخبز وبجودة رديئة جداً".

وأوضحت المصادر أن أصحاب الأفران يبيعون الطحين في السوق السوداء لأفران الكعك ومحال الحلويات و"الأفران السياحية"، ويخبزون كمية أقل من المخصصات اليومية، وأضافت المصادر أن "عدداً من الأفران الخاصة البالغ عددها 96 فرناً في حلب يديرها أشخاص محسوبون على قادة في ميليشيات النظام وضباط في الفروع الأمنية ولا يهتمون أصلاً بالشكاوى المقدمة ضدهم، أما العاملون في مديرية التموين المسؤولة عن ضبط الأفران فهم شركاء في الأرباح الطائلة التي يتم جنيها من بيع مخصصات الطحين والمحروقات وبيع الخبز للباعة في السوق"

ليست حلب وحدها التي تعيش أزمة الخبز، تبدو المشكلة عامة في مختلف مناطق النظام، والوعود التي قدمتها حكومة الأسد بشأن زيادة مخصصات الطحين للأفران لتغطية العجز بدت مخادعة، ولم يتم فعلياً ضخ المزيد من الكميات، في حين فتح النظام الباب أمام التجار لإدخال الطحين المستورد أواخر آذار/مارس الماضي، وبشروط جمركية أقل وذلك لتغذية أفران القطاع الخاص "السياحية" لتغطي العجز الحاصل، ومن المفترض أن يحقق النظام من خلال العملية هدفين، الأول التخلص من عبء تقديم الخبز بالسعر المدعوم، والحفاظ على الكميات المحدودة من الطحين إلى حين موعد موسم القمح القادم، وبذلك يؤخر نفاد الكميات التي لديه والتي حصل عليها على دفعات من روسيا كهبة، آخر الشحنات كانت قد وصلت بداية نيسان/أبريل الحالي وهي 25 ألف طن.

غلاء فاحش

يعلن مجلسا المحافظة والمدينة في حلب يومياً عن إغلاق محال تجارية لم تلتزم بقائمة الأسعار، أو أنها خالفت القوانين المعمول بها من حيث عرض المواد ومدة صلاحيتها، إلا أن الحلبيين يشككون في الإجراءات المتخذة ويوجهون اتهامات للعاملين في مديرية التموين التي تنظم ضبوطاً شكلية للحصول على رشاوى، غالبية المحال المعلن عن إغلاقها لفترة تتراوح بين 15و30 يوماً، عاودت العمل في اليوم التالي لتنظيم ضبط المخالفة، وبالتالي لم يكن للإجراءات المعلن عنها أي فائدة ولم يتم وضع حد للارتفاع المتواصل وفوضى السوق.

وأعلنت المحافظة منذ بداية شهر نيسان/أبريل الحالي عن تخصيص 15 شاحنة تتبع لصالات التجزئة "السورية للتجارة" لبيع المواد الغذائية المدعومة في أنحاء حلب، وهو عدد غير كاف لمدينة بحجم حلب، علماً، بأن الخطة لم تشمل مناطق الريف والضواحي حتى الآن، وتبيع الشاحنات، الزيت والشاي والسكر وغيرها من المواد الغذائية الأساسية وبأسعار مدعومة، مصادر خاصة أكدت لموقع "تلفزيون سوريا" أن "الفارق بين أسعار السلع المدعومة ومثيلاتها في السوق السوداء ليس كبيراً، وليس لها الأثر الإيجابي المفترض في تخفيف أزمة المعيشة، الإجراءات المتخذة في غالبها تهدف إلى إشغال الناس وتشتيتهم بين طوابير الخبز والسلع والغاز وإبقائهم في دوامة الحاجات اليومية التي أصبح تأمينها حلماً".

 

شاحنات صالات بيع التجزئة في حلب.jpg

 

يرجع ارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية في حلب إلى تحكم ميليشيات النظام والتجار المقربين منها في عمليات تسويقها واحتكارها، واستغلت ميليشيا "الغوار" التابعة لـ "الفرقة الرابعة" أزمة الطلب المتزايد على الحاجات الأساسية لترفع قيمة الضرائب المفروضة على المواد المهربة القادمة من مناطق سيطرة المعارضة شمالي حلب والتي تدخل عن طريق معبر أبو الزندين أو ممرات التهريب المنتشرة على طول خط التماس. حواجز الميليشيات الإيرانية المنتشرة في محيط حلب وعلى الطريق التي تصل الريف بالمدينة ساهمت أيضاَ في رفع الأسعار بعد أن فرضت ضريبة مضاعفة على مرور المواد والسلع من حواجزها.

التدخل الإيجابي!

عممت ميليشيا "فيلق المدافعين عن حلب" المدعومة من إيران على مختلف القطاعات والنقابات والغرف الرسمية في حلب قراراً يمنع التصوير والترويج للحملات الخيرية التي تقوم بها في أحياء حلب، القرار الداخلي أصدرته أيضاَ، محافظة حلب وفرع "البعث" على خلفية الفضيحة التي تسببت بها مبادرات "التدخل الإيجابي" التي قامت بها غرف الصناعة والتجارة والزراعة في حلب مؤخراً، والتي تم تداول صورها بكثرة بين الحلبيين في مواقع التواصل الاجتماعي وسط انتقادات واسعة.

