علّق المدير التنفيذي لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" كينيث روث في مقال نشره بصحيفة الإندبندنت البريطانية على السياسية التي يتبعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتن للهيمنة على الحل السياسي في سوريا.
وتحدث "روث" في مقاله الذي عنونه بـ " كفّ يد بوتين عن القتل والتدمير في سوريا يأتي قبل دفع 250 مليار دولار لإعادة إعمار البلاد" عن مساومة بوتين للغرب على أموال إعادة الإعمار مقابل عودة اللاجئين.
كما طالب مدير "هيومن رايتس وتش" أوروبا بالتدخل لوقف أي هجوم محتمل للنظام على إدلب بدعم من روسيا، التي بات نصف سكانها من النازحين والمهجرين قسرياً.
وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لمقالة "كينيث روث":
يتحدّث الرئيس الروسي فلادمير بوتين عن إعادة الإعمار في سوريا حاملاً جزرةً في إحدى يديه، وعصا في اليد الأخرى.
فالجزرة هي ادعاءات بوتين بأن دفع مبالغ كبيرة سيكون كفيلاً بتمهيد الطريق لعودة اللاجئين السوريين إلى موطنهم، أما العصا فهي توعده باستمرار الهجمات على آخر معاقل القوات المعارضة في محافظة إدلب الواقعة في شمال سوريا، حيث يرزح 2.3 مليون إنسان تحت خطرٍ يلوح في الأفق. وكلا السياستين هما سياستان تنطويان على أخطاء.
لقد أتى قصف روسيا وقوات النظام العشوائي على مساحاتٍ واسعةٍ من المدن السورية، وتُقدّر تكلفة إعادة التعمير بأنها تصل إلى 250 مليار دولار أمريكي. إلا أن الاقتصاد الروسي الذي يئنّ يحدّ من قدرة بوتين على تحمل أعباء إعادة الإعمار، وقد صرّح بوتين قبلاً، خلال لقائه بالمستشارة الألماني أنجيلا ميركل، بأن على قادة أوروبا دفع المال إن أرادوا أن يعود اللاجئون السوريون إلى بلادهم.
سرقة أموال المساعدات
لكن معونات إعادة الإعمار هي ليست ما يؤرّق بال اللاجئين ويمنعهم من العودة إلى سوريا. فقد سلبت الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الحصص الأكبر من المعونات الإنسانية لملء جيوبهم وتمويل شلالات الدم، وهناك فرصةٌ كبيرةٌ بألا يتورّع هؤلاء عن فعل ذات الشيء بمعونات إعادة الإعمار. ومن ثم كان هناك قانون 10 عام 2018 الذي وافقت عليه حكومة النظام، والتي تسمح لها بالاستيلاء على أملاك اللاجئين.
لكن الأهم من هذا وذاك هو أن العديد من اللاجئين السوريين الذين يؤمنون بأن العودة إلى سوريا تعني الموت في ظل قلقهم بأن النظام يرى فيهم خصوماً سياسيين بعد هروبهم. هناك عشرات آلاف السوريين الذين انطمس أثرهم في أقبية مراكز الاحتجاز التابعة للنظام التي يملأ دهاليزها أصوات المعذّبين وجثث السجناء المعدَمين. وقد بدأ النظام مؤخّراً بنشر قوائم تحوي أسماء محتجزين سابقين ماتوا دون شرح سبب موتهم أو السماح لعوائلهم بدفن أحبابهم.
ثلاثة ملايين سوري ملاحقون
نُقل عن مدير المخابرات الجوية، جميل حسن، تصريحاً الشهر الفائت بأن هناك ثلاثة ملايين سوري على قوائم المطلوبين، وأنهم سيواجهون تهم الإرهاب في حال عودتهم إلى سوريا. ووفقاً لجهةٍ إعلاميةٍ مناهضةٍ للنظام قال حسن بأن "سوريا فيها عشرة ملايين سوري يمكن الوثوق فيهم ويطيعون القيادة أفضل من سوريا فيها 30 مليون مخرّب." فإذاً لن يكون هناك لضخّ معونات إعادة التعمير أي أثرٍ في إقناع اللاجئين بالعودة ما لم ينجح بوتين بإقناع النظام بتفكيك آلة قمعه الفتّاكة ومحاسبة المسؤولين عنها.