وكانت غرفة تجارة حلب التابعة للنظام قد أعلنت بداية شهر نيسان/أبريل عن حملة "التدخل الإيجابي" لتوزيع بعض السلع مجاناً، وتأمين أخرى بأسعار أقل من السوق السوداء، وفي آخر بياناتها قالت الغرفة " متابعة لحملة التدخل الايجابي للمساعدة في مواجهة خطر وباء كورونا وتقديم يد العون للأخوة المواطنين من سكان الأحياء الشعبية قام عدد من أعضاء مجلس إدارة الغرفة بتوزيع مادة الرز، وقد عبّر المواطنون عن سرورهم وسعادتهم بهذه المبادرة".

 

غرفة التجارة تبيع البيض.jpg

 

ونشرت الغرفة صوراً لرئيسها، محمد مجد الدين دباغ، برفقة عدد من أعضاء الغرفة والتجار أثناء توزيع 1 كيلو رز على كل شخص، وصوراً أخرى لبيع البيض للحلبيين في عدد من الأحياء بسعر 1500 ليرة سورية، أي أقل من سعره في السوق السوداء ب 300 ليرة فقط، الصور المهينة التي التقطها المكتب الإعلامي التابع لغرفة تجارة حلب تداولها الحلبيون بسخرية وانتقدوا الحملة التي اعتبروها خطوة لإذلال الناس والمتاجرة بمعاناتهم.

 

كيلو رز لكل مواطن - تجارة حلب.jpg

 

وفي سياق متصل، أطلقت غرفة زراعة حلب التابعة للنظام مبادرة مشابهة، وقالت "قامت غرفة زراعة حلب بالتدخل الإيجابي في الأسواق المحلية بالإشراف على بيع مادة البطاطا بسعر الكلفة، وقد لاقت هذه المبادرة استحسان المواطنين الذين عبروا عن امتنانهم"، وتداول الحلبيون صوراً لرئيس الغرفة وعدد من أعضائها وأمناء فرق وشعب "البعث" أثناء بيع البطاطا أمام مبنى فرع "البعث" وسط المدينة، واضطرت غرفتا التجارة والزراعة إلى حذف الصور من مواقعهم الرسمية في وسائل التواصل بعد موجة السخرية والانتقادات التي طالتهم بسببها.

 

رئيس غرفة الزراعة يبيع البطاطا امام فرع البعث وسط حلب.jpg

 

أما لجنة سيدات الأعمال التابعة لغرفة الصناعة فاستمرت في مبادرتها التي أطلقتها أوائل نيسان/أبريل الحالي، بعنوان "سوا منقوى"، واستعانت سيدات الأعمال بمراسلة قناة سما الموالية للنظام، كنانة علوش، للترويج للحملة.

 

سيدات صناعة حلب مع كنانة علوش مراسلة سما.jpg

 

الخدمات العامة

أثارت تصريحات مدير عمليات الغاز، أحمد حسون، استياء واسعاً في الأوساط الشعبية في حلب، والتي ادعى فيها استمرار بيع الغاز بكميات كبيرة وتغطي الحاجة، قالت مصادر خاصة لموقع "تلفزيون سوريا:، إن الأهالي يضطرون لشراء الغاز من السوق السوداء وبأسعار مضاعفة من التجار المقربين من الميليشيات، وبحسب المصادر، فالتصريحاتُ الأخيرة لمدير عمليات الغاز كاذبة، وهناك عائلات لم تحصل على أسطوانة غاز منذ بداية العام 2020.

وعلى الرغم من توقف المعامل والورش الصناعية في حلب بسبب حظر التجول الجزئي الذي فرضه نظام الأسد منذ أسبوعين تقريباً، فإن الكهرباء بقيت كما هي، انقطاعات متواصلة في التيار، وغياب شبه كامل عن عدد كبير من الأحياء الشرقية التي سيطرت عليها ميليشيات النظام أواخر العام 2016، وينطبق الأمر ذاته على باقي الخدمات، المياه والاتصالات والنظافة.

واعتادت المواقع الإعلامية الموالية للنظام في حلب على نقل الصور لحملات النظافة والتعقيم وغيرها من الإجراءات التي اتخذها مجلس المدينة مؤخراً، والتي تركزت في معظمها في الأحياء الغربية، في حين لم تحظ الأحياء الشرقية باهتمام مشابه في مختلف النواحي الخدمية، وبرغم المناشدات المستمرة للسكان في الأحياء الشرقية لتحسين واقع الخدمات فإنها ما تزال في مستوىً متدنٍ ونادرةَ الوجود.

استنفار أمني

يخشى نظام الأسد من تفاقم الأزمة المعيشية في مختلف مناطق سيطرته في سوريا في حال طالت الإجراءات المتخذة للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، والتي سيكون لها انعكاسات سلبية على الوضع الأمني، وبشكل أكبر في المدن الكبيرة حلب ودمشق، ففي حلب عزز النظام وجوده الأمني والعسكري، ونشر مزيداً من الدوريات الأمنية، وأمر برفع جاهزية تشكيلات "الجيش الشعبي" و "حفظ النظام" و "الشرطة العسكرية" لكي تتعامل مع أي تطور أمني غير متوقع، واستخدمت القوات الأمنية التابعة للنظام للمرة الأولى في دورياتها مدرعات عسكرية حديثة وأخرى مخصصة لمكافحة الشغب، وتم نشر عدد منها عند دوار الكرة الأرضية وعدد من الأحياء وسط المدينة وفي مداخلها.