تهديد إدلب
هناك أيضاً العصا، إلى جانب هذه الجزرة المنفّرة، التي تتجسّد بتهديدات بوتين المضمنة لسكان إدلب التي شكّلت، حتى الآن، ملاذاً للكثيرين. فمع سقوط معاقل المعارضة واحدةً تلو الأخرى، عرض النظام على الناجين خياراً من اثنين – إما رميهم كلهم معاً في إدلب، أو السجن. فما يقارب 50% من سكان إدلب هم نازحون من مناطق أخرى في سوريا.
ولكن أصبحت إدلب اليوم تحت خطر جحيم الهجمات العشوائية، والمتعمّدة في بعض الأحيان، التي تستهدف المدنيين والبنية التحتية مثل المستشفيات. لقد كانت جرائم الحرب أحد الأسباب الرئيسية وراء سقوط ما يقارب نصف مليون إنسان، وتهجير أكثر من نصف سكان سوريا.
لا شكّ بأن روسيا تتمتّع بما يكفي من النفوذ للحيلولة دون وقوع مجزرةٍ داميةٍ في إدلب، فقواها الجوية انحازت إلى جانب قوات النظام منذ عام 2015، وكانت عاملاً رجّح كفة القوات الموالية للحكومة التي ستكون لها الغلبة الآن على الأغلب بالرغم من جبهاتها الهشة.
يُضاف إلى ذلك بأن الذراع الروسي الرسمي المصدّر للأسلحة، روزبورينكسبورت، هو المورّد الأكبر للسلاح إلى النظام، وقيام الممثّلين الروس باستخدام حق النقض حالاً دون إحالة الملف في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، بل وحاولت عرقلة التحقيقات الرامية لتحديد الجهة المستخدمة للأسلحة الكيميائية، ولو أن مساعيها هذه باءت بالفشل.
على أوروبا وقف حمام الدم
إذاً على الدول الأوروبية الضغط على موسكو لاستخدام نفوذها لتجنيب إدلب حمام الدم، عوضاً عن التظاهر بأن دفع المال لحكومةٍ غير صالحة سيكون كافياً لجعل سوريا مكاناً آمناً يستطيع اللاجئون العودة إليه. وقد أظهرت روسيا شيئاً من الاهتمام، فتبقى إدلب هي المنطقة الوحيدة من بين مناطق "خفض التصعيد" الأربع التي لم تستردها قوات النظام والقوات الروسية، وتعمل روسيا وتركيا حالياً على اعتماد "نقاط مراقبة" في محيط إدلب. ولكن يبقى إصرار روسيا على الحصول على مبلغٍ كبيرٍ لعدم الوغول في دماء مدنيين سوريا أمراً قاسياً ومستهجناً.
تبقى هناك طريقةٌ أخرى. فيمينيو الكريملن نفسه يريدون بناء علاقاتٍ أفضل مع الاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات وإنعاش اقتصاده الراكد، ولكن هناك عوائق عديدة – أزمة القرم، وأكرانيا، ولغز الرحلة الجوية الماليزية MH17، وغاز الأعصاب نوفيتشوك. ولكن يجدر بحكومات أوروبا التشديد على أن سفك دماء المدنيين في إدلب لن يكون له سوى تعقيد ملف العلاقات بدرجةٍ أكبر.
ما يزال الحديث عن معونات إعادة الإعمار في سوريا بعيداً كل البعد، وهو بكل الأحوال يتطلّب رفع عقوباتٍ منفردةٍ ومحدّدة، فعلى الحكومات الأوروبية أن تتحدّث صراحةً عن تواطؤ روسيا في جرائم الحرب المرتكبة في سوريا، وأن تضغط بلا كللٍ على الكرملين لوضع حدٍّ للفظائع التي تُرتكب في سوريا ودعم روسيا لآلة القمع. فمصير 2.3 مليون سوريٍّ يعيشون في إدلب، ناهيك عن وجود أي فرصةٍ حقيقيةٍ لعودة اللاجئين، يتوّقف على إيصال هذه الرسالة بوضوحٍ تام.